لم نستوعب جيدا الدرس الغربي الذي خطّه ماكس فيبر وميّز فيه بين دور ومكان رجل السياسة، ودور ومكان رجل العلم، وهذه إحدى المعضلات السياسية الخطيرة اليوم في المغرب. ففي الوقت الذي يجب أن تكون فيه المدرسة فضاءا للعلم وتنمية الملكات النقدية لدى المتعلمين بعيدا عن كافة أشكال الوصاية، صارت وللأسف الشديد مجالا لتمرير مختلف الإيديولوجيات، وتحقيق الأهداف السياسوية الضيقة التي يبقى مكانها الطبيعي هو الحزب أو الفضاء العام. وهو ما يساهم في قتل وتنميط الفضاءات الخاصة، ومن بينها مؤسسة المدرسة الملقى على عاتقها تزويد المتعلم بالمعارف التي تؤهله لولوج المجتمع بحس نقدي تفاعلي بعيدا عن كافة أشكال العنف. نستحضر هذا القول تزامنا مع الوقفة التي نظمت بثانوية الخوارزمي التأهيلية اليوم بسوق السبت اولاد النمة "نيابة الفقيه بنصالح"، تنديدا بنصب "شبكة للريزو"، استعمل فيها التلاميذ كأداة وبأسوأ الأشكال، حيث كان الفعل الاحتجاجي الذي قام به التلاميذ عبارة عن هستيرية جماعية من الصراخ اختلطت فيه الشعارات بين الرفض "لشبكة الريزو"، وبين من يرفع شعارات تحيي فريق الرجاء البيضاوي على انتصاره على فريق منيرو البرازيلي!، لتبدأ بعدها حملة من السعار تستهدف إخراج الأساتذة من أقسامهم حتى لا يتم إنجاز الدروس، في غياب واضح لكل من دعا للوقفة الاحتجاجية وهو ما يبين الخواء الأخلاقي والسياسي، فقد كان من اللازم على الذين دعوا إلى هذه الوقفة أن يحضروا ويأخدوا بزمام الأمور ويعبروا عن موقفهم بكامل المسؤولية أمام السلطة. لا الدفع بالتلاميذ إلى الشارع دون أي تنظيم، لأن وظيفة التلميذ داخل المدرسة هو التعلم والتربية على القيم بما في ذلك قيم وثقافة الاحتجاج التي تتأسس على شرط ضروري وهو الحرية والمسؤولية، ونظرا لوضعية القصور التي يوجد فيها التلميذ من الناحية القانونية والسياسية لزم من المدرسة والمربي أيضا أن يساعدا المتعلم على بناء رأي مستقل يقاوم به أوهام المعيش واليومي...، وليس استعماله من أجل إصدار مواقف والتعبير عن قضايا من المفروض على المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية أن تقوم فيها بدورها الكامل. وحتى لايعتبرنا البعض من المدافعين عن الحياد الإيديولوجي للمدرسة والتلميذ، إلا أنه وجب التمييز بين إيديولوجية المدرسة باعتبارها ايديولجية تؤسس للمشترك(المصلحة العامة) وايديولوجية الحزب أو الجمعية التي تخدم (المصلحة الجماعاتية الخاصة). يصدر هذا التمييز بالنسبة إلينا من تصورنا للمدرسة المعاصرة باعتبارها فضاء يتأسس على الحق في الاختلاف والحرية لا الوصاية والتبعية. ونحن نرقن بسرعة هذا الكلام، نتذكر ما قاله العروي في كتابه "من ديوان السياسة" حول اللغط الكثير حول الحقوق والديمقراطية عندنا، والذي يقابل بشح في الممارسة، وبين الندرة في الحديث عن الديمقراطية في الغرب والوفرة في الممارسة، أو بلغته "حينما يغيب الشيء في الواقع يتضخم في الذهن". ملحوظة كان من الأجدى أن تبعث جمعية الآباء برسائل لأولياء التلاميذ وتعقد لقاءا تواصليا معهم من أجل توقيع عريضة أو بيان يشجب وضع "شبكة للريزو" أمام الثانوية. كتب المقال *حسن تزوضى *مصطفى الزاهيد