أصيب المجتمع المغربي بوباء الفساد و نهب المال العام و الرشوة منذ زمن بعيد. هذا الوباء الذي أصاب المغاربة تعليمهم في كل أسلاكه ومستوياته وفي مستشفياتهم من المستوصف إلى المستشفى الجامعي . حتى أصبحت المدرسة العمومية تعاني من سرطان التجارب الفاشلة و من الفساد المالي و الإداري و من الفساد البيداغوجي و من العقم الثقافي و العلمي و من تراجع التطور الفكري و النمو العقلي و الإبداعي ، و لم تعد تنتج إلا التطرف بكل اشكاله و الغش بكل أنواعه و الرشوة و البؤس الاجتماعي و التخلف الفكري والعقائدي. و فقدت دور أستاذها لما انتزعت منه كرامته و عطلت مواهبه حتى لا يظل هو الباحث و المنظر التربوي و المبدع البداغوجي و الوسيط الاجتماعي والقاهر للجهل . ولكي يتحول إلى آلة تمرير مفاهيم و قضايا فرضتها برامج ومناهج لم يشارك فيها و لم يكن له رأي فيها حتى أصبحت المدرسة هيكلا بدون روح و أصبحت عملية التعلم بدون طعم و أصبح الطفل و التلميذ و الطالب يرى في المدرسة المجهول.و بفعل سرطان الفساد الذي ينخر البلاد بدون رادع تحولت المستشفيات إلى مقابر للأموات و اصبح الطبيب بين القسم المهني و الواقع العنيد ليعيش الأزمة , فلما جاء الوباء / الكارثة وجد المغرب نفسه امام واقع مزري على مستوى هذين القطاعين ، يتجلى في ضعف البنية التعليمية وعجزها عن مواجهة الأزمة ، و بالنسبة للقطاع الصحي فإن جل المستشفيات و المراكز الصحية لم تكن قادرة على مواجهة الجائحة من حيث التجهيز و بنية الاستقبال المناسبة و الموارد البشرية ، مما أدى إلى معاناة الأطباء و الممرضين و الممرضات و تقني المختبرات , و لولا التماسك الاجتماعي و التضامن الذي تميز به الشعب المغربي ، رغم ظروفه المعيشة ، و العمليات الإستباقية التي قامت بها الدولة , و لولا تضحية الطبيب و الممرض من أجل مواجهة خطر الفيروس ، و لولا الأستاذ الذي ضحى من أجل تقديم دروس عبر المنصات التواصلية لاستكمال البرامج رغم الصعوبات التقنية و غياب المساعد بالأسرة للتصدي للجهل و لليأس الذي عم الفضاءات العائلية لعاش الشعب المغربي الكارثة العظمى . لقد وجت الدولة نفسها في امس الحاجلة لرجال البذلة البيضاء ، الذين ظلت تعنفهم كلما خرجوا مطالبين بتحسين ظروفهم و تأهيل المستشفيات لمصلحة المواطنين و المواطنات ، من أجل إنقاذ أرواح المواطنين من خطر الفيروس , و وجدت نفسها في أمس الحاجة للأستاذ الذي ظل يهان و يعاني من الإقصاء و من التهميش لأنقاد السنة الدراسية باستكمال البرامج على حسابهم . كلهم كانوا عند الطلب ، أطباء و طبيبات ، أساتذة و أستاذات و كلهم ضحوا من أجل الوطن ، حتى ان اطباء سقطوا شهداء في هذه المعركة . لكن بالمقابل وجدت الدولة نفسها أمام تمرد الذين أنتجتهم سياسة التعليم العقيمة يرفضون قرارات الدولة و يلجئون للعنف . و أمام تمرد أرباب التعليم الخصوصي و امام ارباب المصحات الخصوصية بطلبهم الاستفادة من صندوق التضامن لمواجهة خطر فيروس كورونا و أيضا امام تواري البرلمانيين و البرلمانيات و المستشارين و المستشارات ، الذين لم يعد يظهر لهم أثر ، ما ينتظرون إلا أن تضع الحرب أوزارها فيخرجون مثل ” المخلفون من الأعراب ” أو كمثل مقاومي الساعة 25 في فرنسا بعد الانتصار على النازية . ليمدوا أيديهم للتعويضات و ليطالبوا بالمزيد من الامتيازات . لقد اصبحت الدولة أمام مسؤولية رد الاعتبار للمدرسة العمومية و للأستاذ و للصحة العمومية و للطبيب و مأسسة التضامن الاجتماعي بالقطع مع الفساد و المفسدين و نهب المال العام و سياسة الريع .