كتبت لحد الآن ثلاث مقالات متتالية حول منطقة تاغية التابعة ترابيا للجماعة القروية زاوية أحنصال بإقليمأزيلال. وهي المنطقة التي تحسب فيها المسافة بعدد الساعات التي عليك قطعها مشيا على الأقدام للوصول إلى آخر نقطة طريق معبدة. وبما أن المقالات السابقة تميزت بذكر معاناة وآلام وهموم سكان "مغاربة الجبال" على شكل إشارات وتلميحات مختصرة، حيث أن كل كلمة تحتاج وقوفا مطولا عندها، فإنني هنا أفضل أن ترفع مطالب وحاجيات وآلام وآمال أولئك المواطنين المنسيين على رؤوس الجبال، وفي قارعة الأودية، بشكل مباشر وواضح وظاهر، حتى تصل الصورة كاملة، والحقيقة تامة إلى رئاسة الحكومة، وإن اقتضى الأمر إلى عاهل البلاد، حتى يتم اتخاذ الإجراءات العملية والتدابير المستعجلة لفك العزلة، وإعادة الإعتبار لمغاربة بررة، كتب عليهم العيش في "أقاصي التخوم". فأنا متأكد أن المسؤولين الإقليميين، والجهويين، غير جادين في الاستجابة لمطالب الساكنة البسيطة جدا، وأن التقارير التي يرسلونها، إلى الرباط، غير دقيقة، ولا تختلف كثيرا عن تلك التقارير الإعلامية التي ركزت على زيارة عامل إقليمأزيلال إلى المنطقة مشيا على الأقدام، واعتبروها إنجازا تاريخيا، بينما لم يسألوا لماذا لم تنجز الطريق كي يستقل السيد العامل المحترم سيارة الخدمة عوض المشي؟ هل كان مشيه رياضة، وعشقا وسياحة ؟ أم ضرورة واضطرارا فرضه انعدام الطريق؟ ثم ما بعد الزيارة و"المشي على الأقدام لأكثر من أربع ساعات" ؟ أتكون مشقة وعناء مسؤول، لمرة واحدة، أهم من محنة المئات طول الحياة؟ ما الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع؟ لماذا توقفت أشغال تهيئة الطريق، التي انطلقت منذ سنوات طوال؟ زيارة السيد عامل إقليمأزيلال لمنطقة تاغية كانت يوم السبت 7 أبريل 2018، استجابة ل"التعليمات السامية لجلالة الملك للإستماع إلى هموم رعاياه الأوفياء، وتجسيدا للمفهوم الجديد للسلطة"، وفق تصريح المسؤول الأول عن الإقليم، في كلمته أمام ساكنة تاغية. وهي المناسبة التي وعد فيها بالعديد من الإجراءات، في مختلف المجالات، أهمها أن أشغال الطريق ستبدأ الأسبوع المقبل للزيارة، وكان المقاول الفائز بالصفقة حاضرا، في ذات اللقاء. لماذا توقفت الأشغال، وتبخرت بقية الوعود؟ هل تعلمون، أيها المسؤولون المحترمون، أن عدم انجاز الطرق، خاصة تلك التي تربط تاغية بزاوية أحنصال، يعني مأساة إنسانية حقيقية، خاصة في فصل الشتاء وموسم الثلوج؟ أتدرون أن الأمطار الرعدية التي ضربت المنطقة يوم الجمعة الماضي عصرا قد سوت الجسور الترابية بالوادي، وطمست معالم "الطريق" المهترئة؟ أيعجبكم أن يتناقل العالم صور الحوامل تحمل على النعوش، وقد تلفظ أنفاسها في الفجاج؟ أيرضيكم أن يحمل الفقراء و المساكين مواد البناء الثقيلة على ظهور حمير هزيلة؟ أ هكذا تخدمون وطنكم ودولتكم وتستجيبون لهموم رعايا جلالة الملك، الذي استأمنكم على مصالحهم؟ أهكذا يكون الوفاء بالأمانة والعهود التي قطعتموها لاولئك "المزاليط"، الذين استقبلوكم بحفاوة وفرحة؟ إن إنشاء الطريق وبناء المسجد وتهيئة المدارات السياحية أمر ضروري وحيوي وأساسي ومركزي ورئيسي وإجباري واضطراري وملح وواجب وطني وديني وإنساني أخلاقي لا يقبل التأجيل ولا التماطل ولا التسويف. قد يمنح السكان بعض الوقت للأوراش المتعلقة بالسياحة والفلاحة و تغطية شبكة الهاتف، المنعدمة، مطلقا، بالنسبة لاتصالات المغرب وإنوي، أو شبه ميتة لأورونج، غير أن إنجاز الطريق وإتمام بناء المسجد لا يقبلان أي تأخير. وهذا ليس كلامي، طبعا، فأنا مجرد ناقل لرسالة شيوخ ونساء وأطفال تاغية، الذين التقيتهم واستمعت إلى معاناتهم، وقد عاينت جزءا بسيطا منها. إذا كانت أمطار الصيف تقطع أوصال تاغية عن العالم الخارجي، فكيف بأمطار وثلوج الشتاء؟ كيف سيكتمل بناء ذلك المسجد، حيث ينقل الناس مواد البناء الثقيلة على ظهر الدواب من تيغانمين؟ كم من دابة، وكم من وقت سيحتاج الناس لنقل المواد، إن وجدت أصلا؟ وكم سيستغرق البناء؟ وهل البناء ممكن في ظل الأمطار والثلوج؟ أيعقل أن يبقى رعايا المئات من رعايا أمير المؤمنين بدون مسجد؟ أليس حراما أن تبقى قرية بأكملها بدون جامع يجمع فيها الناس صلواتهم؟ لماذا نغير ديكورات وأفرشة مساجد المدينة، بينما دوار بأكمله محروم من دار للعبادة؟ هل يمكن تسمية تلك "الخربة" المفتوحة على السماء مسجدا؟ أليس الشأن الديني أولوية لديكم؟ أتكون المهرجانات أهم من بناء مسجد صغير ل"شعب الجبال"؟ هل.. ؟وهل..؟ وهل..؟ و لمعرفة أسباب توقف أشغال تهيئة الطريق في "منتصفها"، أجريت حوارا مع المقاول الفائز بالصفقة، أنقل رده على سؤالي: لماذا توقفت الأشغال؟ هنا حرفيا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته السبب في توقيف الاشغال هو اننا لم نتوصل بالوثائق الإدارية من عمالة اقليمازيلال التي تخص الصفقة مع العلم اننا تجاوزنا النصف في الاشغال ولذلك فإن التوقف سيستمر الى تسوية الوضعية الإدارية . وحول سؤالي: وما السبب في عدم التوصل بالوثائق؟ ما رد العمالة حينما تطالب بالوثائق؟ كان جوابه حرفيا: مشكل العمالة. انتهى الحوار. وللعمالة حق الرد! وختاما: يشاء القدر أن يتزامن هذا المقال المتواضع مع ذكرى ثورة الملك والشعب المجيدة وهي مناسبة لاستحضار تضحيات ونكرات ذات أبناء زاوية أحنصال وتاغية، أحفاد الشهيد البطل أحمد الحنصالي في سبيل دحر الإستعمار ونيل الإستقلال. تذكرون أحمد، الذي أجريت معه حوارا حول معاناة الرحل؟ سكان تاغية يعرفون أن أبوه قتل على يد المستعمر الفرنسي بزاوية أحنصال رميا بالرصاص، قصة رواها لي بنفسه وهو يكفكف دموعا تحجرت في مقلتيه. لا أريد أن أروي عشرات القصص المؤلمة التي تمزق الفؤاد، وتجرح الكبد لأناس دافعوا بشراسة عن رفعة وسؤدد الوطن، ثم جاء من يتنكر لهم ولتضحياتهم، ولغيرتهم على بلدهم وحبهم لملكهم. لا تكاد تجد بيتا لا يعلق صورة الملك في "المصرية"، فوق النافذة الرئيسية. أيعقل أن يعامل مواطنون من هذه الطينة معاملة من الدرجة الثالثة؟ هل طريق يربطهم بالعالم؟ ومسجد يربطهم بخالقهم؟ ومستشفى يداوي مرضاهم؟ و "إنعاشا" يشغل شبابهم مطالب مستحيلة؟ هل زيارة ومساندة قاعة للأيروبيك خاصة أهم من المصلحة العامة؟ أتمنى أن يتحرك كل من له غيرة وطنية لتدارك الأمر، ومعالجة الإختلالات، وتجنب مأساة إنسانية قبل هطول الثلوج، وحينها ستصبح صور وڤيديوهات الموت بالمنطقة متداولة في القنوات والمواقع العالمية، وسيصبح الوقت متأخر جدا.. وعيدكم مبارك سعيد.. وكل عام وأنتم هائمون في عشق الوطن!