جعلت الفلسفة المعاصرة و اللسانيات و كذلك علم النفس اللغوي وعلَم الاجتماع و غيرها من العلوم الإنسانية من اللغة أرضية خصبة للدراسة و التحليل والنقاش. إن كل هذه العلوم التي انشغلت بدراسة مفهوم اللغة تلتقي عند نقطة أن اللغة موضوع شيق وشائك في نفس ألان. هذه الازدواجية في التعريف هي ما يجعل من اللغة ظاهرة معقدة تطال ميادين مختلفة و متعددة كميادين السلطة و الفكر و الأيديولوجية و المنطق و الدين, الخ. يبدوا لنا من الوهلة الأولى انه لا يمكن الاكتفاء بمناقشة اللغة فقط كمفهوم تعنى به اللسانيات بالدراسة الباطنية للغة و لكن يجدر بنا توجيه هذه الدراسة نحو ما هو خارج عنها نحو دراسة اللغة في إطار مجالات استعمالاتها المتعددة و الشروط الاجتماعية لاستخدامها. إن مثل هذه الدراسات التي تجعل من وظيفة اللغة أساسا و منطلقا لها تؤكد ان للغة سلطة على النفوس و العقول, هذه السلطة التي تداهم الأفراد و المجتمعات على حد السواء بوسائل الإعلام المختلفة التي تخدم أجندات سياسية آو أيديولوجيا. هكذا يبرز التساؤل المحوري حول اللغة هل تعمل اللغة باستقلال عن مؤسسات المجتمع و كذا قيمه, أم أنها تحمل سلطة محاثية لها؟ إن كون اللغة فعل من أفعال السلطة يدفعنا إلى القول إن هناك علاقة وطيدة بين اللغة و السلطة حيث لا يمكن تصور لغة مجوفة من السلطة أو سلطة بدون فعل اللغة. إنهما يشكلان وجهان لورقة واحدة فكما يتم إلغاء إحداهما يتم الغاء الأخر. لقد ظل راسخا ولمدة طويلة أن مفهوم اللغة في يد الأقوياء و المهيمنين على المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية إلا أن هذا الإيمان يتلاشى مع ظهور و تسارع استعمال و انتشار وسائل الإعلام الحديثة و بالخصوص تنامي استعمال الشبكة العنكبوتية التي جعلت الإنسان يندمج ولو بشكل افتراضي في ممارسة فعل سلطة اللغة من خلال الانخراط الفعلي في المواقع الاجتماعية. إن اللغة, ما إن ينطق بها, حتى تصبح في خدمة سلطة بعينها وان كانت مجرد همهمة آو حتى إيماء. فلا مكان للحرية إلا خارج هذه القوانين و التشريعات. هذه السلطة -في شكل قوانين موضوعية نسبية من انجاز ذوي المصالح- هي ما يجعل المرء الحر في بحث لفك قيودها وعن سبل أخرى لتأسيس لحرية تنعتق من هذه اللغة السلطوية وان كانت حرية افتراضية. لقد أتاحت المواقع الاجتماعية على شبكة الانترنيت للجماعات المقهورة مساحات حرة وفسيحة للتعبير و إبداء الرأي. لكن المشهد يتطور بخروج هؤلاء المناضلين الافتراضين من المدونين منتزعين أقنعتهم نازلين إلى ساحات حقيقية تلتقي فيها كل الألسن والتيارات سواء الدينية آو السياسية آو الايدولوجيا لتتوحد الكلمات و المواقف التي لطالما ناضلوا من اجلها خلف حواسيبهم.لقد سادت الضبابية و الغفلة بل تغييب لدور اللغة في بناء مجال الحريات العامة لقد اصبح نضالهم يحمل في طياته إشارات قوية و يستمد شرعيته و قوته من سنوات متوالية من النضال الافتراضي إلى نضال الساحة. فهل نغض الطرف عن سلطة اللغة المباشرة في الحين الذي نجحت فيه لغة النضال الافتراضي من إسقاط سلطة الاستبداد والقهر؟ ذ. هشام الشنوري