الى أين المسير بل الى أين نسير، جعجعة هنا، فراغ هناك، عهر هنا، دعر هناك، فراغ سائد و فكر شارد و طموح بارد...؛ هذا حال العديد منا للأسف الشديد، قلة قليلة مرتاحة هنا و مئات محطمة مهمشة هناك، فئات تعيش حياة كريمة وأخرى هائمة بين مطرقة الحرمان و سندان الزمان، و المؤسف أن جل الفئات تعيش في بحور من الأوهام؛ والمحزن أن كلا الفئتين تعطينا جيشا بل جيوشا من المقتولي الارادة الضاربين في البطالة و العطالة و الخذلان!! فالبطالة المقصودة هنا ليست بطالة شغل بقدر ما هي بطالة عقل و فكر ، فالبطالة عندما تُعَشِش في العقول تترجم اراديا الى واقع معمول، فهناك منا من يتبوأ أعلى درجات التشغيل لكنه في الواقع عاطل، و منا من هو عاطل أو بالأصح مُعطل لكنه ليس بعاطل ...!!! و المؤسف بل و المُبكي أن تجد من يمرر أفكاره الباطلة العاطلة، الى أجيال و أجيال من الشباب الناشئ الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أضحوا و هو مرغمون زبناء لتجار يُحَرِّجون بحناجرهم المزعجة على بضاعة فاسدة كاسدة؛ تجار رسبوا في مدرسة الحياة و أخفقوا في بحور المعرفة و الابداع، فاشتغلوا على تصدير الخيبة و انتاج الأصفار؛ مستغلين بذلك عقولا لا حول لها و لا قوة، و لاذنب لها و لا عيب عليها سوى أنها انسابت وراء تجار استغلوا و سائل الاعلام و الاتصال من قنوات فضائحية تجعل اللبيب منا حيرانا، و النائم منا سهرانا؛ ومن مواقع الكترونية استعملها الغرب ليصيب، و استعملنها نحن لنخيب؛ و من هواتف ذكية استعملها غيرنا ليرقى، واستعملنها نحن لنشقى ...!!! فمجتمعاتنا عوض أن تبدع و تنشغل ببناء صروح المجد و اقامة هياكل النجاح، تجدها تكتفي بالتنافس في اقامة أضخم مهرجانات الرقص و الغناء و ابداع طرق جديدة للجلبة و الضوضاء و الفراغ؛ و تمنح الضوء الأخضر للمخربين ليزيدوا في تخريبهم و للطغاة ليعمهوا في طغيانهم وغيهم . تخريب و طغيان يرافقه تكبر و غَيّ، و بطالة عقل و عطالة فكر؛ رواده أشخاص فارغون بلداء يتلذذون بتحطيم أحلام غيرهم، و يستمتعون بتمريغ كرامة من لم يستطيعوا مجاراتهم في نُبل الأخلاق و سمو الأفكار؛ أناس فارغون أصفار، رسبوا في مدرسة الحياة و ان ظنوا أنهم تفوقوا!! وهذا التفوق الذي هو في الحقيقة رسوب و اخفاق، يجعلني اتذكر و بشدة اشخاصا درسوا في الثانوية التي درست بها كانوا على مستوى دراسي جد متدني من الفهم و كانوا على مستوى عالي من الغباء ، فكانوا لا يستطيعون تحرير و لو جملة مفيدة واحدة باللغة العربية، ناهيك عن لغة أجنبية ثانية؛ باختصار كانوا من تحصيل العلم و تطوير الذات منقطعي الرجاء، فحصلوا على البكالوريا بقدرة قادر...!!! و الطامة أنهم لم يحاولوا أن يطورا أنفسهم فرافقهم غبائهم هذا الى ما بعد البكالوريا و الى الجامعة، و هنا وقعت المفاجأة و ظهرت النية المبيتة و انجلت الحقيقة اللامعة!! فمن بين هؤلاء الاشخاص تخرج القاضي و القائد و الضابط... و الكارثة أن غباءهم تحول الى تكبر و تسلط و غطرسة وضمائر ميتة دنسة ، غطرسة لا تعني شيئا سوى أنهم لا يساوون شيئا لأنهم لم يقدموا و لن يقدموا شيئا؛ بل على العكس من ذلك شغلوا مناصب عن غير جدارة وعن غير استحقاق، و حرموا شبابا أكفاء كان لينتفع بهم هذا الوطن!! و المفارقة أن البعض منهم و رغم عدم توفر شروط اجتياز بعض المباريات فيهم اجتازوها بل و اكتسحوها كذلك !! اكتسحوها باستعمال القوى الخفية التي تجعل من الفأر فيلا، و من الأسد هرا، و من النجيب الشاطر مهملا مقصيا و حائرا !! و هذا مثال بسيط عن ما يسمى بدارجتنا العامية بالمعارفة و الكالة و الركيزة و مك فالعرس وباك صاحبي و غيرها من المسميات، التي خربت و تخرب دواليب هذا الوطن؛ و التي اعتمدها البعض ليجعل ما يسمى بالشفافية و النزاهة و تكافؤ الفرص مجرد رماد، بل مجرد رقاد و زغردة و تطبيل للفساد!! زغردة و تطبيل جعلت مجموعة من مناحي الحياة تُسَيَّر من طرف أناس غير أكفّاء عملتهم الفراغ و لغتهم الجعجعة و مشاريعهم الكلام و حججهم الصراخ و أذلتهم الهذيان !! فلعل الغريق به نفس، وعسى الأصم يسمع الجرس... فكفانا جعجعة بلا طحن و كفانا عوما في بركة المستنقع النجس.