انجزت وزارة إعداد التراب الوطني و التعمير و الإسكان و سياسة المدينة في الأيام الأخيرة دراسة حول مناخ العقار في البلاد ، و كشفت هذه الدراسة عن ما وصفته ب “مخاطر الرشوة في قطاع التعمير و العقار ” و بأن الرشوة في قطاعي التعمير و العقار ظاهرة معقدة و تتخذ اشكالا و أبعادا مختلفة . كما وقفت الدراسة على أن %78 من حالات الفساد تهم الارتشاء و التلاعب في الأتمتة. لكن السؤال الذي يظل مطروحا هو : ما هي الإجراءات القضائية التي تم اتخاذها للحد النهائي من هذه الظاهرة ؟ لأن الاكتفاء بإعداد دراسة و اكتشاف مظاهر الفساد و الرشوة بنسبة % 78 في القطاعين ،إنما هي محاولة الوزارة المعنية و حكومتها الهروب إلى الأمام موهمة الرأي العام على أنها قامت بالواجب ، بدل تحمل مسؤوليتها في تردي الأوضاع بهذين القطاعين و التصدي لمظاهر الفساد و نهب المال العام . و لقد تعود الشعب المغربي على عدمية التقارير الحكومية عندنا في البلاد ، لأنها غالبا ما تسعى من خلالها تغطية عيوبها و عجزها عن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و عدم قدرتها الوصول إلى المسئولين الحقيقيين من اصحاب شركات عقارية و رؤساء جماعات . و إلا فلماذا لا تحيل وزارة الإسكان التقارير التي انجزها قضاة المجلس الأعلى للحسابات في الشق المتعلق بالتجزيء على الأقل ،و التي وقفت على مظاهر الفساد و الرشوة في عمليات التجزيء بعدد من الجماعات الترابية على القضاء ؟ هذه التقارير التي وقفت على جانب من التلاعب في احتساب الكلفة الحقيقية لتجهيز الأراضي التي تشملها عمليات التجزئة ، بحيث تكتفي الجماعة بالاعتماد على التكلفة المحتسبة والمصرح بها من قبل الشركة المجهزة والتي تعتمد في جميع الأحوال من قبل الجماعة ككلفة حقيقية لأشغال التجهيز دون التحقق من هذه التكلفة ، وذلك بطلب الوثائق التي تثبت التكلفة الحقيقية . وتجدر الإشارة إلى أن مبلغ الرسم لا يصفى إلا اعتمادا على التكلفة الحقيقية للأشغال المحتسبة من قبل الجماعة،الشيء الذي يجب أن يتم عند تسليم شهادة المطابقة، كما هو منصوص عليه بالمادة 62 من القانون رقم 06 – 47 المتعلق بالجبايات المحلية ، و ما يقوم به المجزئ هو تحديد الكلفة بقيمة لا تتعدى مائة درهم للمتر المربع ، في حين أن المتوسط الوطني هو 300 درهم . كما تجدر الإشارة إلى أن مبلغ الرسم يصفى اعتمادا على التكلفة الحقيقية للأشغال المحتسبة من قبل الجماعة و ليس من قبل الشركة ، الشيء الذي يؤكد وجود شبهة رشوة من خلال التلاعب في تحديد القيمة الحقيقية لعملية التجزيء و كذلك بالتحايل على المساحات المصرح بها للتجزيء . و كنموذج في هذا السياق ، سبق للفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام لجهة مراكش أسفي أن تقدم بشكايات لدى محكمة الاستئناف بمراكش في الموضوع ضد مجموعة من الجماعات المحلية بالجهة ، بناء على تقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2012 و التي طالت أزيد من 15 جماعة ترابية بالجهة . و قد تم تقدير الأموال التي تم تفويتها عن 11 جماعة فقط بالجهة ب 33 مليون درهم في ظرف سنتين. إلا أن القضاء لا زال لم يتخذ الإجراءات القانونية المناسبة بالرغم من الاستماع في هذه الشكايات لرئيس الفرع الجهوي لجهة مراكش أسفي من طرف الشرطة القضائية لجرائم الأموال بمراكش . إذن فإن العبرة ليست بالتقارير و الدراسات و و ضعها في الرفوف لردم الحقيقة و التستر على المجرمين ، و لكن العبرة تتجلى في ربط المسؤولية بالمحاسبة و اعتماد مبدأ المسائلة و عدم الإفلات من العقاب.