إن هذه المداخلة تندرج ضمن الموضوع العام للندوة التي ينظمها مركز طارق بن زياد للبحوث والدراسات وشركاؤه مشكورين في إطار فعالياتهم إحياء ذكرى مرور 100 سنة على تأسيس قصر السوق سابقا أي مدينة الرشيدية حاليا،عنوان الندوة هو:"أي سياسة ثقافية للمغرب في ظل الجهوية المتقدمة"؟؟. ملخص المداخلة: في البداية تساءل صاحب المداخلة ذ.الحبيب عكي/فاعل جمعوي،عن بعض المفاهيم الأساسية والتي حسب رأيه ستؤثر في تنمية الجهة عامة وفي تنمية الثقافة بها خاصة،لذا حاول بسطها و طرح إشكالاتها والتذكير بأنها لا يمكن أن تشكل دوافع وروافع تنموية في الجهة إلا بقدر ما ستكون مفاهيم وأدوات سياسية ثقافية وتنموية حقيقية كما هو متعارف عليها عند الجميع،هذه المفاهيم كما وردت في العنوان الرئيسي للندوة ثلاثة وهي: 1)السياسة الثقافية:والتي يرى العديدون أن المغرب ككل لا يتوفر عليها فبالأحرى الجهات(فقط 3% ميزانية ومجرد 71 مركز ثقافي و414 فضاء شبه ثقافي لا تتوفر 50% من مجالس الجماعات على شيء منها)،مما يجعل الوزارة الوصية ورغم جهودها الجبارة لا تحقق شيئا كثيرا في برنامجها الخماسي المغرب 2020 والذي يستهدف دعم الكتاب والنشر والقراءة،والإبداع والمبدعين في مختلف المجالات،وتوثيق الإنتاج الشفهي اللامادي،وحماية الثراث المعماري،وتشجيع المنتوج الحرفي التقليدي؟؟؟، 2)الجهوية المتقدمة:وهل ستكون فعلا جهوية القرب والتشارك والموارد والطاقات..،أم مجرد جهوية الرجل المريض ببعض الصلاحيات الإدارية على علاتها؟؟؟، 3)وأخيرا،الثقافة التنموية:وإلى أي حد سنمارسها في جهتنا كثقافة الواجب والمسؤولية والإبداع والسننية والتشارك والحكامة..؟؟،أم سنمارس ما دأب عليه البعض من ثقافة ميتة كالانتظارية والخرافية والتبريرية والغش والريع والاستبداد…؟؟،أو ثقافة قاتلة كالاستتباع الثقافي للآخر وثقافة الطعن في الدين وثقافة البهرجة دون عايد تنموي…،كما يقول"محمد يتيم"صاحب كتاب"في نظرية التغيير الثقافي"؟؟؟،خاصة وأنه كما تؤكد البحوث والدراسات من أن جهتنا تزخر بأنماط ثقافية تساعد على التنمية كثقافة "القصور" في البناء و"الخطارات" في الري والعديد من الأمثال والحكايات والأغاني الشعبية..،وعكسها ثقافة لا تنموية متجدرة بدورها كثقافة الاعتقاد في الأولياء وتهميش المرأة في المجتمع وتفشي الأمية والهجرة وبعض القبلية في الانتخابات وغلاء طقوس الزواج في بعض المناطق،من هنا ضرورة السؤال المؤسس والأساس أي ثقافة ستحقق التنمية لجهتنا(قالوا ليه باك طايح،قال لهم من الخيمة خرج مايل)؟؟؟. هذا وقد عددت المداخلة العديد من مداخل ومنطلقات التنمية بالجهة قانونية وتشريعية،جماعاتية و وكالاتية واستثمارية ومساعداتية وطنية ودولية..،لتركز على مدخل واحد وأساسي هو مدخل المجتمع المدني جمعيات ومؤسسات ومراكز وتعاونيات وخاصة الثقافية منها رافعة التنمية في كل المجتمعات،فتحدثت المداخلة عن 6 مميزات تنموية ينفرد بها المجتمع المدني:مشتل النخب والطاقات والقوة الاقتراحية والترافعية،مدرسة في العمل التطوعي وخدمة الفئات الهشة،تراكم في الإنجاز وسياسة القرب،قوة تفاوضية وتشبيكية وتشاركية قادرة على تعبئة الموارد والطاقات والرأس المال الوطني والدولي،مدرسة في التكوين والإبداع والتخطيط والبرمجة،مدرسة رائدة في التربية على الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والسلوك المدني،مدرسة الحرية والاستقلالية والسلمية واللاعنف،حظوة دستورية(20 مرة ذكر)وأدوار تنموية وترافعية هائلة في وضع السياسات العمومية ومواكبتها ومراقبتها؟؟؟،وكذا عن 6 مميزات تنموية وتربوية تنفرد بها الثقافة:فالثقافة توجد في كل شيء في المأكل والمشرب والملبس..،وهي صيانة للذاكرة وذاكرة الحياة الجماعية(حقوق و واجبات وطقوس..)،مفتاح العلم والمعرفة لارتباطها بالكتاب والقراءة والفكر والحوار..، أطلس حياة الحرية والإبداع الثقافي والحرفي والفني والتقني..، وهي تربي فينا الأذواق الذي تؤسس فينا للاختيارات والاتجاهات والانتماءات والمعاملات والالتزامات،وأهم من ذلك كله كما يقول السوسيولوجيون والباحثون التنمويون وغيرهم أنه ما فشلت كل الشعارات الكبرى التي نرفعها في حياتنا على أهميتها من مواطنة وديمقراطية وحكامة وقرب وتخليق وعدالة..،إلا لأنها مفاهيم مجردة من أبعادها الثقافية وهي شرط أساسي للعمل والانجاز،فانظروا مثلا إلى تضخم الساعات في حياتنا وضحالة احترامنا للأوقات؟؟؟. المجتمع المدني إذن منطلق أساسي ومدخل واسع وحتمي للتنمية في الجهة،ولكن حسب المتدخل لابد من توفير 3 شروط على الأقل وهي: 1)ضرورة وضع خريطة التنمية في الجهة شمولية وعادلة،التحديات والرهانات المنطلقات والغايات،الأولويات والمؤشرات،والمخططات والبرامج،وضرورة مشاركة المجتمع المدني فيها كغيره من الفاعلين لا تابعا فقط ولا باحثا عن الفتاة؟؟، 2) ضرورة مراعاة الحاجات الحقيقية للجهة والمحافظة على مكتسباتها السوسيو ثقافية و من ذلك: 1- تدبير التنوع والاختلاف في إطار التعدد والوحدة. 2- الحفاظ على ثراء التراث اللامادي للإنسان الواحي .3- العدالة المجالية في التنمية بين كل الفئات الاجتماعية والأماكن الجغرافية. 4- تعبئة وإشراك النخب والفنانين والمثقفين والمبدعين،وضمان التواصل معهم. 5- إحداث ودمقرطة فضاءات الإبداع والتواصل والإعلام الصحفي والفني والثقافي والحرفي في الجهة. 6- معايير في دعم الجمعيات والتظاهرات والمعارض والنشر الكتبي والفني والسينمائي وغير ذلك. 7- ضرورة التعاون والتنسيق بين السياسي والمدني،وتحمل الدولة لأدوارها كاملة غير منقوصة،خاصة فيما يعتبر جبر الضرر الجماعي لأبناء الجهة. 8- إحداث وإحياء وتفعيل المجالس الجهوية للثقافة والرياضة كشركاء والتعاون مع وكالات التنمية الجهوية،،وكذلك مع الجمعيات الجهوية التي أحدثت مؤخرا للمساهمة ومواكبة التنمية المدنية للجهة،من أقطاب واتحادات وإئتلافات وهي قيم مضافة وفرص تنموية حقيقية لا ينبغي تهميشها وإهدارها؟؟؟. 3) وأخيرا،ضرورة الاعتقاد بأهمية التنمية الثقافية وبإمكانيتها في جهتنا بل وبكونها المدخل الطبيعي لكل التنميات السياسية والاقتصادية وغيرها،أولا،لعائدها التربوي والتكويني والتحفيزي على الإنسان،وثانيا،لعائدها الاقتصادي والتنموي حتى،وكم تتحدث عن ذلك الأرقام والتجارب الدولية نجد بعضها في كتاب"أضواء على المسرح الغربي"/"ألفريد فرج":فالصناعات الثقافية من صحافة وإعلام ونشر وسينما ومسرح..في الاتحاد الأوروبي تشغل 8.5 مليون منصب،واليابان وكوريا وبريطانيا وفرنسا دول رائدة في هذا الصدد،وألمانيا وحدها تشغل في هذه الصناعات الثقافية حوالي 720 ألف مقابل 444 ألف في قطاع الكيمياء و234 ألف في قطاع الطاقة،بل هناك تجارب ناهضة في بعض المدن المغربية كورزازات السينمائية ومراكش السياحية وغيرهما؟؟،ولكن يبقى السؤال العريض مطروحا:هل نستطيع تنمية جهتنا من مداخل غير تقليدية وحوامل غير معهودة أو التزاوج بينها على الأقل،إن لم يكن إعادة الترتيب والتجريب والأمور بعواقبها؟؟؟.