سب هنا شتم هناك، عراك هنا بل قتل هناك ؛ فهذا يقتل أخاه و هذه تشق هذا من فاه و الاخر يرتكب من الفحش ما لن ننساه، أحداث تقع ووقائع تحصل داخل فصول شهر كريم، شهر فضيل، شهر يكبل فيه الشيطان الشيطان، و يهيج فيه الشيطان الانسان...! شهر رمضان الأبرك شهر القيام و الصيام، شهر الذكر و التهجد و تلاوة القرآن؛ شهر أضحت مظاهر النقاء فيه تعتريها شوائب الانسان الشيطان، الانسان اللا إنسان...! انسان جعل من العنف له عنوانا، و ياله من عنوان، عنوان أنا صائم اذن أنا شيطان...!!! مناظر شاذة و منفرة تلك التي تصادفنا طيلة شهر رمضان المعظم، شهر من المفترض أن يكون شهر نقاء و صفاء روحيين، و موسما لترسيخ كل معالم التسامح و الإخاء، و نبذ كل أنواع العنف و النشاز الأخلاقي؛ لكن يبدو أن هناك مُرَمْضَنِين يجدون في رمضان فرصة سانحة لأفراغ غضبهم على خلق الله بغير وجه حق سوى أنهم يمنون على الناس صيامهم، إن صح أن نسمي صيامهم هذا صياما فأغلبهم يحصر مفهوم الصيام في الانقطاع عن شهوتي البطن و الفرج...!!! هنا نتساءل لماذا يشهد هذا الشهر الكريم ارتفاعا ملحوظا في نسب العنف الذي يصطلح عليه باسم الترْمْضِينَة التي تعني حالة نفسية وسلوكية تنشأ جراء الغضب والانفعال لأتفه الأسباب، و هو اسم يجعل الواحد منا يظن و للوهلة الاولى أن السبب الرئيس في كل ما يحدث من عنف سببه الصيام...! عنف يعزى في الغالب الى بعض التحولات النفسية والجسدية التي يشعر بها بعض الصائمين نتيجة انقطاعهم عن ما ألفوه او بالأصح ما أدمنوه، سواء أكان موادا يتعاطونها أو عادات سلوكية ألفوها ...، فامساكهم عن تعاطي ما ألفوه ولو لساعات معدودة يجعل منهم ألغاما متحركة يكفي أن يحصل مجرد احتكاك بسيط لتنفجر ...! فنجد نفوسا تزمجر و ثثور لتخلف ما تخلفه من استياء داخل باقي أفراد المجتمع، و لتعطي صورة مغلوطة عن الصيام و لتدخل جل حالات العنف و الانحراف التي تقع في رمضان في خانة ما يسمى بالترمضينة، و هذا ان دل على شيئ فإنما يدل على قصور و عجز في فهم حقيقة الصيام و مقاصده من تحقيق للتقوى بعبودية الله عزَّ وجل وتزكية للنفس وتنقيتها من الأخلاق الرذيلة؛ فالصيام فرصة مميزة و تجربة هادفة لمعايشة الحرمان والجوع ولو لساعات ، وتذكُّر الذين يقاسون الحرمان أبد الدهر ويعيشون في معاناة، فيتذكر العبد إخوانه الفقراء، فمن ذاق الجوع لساعات كان حريا به تذكر مَنْ كان هذا حالُه في عموم الأوقات!! ومما لا شكٍّ فيه أن للصيام آثار إيجابية على الصحة العامة للجسد، وعلى الصحة النفسية أيضا ، فرمضان فرصة للتخلص من أمراض عدّة كما أكدت ذلك العديد من الأبحاث الطبية الحديثة، فهو راحة للبدن ، وإجازة للجهاز الهضمي لإعطائه فترة من الزمن يستريح فيها من الامتلاء والتفريغ فيحصل له استجمام وراحة يستعيد بها نشاطه وقوته ؛ فلا شك أنّ المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، كما قال طبيب العرب الحارث بن كلدة؛ وباختصار فالصوم مدرسة لتزكية النفس و و تقوية البدن وحفظ الجوارح، وهو سر مقدس بين العبد و بين المعبود سبحانه. مفاهيم كبرى و مقاصد جليلة يضربها المُرَمْضَن عرض الحائط ، فهو يعيش في كذبة الغضب التي يصدقها ثم يؤمن بها إيمانا يوافق هواه، فتجده يهدر طاقته في سفاسف الأمور و بذلك يستخف بفؤاده و عقله و كيانه ككل؛ فكأنه يريد أن يخبرنا بأن صومه مميز فريد وأن انفعاله مبرر سديد فهو البطل الرعديد، بل هو صاحب البأس الشديد، فإن كان شيطان الجن في رمضان مصفدا وهذا شيئ أكيد، فشيطان الإنس له خلال فترة تصفيده خير رفيد !!