قال الراوي ياسادة يا كرام ثم إن الملك زهير قال لعنترة و سط من حضر مجلسه من السادات الكرام : و الله لا يكون نديمي اليوم إلا فارس الفرسان عنتر الهمام حامية بني عبس المقدام و أطلب من الجميع أن يقفوا له على الأقدام . فوقف الجميع له في الحال و هم يحيونه بكل وقار و احترام صلوا على رسول الانام عند ذلك قام عنتر إلى الملك زهير و قبل يديه ..فأجلسه قربه وباسطه في الحديث و لاعبه و كأنه بعض أقاربه ، ففرح المحبون لعنتر بذلك و كذا جماعة مالك بن زهير ، إلا ساش و الربيع بن زياد فإنهما ماسرهما ذلك ، و زاد بهما الهم و الغم ، و اشتعلت في قلبهما نار الحقد و الحسد و الغل و العياذ بالله من كل حسود للنعمة داع إلى زوالها .. .. و صار الملك زهير ينادم عنترة و يضاحكه ويمازحه و ينشرح له و يطلب منه إنشاد الأشعار و ذكر عجائب الأخبار ، و كلما أراد ان يقوم للخدمة يمنعه ،و يقربه و يدنيه و يكافؤه من دون أهله و أقاربه ..و أكرمه غاية الاكرام ، بلباس جديد من زبرجد و حرير مذهب ،و فرس كأنه قد من حديد ، أدهم اللون قوي البنية.. و بقي المجلس على تلك الحال من فرح بعنترة و احتفاء و احتفال إلى أن تقدم الليل و جن ، و طلبت العين حظها من المنام،و جاء آوان الانصراف .. وخرج عنتره و أبوه شداد ، و ودعهما الملك زهير ،و لما اقتربا من مضارب بني قراد ترجل عنترة وسار في خدمة أبيه شداد حتى أنزله عن ظهر الجواد ،كما تفعل العبيد مع السادات .. فلما أراد شداد أن يدخل الى الابيات عند أهله لينام تقدم اليه عنترة و قبل يديه و أثنى عليه و قال له : يا أبي ، إذا سمحت لي بالكلام أخبرتك بالمرام .. قال له شداد : قل ما تريد من الكلام و لا تخش فيه الملام .. قال عنترة : لم لا تمكنني مما أريد ،و تمكنني من حقي ، وقد علمه الأحرار و البعيد و القريب و البعيد … قال له شداد : ما الذي تشتهي و تريد ' اذكر حاجتك و زد ،حتى أقضيها لك و أبلغ روحك أمانيها.. وكان شداد يظن أن عنترة يريد النوق و الأموال، و المزيد من النوال ، لكن ما سيقوله له لم يخطر له على بال .. قال عنترة : يامولاي اعلم انني أريد منك أن تلحقني بالنسب و تقول أني ولدك ليصير لي نسب و الحق بسادات العرب ..و أنا أكافؤك بشدة بين جميع العرب ببأسي و بسيفي … فما أتم عنترة كلامه حتى قامت عينا شداد في أم رأسه و انزعجت سائر حواسه و قال : و الله يا ابن الملعونة لقد حدثتك نفسك بشيئ يكون لك فيه الهلاك و منتك أمانيك بسوء الارتباك ..و أثرفيك كلام الملك زهير، و أنت تريد ان تضعني و ترفع قدرك ، و تتركني عرضة للحديث ، و الله مابقي لك عني جواب بعد هذا الخطاب … ثم ان شداد جرد حسامه بعد ان انتهى من كلامه ،و تقدم اليه فتهاربت العبيد من حواليه ،و سمعت زوجته سمية ما يحدث فخرجت من خبائها مسرعة ..و هي مكشوفة الرأس مهلهلة الشعر ، ثم إنها أمسكت بيد شداد و قالت له : و الله لن أمكنك منه و لن انسى تلك الفعال التي قام بها عنتر ، و لايضيع مثلك صنيعه و عمله … و مازالت سمية تحادث زوجها و تعقله ، حتى سكن غضبه ، و أخذت من يده السيف و أدخلته الخباء و اضجعته على سريره .. أما ما كان من أمر عنترة فإنه انصرف و قصد صديقه مالك و هو في حالة يرثى لها من انكسار النفس و الشعور بالظلم و القهر، فلما رآه مالك علم أنه ما قصدة في هذا الوقت المتأخر إلا لأمر عظيم ، ثم إنه أدخله إلى خيمته ، و رحب به غاية الترحيب ، و أجلسه قربه ، و ابتسم في وجهه ، و سأله عن حاله فأعاد عليه ما حدث له مع أبيه شداد و حدثه عن السبب في الخلاف بينه و بين أبيه ، و كيف طلب منه ان يلحقه بالنسب ، و كيف أن شداد أراد قتله من شدة الغضب .. فقال له مالك : و الله لقد تعديت على أبيك بهذا السبب و جنيت على نفسك من دون العرب ..فاذكر لي السبب الذي دفعك إلى هذا الامر .. قال عنترة : ما حملني على هذا السبب إلا الهوى و المحبة ، ذلك أني أحب عبلة بنت مالك بن قراد ، و هي التي منعت عني لذيذ الرقاد و رمتني بالسهر و السهاد ، و ما كلمت أبي إلا من أجلها …و بكى عنتر و تحسر تحسرات زائدات … في الغد ترقبوا حكاية جيدة من حكايات أبي الفوارس عنترة