احتضنت الكلية المتعددة التخصصات التابعة لجامعة السلطان مولاي سليمان بني ملال يوما دراسيا في نسخته الثانية حول موضوع:” التمويل التشاركي: رافعة لاقتصاد جهة بني ملالخنيفرة”، وذلك يوم الجمعة الماضي 24 ماي 2019 الموافق ل 18 رمضان 1440ه؛ والذي نظمه مختبر الدراسات والأبحاث في علوم الاقتصاد والتسيير وطلبة ماستر المحاسبة المراقبة والتدقيق، بتعاون مع الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي فرع بني ملال، وبمشاركة عدد من الأساتذة الجامعيين الباحثين ومتخصصين في المجال. وفي كلمته الافتتاحية توجه الأستاذ مهدي الماجدي،أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات بني ملال بشكره الجزيل إلى السيد عميد الكلية حدادي بن عاشر على دعمه لهذا اللقاء العلمي، كما شكر السيد نائب العميد المكلف بالبحث العلمي والشراكة على حضوره لأشغال هذا اليوم الدراسي، وكل المتدخلين وأعضاء اللجنة العلمية واللجنة التنظيمية والطلبة على مساهماتهم المتميزة في تحقيق أهداف هذا اللقاء والسهر على جودة نتائجه. وأكد الأستاذ الماجدي على أهمية تعاملات الأبناك الإسلامية على مستوى العالم، والمتمثل في ارتفاع عدد المؤسسات المالية الإسلامية واتساع انتشارها الجغرافي. حيث بلغ عددها أزيد من 2000 مؤسسة، فيها أبناك إسلامية، ونوافذ للخدمات البنكية الإسلامية في البنوك التقليدية، وشركات التكافل ومؤسسات مالية إسلامية أخرى، مثل شركات التمويل والاستثمار. وأضاف أن ما يعزز مكانة ونجاعة التمويل الإسلامي على مستوى العالم، هو تنامي حجم أصول واستثمارات الأبناك الإسلامية، والتي بلغت 2,4 ترليون دولار سنة 2015 وتجاوزت هذا الرقم في سنة 2016، وحسب تقرير المؤتمر العالمي الأول للمصرفية والمالية الإسلامية الذي نظمته جامعة أم القرى في مارس 2016، يُتوقع أن يصل حجم هذه الأصول المالية إلى 3.4 تريليون دولار في نهاية العام 2018، وهو ما يمثل 1,5 في المائة من إجمالي الأصول العالمية، بمعدلات نمو تتراوح بين 15 و20 في المائة سنويا. علاوة على ذلك، عرفت قيمة الصكوك الإسلامية المُصدرة كأدوات دين، ارتفاعات مستمرة وثابتة لتصل قيمتها إلى أزيد من 300 مليار دولار، وأيضا تجاوز قيمة الأصول الاستثمارية، التي تديرها الصناديق الاستثمارية الإسلامية على مستوى العالم بأكثر من 75 مليار دولار، وكذلك ارتفاع حجم قطاع التأمين التعاوني بمبلغ20 مليار دولار. وركز الماجدي على أهمية هذا اللقاء في نسخته الثانية الذي يحاول الإجابة عن أسئلة مهمة ذات صلة بمميزات المالية الإسلامية وطبيعة منتجاتها ومدى أهميتها في إضافة قيمة مضافة على المستوى الوطني والجهوي. وختم بالقول إن هذه الندوة في نسختها الثانية حول تجربة البنوك التشاركية في نسختها المغربية، جاءت للإجابة على التساؤلات التالية، ما الذي يميز هذه البنوك عن مثيلاتها التقليدية؟ ما هي طبيعة المنتوجات التي تقترحها على المواطنين؟ وماهي الشروط الضرورية لإنجاح هذه التجربة؟ وماهي القيمة المضافة لهذه التمويلات فيما يخص الاقتصاد الغربي؟. وفي كلمة له بالمناسبة، قال نائب عميد كلية المتعددة التخصصات المكلف بالبحث العلمي والشراكة، السيد بلعيد بويخالن، إن الكلية منفتحة على محيطها السوسيو اقتصادي قصد المساهمة في تحقيق التنمية الشاملة، مركزا على الدور الذي تلعبه المالية التشاركية في هذا الصدد. ومن جهته أبرز الدكتور يوسف مازي الممثل الجهوي للجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي أهمية موضوع هذا اليوم الدراسي الذي ينتظر منه أن يجيب على مجموعة من الأسئلة المؤرقة الخاصة بالأبناك التشاركية، متمنيا النجاح لأشغال هذا الملتقى العلمي وتحقيق أهدافه المرجوة. وفي السياق ذاته، استعرض السيد الحسين سهام مدير وكالة أمنية بنك فرع بني ملال، الحصيلة المشرفة لنتائج البنوك التشاركية بالمغرب بعد انطلاقها الفعلي سنة 2017، حيث بلغ عدد زبنائها 102 ألف، بمبلغ 1.6 مليون تعبئة للمدخرات وخمس مليارات كتمويل للاقتصاد، وابتداء من سنة 2018 تم إصدار صكوك الإجارة السيادية، وأشار إلى أن أهم معاملات هذه البنوك تركزت أساسا حول المرابحة الخاصة بالعقار وبالسيارات وبالتجهيز، إضافة إلى فتح الحسابات ومنح بطاقات ائتمان متنوعة منها الخاصة بالخارج، واعتماد الوكالة بالاستثمار لدعم العجز الحاصل في التمويل خاصة في البداية التي عرفت إقبالا كبيرا للمتعاملين. وأوضح الحسين سهام أنه حسب مبدأ التدرج الذي اعتمدته السلطات الوصية، فإنه سيتم اعتماد السلم والإجارة والتكافل سنة 2019، وفي سنة 2020 تطمح السلطات طرح معاملات الاستصناع والمشاركة والمضاربة وتفويض الإمضاء، وأن من أهم الجهات المستهدفة بالتمويل الشركات والمهنيين والأشخاص الذاتيين. واعتبر ذات المتدخل أن أمنية بنك هو بنك دولي ويعتبر أول بنك تشاركي تم الترخيص له بتاريخ 06/03/2017 وانطلق فعليا بتاريخ 22/05/2017 بشراكة بين مؤسستين ماليتين (القرض العقاري والسياحي CIH وبنك قطر الدولي)، ومؤسسة حكومية تتمثل في صندوق الإيداع والتدبير CDG برأسمال بلغ 600 مليون درهم، وأن عدد وكالاتها في ارتفاع مطرد، إذ انتقل من 14 إلى 26 وكالة ما بين سنتي 2017 و 2018، آملا أن يتجاوز عددها 50 سنة 2020 لتغطية كل تراب المملكة، وبلغ عدد الأجراء 122، حيث تمثل نسبة التكوين المستمر 10% من كتلة الأجور. أما عن امتيازات أمنية بنك فإنها تتمثل حسب مدير وكالة بني ملال في تفرده بمنح الزبون الحق في اختيار رقم حسابه وحرية السحب من جميع الشبابيك بالمغرب مجانا، وهكذا بلغت إلى حدود نهاية سنة 2018 رقم استثمارات البنك 350 مليون درهم، ومبلغ الودائع 680 مليون درهم، ومبلغ التمويلات وصل 947 مليون درهم، ويعتمد البنك التكنولوجيا الرقمية وتركز أهم معاملاته حاليا على التمويل بالمرابحة للسيارات والعقار تحت رقابة المجلس العلمي الأعلى وبنك المغرب. وفي سياق متصل تمحورت مداخلة السيد يونس مميح مدير وكالة بنك الصفاء ببني ملال، حول المالية التشاركية بالمغرب: بنك الصفاء نموذجا، حيث ذكر بنشأة هذا البنك التشاركي الذي تم الترخيص له سنة 2017 والذي هو نتيجة تجربة دار الصفاء بشراكة مع التجاري وفا بنك، ليعرض أهم مؤشرات نتائج معاملات البنوك التشاركية بالمغرب ما بين سنتي 2018 و 2019، التي تميزت بالإيجابية رغم عدم اكتمال كل مكونات المالية التشاركية بإدراج التكافل والصكوك، وهكذا بلغ رقم تمويلها من خلال المرابحة الخاصة بالعقار والسيارات سنة 2018 ما نسبته 85% الخاصة فقط بالعقار (4 مليار درهم)، وهي نسبة السوق من القروض البنكية بما فيها التقليدية، علما أن عدد وكالات البنوك التشاركية لم يتجاوز سقف المائة وكالة سنة 2018، ويعتبر بنك الصفاء البنك التشاركي الرائد على المستوى الوطني بامتلاكه لحصة الأسد من المعاملات التشاركية، إذ يعتبر البنك الوحيد الذي تجاوز سقف المليار في تمويل السوق بنسبة 61% سنة 2018 خاصة خلال الفصل الأول من نفس السنة. وأبرز ميميح في ذات المداخلة أهم إيجابيات البنوك التشاركية المتمثلة في المشاركة في الربح والخسارة، إضافة إلى أهمية الوازع الأخلاقي، حيث إنها أقل انخراطا في المضاربات المالية، وتقترح معاملات متنوعة لانخراط الشركات والأسر مما يرفع من نسبة الاستبناك والسيولة وخلق مناخ ملائم للاستثمار بجلب الاستثمارات الأجنبية خاصة الخليجية، مشيرا بدوره إلى أهمية إصدار الصكوك السيادية للإجارة شهر أكتوبر من سنة 2018 من طرف بنك المغرب بمبلغ مليار درهم، حيث تضاعفت الطلبات عليها ثلاث مرات بمبلغ 3.6 مليار درهم. و أشار ذات التدخل إلى أن بنك الصفاء يحترم كل التوجيهات الشرعية للجنة الوصية في مجال المرابحة بتملك المبيع، كما أن فتح الحساب ليس إجباريا وهو بالمجان، وإمكانية السحب من كل الشبابيك بالمغرب مع اعتماد الوكالة الرقمية من خلال تطبيق رقمي خاص بالبنك للاطلاع على الوضعية المالية وتسديد الفواتير والتحويل إلى الخارج مجانا، مع تعدد البطاقات الائتمانية، ويمكن للبنك أن يمدد آجال التسديد من عشر سنوات إلى عشرين سنة دون تكاليف التأخير. وقال مدير وكالة بنك الصفاء ببني ملال إن المرابحة هو المنتوج المسوق إلى الآن مع أمل اكتمال المنظومة المالية باعتماد التكافل والصكوك وأدوات الاستثمار من مضاربة ومشاركة، وليسهم البنك التشاركي في تنمية الجهة وجب استهداف المنعشين العقاريين والحرفيين والتعاونيات والمشروعات الصغرى عموما. وأمام ضعف السيولة في السنة الأخيرة لجأ البنك إلى اعتماد الوكالة بالاستثمار من خلال مساهمة شركات لها فائض سيولة توكل البنك الاتجار بأموالها من خلال عمليات المرابحة تحت رقابة المجلس العلمي الأعلى CSO وبنك المغرب. ليختم مداخلته بالتأكيد على أن البنوك التشاركية بالمغرب تسهم في الرفع من نسبة الاستبناك، حيث يعتبر التمويل التشاركي تمويلا مكملا للتمويل التقليدي خاصة في فترة الأزمات وتمحورت مداخلة الأستاذ عبد السلام بوضهر، أستاذ بالكلية المتعددة التخصصات ببني ملال، والتي كانت بعنوان: “المالية التشاركية وتحديات تمويل الاقتصاد بالمغرب”، أساسا حول الانعكاسات السوسيو اقتصادية للمالية التشاركية مقارنة بتوقعات وانتظارات المغاربة منها، وحاول بذلك من خلال مداخلته تقويم مدى مساهمة المالية التشاركية في تمويل الاقتصاد الوطني إلى جانب التمويل التقليدي، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو الجزئي، مبرزا بعض مزايا هذه المالية مقارنة بالمالية التقليدية وآفاق هذه الصناعة، حيث أكد المحاضر أن هذه المالية ترتكز على ثلاثة مكونات أساسية: الأبناك والتكافل والسوق المالية (الصكوك)، كما تقدم منتجات خاصة تعتمد المشاركة في الربح والخسارة (تحمل المخاطر)، ساهمت في الرفع من نسبة الاستبناك بانخراط شريحة مهمة كانت ترفض التعامل مع البنوك التقليدية، بتعبئة مدخرات إضافية كانت خارج الدورة الاقتصادية الرسمية في إطار القطاع غير المهيكل. و أكد الأستاذ عبد السلام بوضهر أن مفهوم تمويل الاقتصاد يرتبط ارتباطا وثيقا بالمجال الاقتصادي والمالي، إذ يشكل النظام المالي العامل الرئيس لتعبئة الادخار وتمويل الاستثمار. وقد أفرز صدور القانون البنكي المتعلق بالأبناك التشاركية بالمغرب انطلاق المالية التشاركية كنظام مالي بديل مبني على مبادئ الشريعة الإسلامية وقائم على مبادئ تقاسم الربح والخسارة. وأضاف أنه وبالرغم من حداثة وفتوة السوق المالية التشاركية بالمغرب، فإن هذه السوق المالية تتوفر على مؤهلات تجعل منها سوقا واعدة، باعتبار أن المالية التشاركية لا تمثل قطاعا يحترم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف فحسب، بل تعرض خدمات ومنتجات مالية متميزة على مستوى الجودة والتكلفة والحماية من المخاطر الاقتصادية والمالية. وأشار الأستاذ بوضهر إلى أنه وبعد مرور أكثر من سنتين على انطلاق هذه التجربة تبين أن المنتوجات المالية التشاركية تستهدف بالأساس المستهلك، خصوصا فيما يتعلق بتمويل العقار وامتلاك السيارات، الأمر الذي يدفع لوضع تساؤلات حول مدى نجاعة المالية التشاركية كنظام مالي يروم تمويل الاستثمار وخلق القيمة المضافة وفرص الشغل. متسائلا إلى أي حد يمكن للمالية التشاركية أن تشكل نموذجا ماليا ناجحا لتمويل الاقتصاد والدفع بقاطرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب. وركزت مداخلة الأستاذ رشيد الحسناوي، أستاذ بالكلية متعددة التخصصات بني ملال، على الجانب الضريبي لمعاملات المالية التشاركية وانعكاساتها على التنافسية من خلال تكلفة المنتجات، حيث يتم تضريب المنتجات مرتين إضافة إلى رسوم التسجيل والتحفيظ المضاعفة أثناء تحويل الملكية، مشيرا إلى أن هامش الربح في المرابحة يتم حسابه بناء على طريقة حساب الفائدة لدى البنوك التقليدية حسب مدة السداد، وهذا ما كانت تطرحه المعاملات البديلة، كما أشار إلى توظيف العامل الديني في تسويق المعاملات المالية وما يطرحه من اختلاف آراء المهتمين باعتباره عاملا ينم عن عدم تكافؤ الفرص حسب تعبيره؛ مؤكدا على دور الدولة المحوري في دعم تجربة البنوك التشاركية الفتية حتى تسهم في التنمية الوطنية. أما مداخلة الأستاذ الشيخ الكبير ماء العينين، منسق ماستر المحاسبة والمراقبة والتدقيق ومدير مختبر الدراسات والأبحاث في علوم الاقتصاد والتسيير بالكلية المتعددة التخصصات بني ملال، فركزت على مراحل تطور المالية التشاركية الإسلامية على المستوى الدولي وآفاقها، حيث سرد أهم المراحل التي مرت بالمالية الإسلامية في شقها الاقتصادي والاجتماعي، ثم مناخ اشتغالها والمؤسسات الدولية وشركات الاستثمار الإسلامي والأبناك البيحكومية للتنمية، وتقويم نشاطها منذ سنة 1970 إلى اليوم. واستهل المحاضر مداخلته بتعريف للبنوك عموما والبنوك الإسلامية خاصة، هذه الأخيرة التي تقوم بتعبئة الموارد المالية وتوظيفها واستثمارها في أنشطة مشروعة وفق تعاليم الشريعة، مشيرا إلى أن الاشتغال على دراسة البنك الإسلامي يستدعي الاهتمام بثلاثة أبعاد أساسية: البعد التقني والقانوني والمحاسباتي، وأن ظهور البنوك الإسلامية يعود للأربعينيات بباكستان ثم تجربة أحمد النجار “بمنت غامر” بمصر سنة 1963 وهي مؤسسات استثمارية اجتماعية، ثم بنك ناصر الاجتماعي سنة 1971، وتلته تجارب أخرى، وتكمن مهمة هذه الأبناك أساسا في الرفع من موجوداتها واستثمارها في الاقتصاد الحقيقي عكس البنوك التقليدية التي تعتمد أساسا نسبة الفائدة التي لا تخلق ثروة. وأضاف ماء العينين أن بنك ناصر الاجتماعي يعتبر أول بنك إسلامي يهتم بالجانب الاجتماعي بمصر سنة 1971 الذي كان يمول ويراقب من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية التي تستهدف الفئات الهشة من خلال القروض الحسنة خاصة، وبالنسبة للبنوك التجارية فهي نوعان بنوك تمويل وبنوك استثمار بكل من مصر ودبي والكويت والبحرين واليمن، وبالنسبة للبنوك الدولية وشركات الاستثمار الإسلامية التي تستهدف الأشخاص الذاتيين والشركات، فالبنوك التجارية تجمع المدخرات وتوظفها في المعاملات ربحا وخسارة، والشركات الاستثمارية الإسلامية. وتعتبر مجموعة دار المال التي تأسست سنة 1981 من طرف رؤساء حكومات، خاصة مصر وباكستان والكويت وقطر والسودان وماليزيا، هذه المجموعة التي أنشأت فروعا للاستثمار الإسلامي وحققت نتائج مهمة في مجال المال والأعمال والاستثمار. وقال الأستاذ الشيخ الكبير إن تراكم البحث النظري ساهم في تطور الصناعة المالية الإسلامية منذ سنة 1970، خاصة من حيث الجانب القانوني والتقني، مع نقص في الجانب المحاسباتي الذي سيتم الاهتمام به بعد إنشاء المنظمة الدولية للمعايير المحاسباتية الشرعية ابتداء من سنة 2000، إضافة إلى النقص الحاصل في الهندسة المالية. وفي سنة 1983 شكلت التجربتين السودانية والإيرانية طفرة مهمة في الأسلمة الكاملة للنظام المالي للدولة انطلاقا من البنوك المركزية وحققت نتائج طيبة، مما دفع دولا أخرى لمحاولة استلهام التجربة لتخفيف آثار الأزمة المالية العالمية الأخيرة. وختم المحاضر مداخلته بالإشارة إلى أن الفترة الممتدة ما بين سنة 1970 إلى سنة 2018 بلغ عدد المؤسسات المالية الإسلامية أزيد من 330 مؤسسة موزعة في أكثر من 56 دولة عبر العالم، مع توجيه اهتمام السلطات الوصية للعناية أكثر بالجانب التشريعي وتنويع الخدمات والمنتجات المالية الإسلامية، إلى جانب تطوير الجانب المحاسباتي والتقني. ومن جهته، ذكر الأستاذ محمد الكوادي، أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملالخنيفرة، في مداخلته بعنوان: “المالية التشاركية والجهوية الموسعة مدخل للتنمية المحلية: الآفاق والتحديات”، (ذكر) من خلالها بدور الباحثين المغاربة في تطوير المالية الإسلامية على المستوى العالمي والإقليمي والوطني، وخاصة جهود الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي، ومنها تأسيس البنك الإسلامي للتنمية سنة 1974، وأنه رغم تأخر المغرب في اعتماد معاملات المالية الإسلامية بعد محاولات حثيثة منذ الثمانينيات، فقد تم إطلاق تجربة المعاملات البديلة سنة 2007 من خلال توصية بنك المغرب، والتي أبانت بعد تقويمها عن اختلالات قانونية وشرعية عدة ولم تسهم بالشكل المأمول في الدفع بعجلة التنمية الوطنية قدما، لتتوج هذه المجهودات باعتماد قانون مؤسسات الائتمان والتي تدخل في حكمها مطلع سنة 2015، والذي تضمن في بابه الثالث نصوصا خاصة بالمالية التشاركية، فكانت البداية الفعلية لعمل هذه البنوك سنة 2017. وركزت مداخلة الكوادي على محاولة الإجابة عن السؤال الإشكالي الرئيسي: إلى أي حد ستسهم منتوجات المالية التشاركية في خلق دينامية تنموية بجهة بني ملالخنيفرة؟، موضحا أن اعتماد قانون البنوك سنة 2015 تزامن مع اعتماد الجهوية الموسعة، حيث إن الجهة تمتلك مؤهلات طبيعية واقتصادية مهمة، لكنها لا تستفيد منها بالشكل المطلوب، وهذا ما أشارت إليه دراسة المندوبية السامية للتخطيط (HCP) سنة 2016 والتي أبانت عن اختلالات كبيرة على المستوى الجهوي رغم مجهودات الدولة في هذا المجال، إذ بينت أن أهم الاختلالات تكمن في ضعف النجاعة التدبيرية والتمويلية واقترحت توصيات للرفع من هذه النجاعة. أما جهة بني ملالخنيفرة فلها إمكانات مهمة لكن غير مستثمرة بالشكل المطلوب رغم مساهمتها في الاقتصاد الوطني بما يقارب الخمس من خلال مجموعة من القطاعات كإنتاج اللحوم والحليب والمعادن…، لذلك فهي جهة مسلوبة الإرادة خارجية التدبير، وتعتبر هذه الإمكانات مؤهلات لاستثمار المعاملات المالية التشاركية خاصة عمليات الاستثمار من مضاربة ومشاركة، إضافة إلى أهمية السلم في المجال الفلاحي والفوسفاط. واستعرض محمد الكوادي مجموعة من الصيغ التمويلية والاستثمارية من خلال خطاطات مع التركيز على أهمية الصكوك في مجال تدبير مجموعة من المشاريع التنموية المحلية كتدبير النفايات والمشاريع الصغرى والمتوسطة في الفلاحة والصناعة التقليدية والصناعة الغذائية، ليختم مداخلته بمجموعة من الخلاصات والتوصيات ركزت أساسا على أهمية الالتزام بالضوابط الشرعية أكثر في مجال تطبيق المعاملات المالية والاستثمارية وتأهيل الموارد البشرية تأهيلا تقنيا وشرعيا، مع الاهتمام بابتكار أدوات مالية تبتعد عن تقليد النظام التقليدي وتمويل المشاريع الصغرى والمتوسطة بالجهات من خلال إبرام شركات مع مختلف المتدخلين في القطاعات الاقتصادية الحيوية. بعد ذلك، تم فتح باب للمناقشة والردود، حيث انصبت الأسئلة أساسا حول ازدواجية المعاملة من طرف البنوك التشاركية وانعكاس ذلك على تمويل الاقتصاد والتنمية، وتوظيف الدين في الاقتصاد الذي يميز بين المتدينين وغيرهم، واعتماد المداينات بدل الاستثمار الذي يخلق الثروة ويسهم في التنمية المحلية. وكانت الردود تؤكد على أنه يصعب عزل تمويلات البنوك التشاركية عن التقليدية، ويصعب بذلك قياس انعكاسات الأول على الاقتصاد الوطني، وأهمية المقارنة بين الإيجابيات والسلبيات وجرد أهم العوائق التنموية أمام التمويل التشاركي، ومنها التسريع بطرح الصيغ الاستثمارية من مضاربة ومشاركة، مع استكمال المنظومة المالية باعتماد التكافل والصكوك. واختتم اللقاء بتجديد الشكر لكل المتدخلين والجهات واللجان المساهمة في إنجاح فعاليات هذا اليوم الدراسي الذي فتح آفاقا أخرى للبحث في ملتقيات علمية قادمة. تحديات تواجه البنوك التشاركية الإسلامية وبعض التوصيات والحلول * التحديات التنموية للمالية التشاركية الإسلامية: إن توسع وانتشار المالية الإسلامية التشاركية ستواجهه تحديات كثيرة نجمل أهمها فيما يلي: – اختلاف الأنظمة القانونية والضريبية والجبائية. – عدم احترام الضوابط الشرعية في التعامل بمنتجات هذه المصارف، يقلل من عدد المتعاملين خاصة المحافظين منهم. – قلة الأطر الخبيرة في التمويلات الإسلامية التشاركية، إدارة ورقابة شرعية وتطويرا، وضعف التكوين المستمر في هذا المجال لمواكبة المستجدات. الافتقار للشفافية اللازمة في نشر المعلومات والنتائج لزيادة الثقة مع العملاء، بالإفصاح عن العناصر التي تخضع للمراقبة ومنها قيمة الأصول وشروط إدارة المخاطر وكفاءة المدراء. الاعتماد أكثر على المداينات من مرابحة وسلم وإجارة بدل المشاركات من مضاربة ومشاركة، التي من أجلها أنشئت هذه البنوك مشاركة في الربح والخسارة غنما وغرما، بخلق فرص للاستثمار قادرة على امتصاص أفواج العاطلين من الشباب خاصة، وتأهيل البنية التحية وتثمين الموارد الطبيعية الخام. تقليد التقنيات والأدوات التمويلية للنظام الاقتصادي والمالي التقليدي، وضعف الاهتمام بالابتكار لإنتاج أدوات خاصة بهذه الصناعة التي يؤطرها التشريع الديني. اختلاف النظم المحاسبية لمعاملات التمويل الإسلامي، مما يخلق صعوبة في عقد مقارنات والإفصاح عن النتائج الحقيقية للأنشطة. فسح الفقه الإسلامي المجال لتأويلات مختلفة للتعامل مع المنتجات المالية، مما يصعب معه ضبطها، خاصة أن غالبية الدول الإسلامية تتعدد فيها هيئات الرقابة الشرعية باستثناء بعض الدول التي لها هيئة رقابة موحدة تنسق مع البنك المركزي، والمغرب له هذا المعطى إذا تم تنزيله كما هو مقرر. ويصبح التوحيد لازما في حالة التعامل الدولي مع الشركات الدولية التي تحتاج لتدويل الصكوك. غياب مؤسسات للتأمين التكافلي، وكل الإجراءات التي من شأنها تغطية مختلف المخاطر(تأخير أو صعوبة السداد، وإدارة السيولة والسوق والتشغيلية والشرعية، والمعاملات طويلة الأمد والتحويل بينها وبين الأمد القصير…)، لذلك وجب البحث عن أدوات تغطية أخرى شرعية في إطار التكافل. * إشكالية التعاطي لعمليات التورق المحرمة والمشتقات والخيارات، لما تتضمنه من أضرار على العملاء. * ضعف الأصول الموظفة بالتمويل الإسلامي مقارنة مع البنوك التقليدية، وغلبة التنظيم العائلي على معظمها خاصة الخليجية منها، التي أبرمت شراكات مع مجموعة من البنوك المغربية، وتتواجد بمجموعة من الدول الإفريقية. * تنامي المخاطر لارتفاع التنافسية وضعف الضبط الأمني والهيكلة المدنية للسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية لغالبية الدول * التأويلات المختلفة للنصوص الشرعية من لدن الهيئات الشرعية التي تنتمي لمذاهب فقهية مختلفة، والمؤسسات المحاسبية. والبنك الإسلامي للتنمية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية تحاول توحيد المعايير في هذا المجال.. * الشراكة مع البنوك التقليدية تطرح مشكل الوقوع في المحضورات الشرعية كعقود الخيارات والعقود المستقبلية وعقد وشرط وربط العقود بشروط فيما بينها… * خلاصات وتوصيات أ–خلاصات: رغم تأخر انطلاق تجربة المالية الإسلامية في المغرب، إلا أن الخطوة تعتبر مهمة، ويمكن اعتبارها بداية لإرساء دعائم الصناعة المالية الإسلامية بالمغرب، وسيكون لها، حتما، انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني. كما يمكن للمغرب أن يستفيد من هذا التأخر ليضع الأسس المتينة لهذه الصناعة، ويتبنى من بين التجارب الموجودة أفضلها وأنسبها للسياق المغربي. نشير، في الختام، إلى أن المغرب لا يعتبر الوحيد في المنطقة الذي انتبه إلى أهمية الاستثمار في قطاع المالية الإسلامية، حيث تنكب عدة دول في المنطقة خاصة تونس والجزائر، على الانخراط في هذه التجربة من خلال تحيين منظومتها التشريعية والقانونية في أفق اعتماد المصارف الإسلامية ضمن منظومتها المالية، مما يستوجب الإسراع في وتيرة العمل من أجل رفع التحديات التي أشرنا إليها وتذليل العقبات أمام هذه الصناعة الوليدة في المغرب، حتى لا يضيع هذا الأخير فرصته في تحقيق الريادة على المستوى الإقليمي والقاري. ب–توصيات: – دراسة الجدوى وتنويع الاستثمارات (حسب القطاعات والمناطق) وتخصيص مخصصات لتعويض الخسائر المحتملة للتحكم في المخاطر ما أمكن. – تأهيل الأطر والموارد البشرية المؤهلة في المالية الإسلامية. – مساهمة البنوك الإسلامية وخاصة البنك الإسلامي للتنمية في دعم المشاريع الصغرى والمتوسطة التي تهيمن على النسيج الاقتصادي. – توظيف الصكوك والتمويل الأصغر والاجتماعي وإمكانية التوسع والانفتاح على معتنقي الديانات الأخرى خاصة التي لها تجربة في هذا المجال، إذ هناك تقارب في الأهداف. – دعم الفلاحة عموما والفلاحة التعاونية والتضامنية التي تهيمن على القطاعات الاقتصادية بالجهة، وتشكل الأمن الغذائي الجهوي والمغربي.