مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة لا يعني أن الرجل يساوي المرأة في كل حيثيات الحياة و إلا وقع خلل في مفاصل المجتمع الإنساني, و إنما المساواة هي ذلك التعريف الإلهي الذي نزل به الروح الأمين على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم, و صار قرآنا يثلى آناء الليل و أطراف النهار إلى أن يرث الله الأرض و من عليها, يقول عز و جل في سورة النحل , الآية 97 : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. من هذه الآية يتبين لنا أن الله تعالى يقرن الرجل بالمرأة في مسألة الجزاء و الحساب و لا يعتبر أدنى فرق بينهما سواء أكان فيزيولوجيا أو عرقيا أو غيرهما, بل ركز عز و جل على الإيمان كشرط أساس لقبول العمل الصالح ثم ذكر الجزاء المتمثل في الحياة الطيبة في الدنيا و الثواب الجزيل و الأوفى في الآخرة و لا نلمس أي تفريق بين الجنسين في الحساب. لكن الإسلام لما أنزل تشريعاته إلى الأرض راع في ذلك التكوين الفيزيولوجي للجنسين, فألزم أحدهما بأمور و أعفى منها الآخر حفاظا على المسلم و كرامته و اعتبارا لتكوينه, فأعفى المرأة على سبيل المثال لا الحصر من الصلاة في فترات الحيض و ألزمها بقضاء الصيام بعدها و لم يلزمها بقضاء الصلاة, ذلك لأن استفادة الإنسان من الصلاة يكون لحظيا في الأوقات المحددة و مادامت المرأة ستباشر الصلاة بعد الحيض عند بداية الطهر فإنها لم تُلزَم بإعادة فوائت صلاتها ذلك أن الإفادة تحصل بمجرد مباشرتها لصلاتها الجديدة بعد فترة الحيض و ما من طائل لإعادة الصلاة الفائتة, أما الصيام فهو مفيد للإنسان في أي زمن كان لذلك أوجب عليها القضاء حتى لا يفوتها فضل الصيام و فوائده, أما الرجل فقد أُلْزِم بقضاء الصلاة و الصيام معا ذلك أنه ما من عذر يجعله يؤخر صلاته, و قد رخّص له الشارع في أداء الصلاة قائما أو جالسا أو مضطجعا حسب حالته الصحية و لو اقتضت الضرورية الصلاة بعينيه أو في خاطره, و عليه فمن أخرها فقد وجب عليه القضاء تعزيرا له و هو آثم. و هكذا فرّق الإسلام بين الرجل و المرأة في كل ما يجب التفريق بينهما فيه و سوّى بينهما فيما يقتضي المساواة, و لم يترك مجالا تشريعيا إلا و وضع فيه حكمه الشرعي وفقا لضوابط كاملة. أما في عصرنا الحالي فقد ظهرت جمعيات حقوقية تنادي بالمساواة في كل حيثيات الحياة و تسعى لجعل المرأة نِدّا للرجل في كل شيء, و لم تراعي خصوصيات مجتمعنا الدينية بل أخذت من الغرب كل شيء و بدأت تحاول الترويج لذلك في أوساطنا المحافظة, و إذ نعلم حقيقة أن الخاسر الأكبر من صفقة المساواة التي تنادي بها هذه الجمعيات هي المرأة, و أقول أن المساواة ظلم للمرأة و ما من شيء دنيوي يستحق أن نجعل المرأة مساوية للرجل في كل شيء. هناك ظلم ضد المرأة في بعض الحالات كما نعلم بالحيف الذي يُمارَس ضدها لكن يبقى الظلم الأكبر حين ننادي بالمساواة بينها و بين الرجل, و حتى نقف على ذلك أستعرض بعض المواقف البسيطة و البديهية حتى نبسط أن مفهوم المساواة هو ظلم للمرأة: 1- هب مثلا أن حافلة ملآنة عن آخرها بالركاب فسبق الرجال إلى الجلوس على المقاعد و وقفت النساء, حاليا لما نكون نحن الشباب جلوسا و نرى امرأة واقفة فإننا ندعوها للجلوس و نقف نحن بدلها أما لو كانت المساواة فإنني سأجلس مكاني و لتقف هي فلا شأن لي لأنها تساويني و سأعتبرها رجلا مثلي تماما, أليست المرأة هي المتضررة. 2-هب مثلا أن امرأة تعمل بشركة, في الوقت الراهن عادة لا تُستخدَم المرأة في مناصب الأعمال الشاقة لأنها امرأة و لو سلمنا بالمساواة لرأينا امرأة بناءة و عاملة في ورشات الأعمال الشاقة, و طبعا هي الخاسرة من المساواة, لكن الرجل حِلماً منه يعطف عليها في كل جوانب الحياة و لا يرضى لها الشقاوة لذلك لا يلزمها بما شَقّ عليها, 3-في العراك مثلا قلما تجد رجلا يتشابك مع امرأة و يضربها, بل رغم ما يلاقيه منها من غُلظ و قساوة اللسان يظل صامتا و لا ينبس ببنت شفة إلا نادرا فما بالك بأن يضربها, و لا يضرب المرأة إلا لئيم, و الآن تخيل لو أنها مساوية للرجل و انظر كيف سيتعامل معها الرجل و لكم أن تتخيلوا ذلك. 4-المساواة في النفقة, مثلا حينما تكون المرأة ربة بيت, و إذا سلمنا بذلك فعلى الرجل أن يدفع نصف النفقة فقط و على المرأة النصف الآخر و من أين تأتي به و هي ربة بيت, علما أن الإسلام يفرض على الرجل القوامة, فإذا فعَّلنا المساواة طُلِبت المرأة بالنفقة أيضا. و من شأن ذلك أن يكون بيئة للصراع الدائم عوض تكوين أسرة منسجمة و متماسكة مبنية بأسس متينة ترتكز على الود و المحبة و الإحترام و السكينة و الرحمة. كلها مواقف بسيطة و بديهية قد تبعث على الضحك و السخرية أحيانا لبساطتها لكنها تبين مدى ظلم المرأة حينما نجعلها نِدّا للرجل كما جعلها الغرب, و لنا أن نعود إلى الدراسات الأنتروبولوجية التي أُقيمت على الأسر الغربية و لنلحظ بالملموس معاناة الغرب و تفكك أسر هذا المجتمع حتى نقف على حقيقة الأقنعة التي يرتادونها حينما يكلموننا. إن المتتبع للمجتمع الغربي يجد أن أغلب الحوارات المنزلية بين الرجل و المرأة و بنسبة عالية تنصب جميعها حول الماديات, فما من نقاش جاد سوى الحديث عن الضرائب و المصاريف اليومية للأبناء و دفع الإيجار و نحوها, كما أن الدفء العائلي منعدم أحيانا, و مناخ التآزر العائلي نادر جدا, و هو مجتمع فاشل من الناحية الأسرية فلا تعريف للعرض عندهم و لا تعريف لشرف المرأة, و هي تعاشر من تشاء في الوقت الذي تشاء و لا يعتبر ذلك مسّاً بكرامتها أو بكرامة أسرتها عندهم. و بالرغم من كل هذه المعوقات التي يعاني منها المجتمع الغربي عامة فإن الجمعيات الحقوقية المغربية تسعى لِقَصِّ و لَصْق كل قوانين المساواة بين الرجل و المرأة الغربية بلا أي تحفظات و لا أي مراعاة للخصوصية الدينية لمجتمعنا المحافظ. و قد أثارت النساء مؤخرا ضجة إعلامية انتقادا لحكومة بنكيران بدعوى أنها أقصت النساء من الممارسة السياسية بالنظر إلى عدد النساء في أعضاء الحكومة, و أنا بدوري أقول ربما النساء يردن المناصب فقط لأنه على حد علمي فنحن نبحث عن الكفاءة و لا نبحث عن تعديل كفاف الحكومة بين الجنسين, و بتعبير آخر نحن نسعى لتوفير حكومة قادرة على إخراج البلد من المأزق الذي هو فيه و لا نبحث عن مناصفة المناصب بين الذكر و الأنثى, فإذا وجدنا النساء أفضل من الرجال في ذلك فلمالا نجعل حكومة كلها نساء و إن وجدناهم نصفا يعادل الآخر كفاءة فلنجعلها مناصفة إذن, فلا إشكال في الموضوع إطلاقا, غير أن بعض النساء يحاولن إثارة الفتنة عبر التحريض على المطالبة بأشياء تافهة, كما أنهن يسمين ذلك نضالا. إن المرأة المناضلة عندي هي التي تسعى لتربية جيل جديد و تركز همها على تربية أبناءها و إسعاد زوجها و أبناءها في ظل احترام متبادل, و هي امرأة تحمل مشروعا ضخما و هي مسؤولة فعلية عنه و هو مشروع تكوين رجال الغد, و لتعلم النساء أن أول منازل الإنحطاط لمجتمع ما هو عندما تخجل المرأة من ممارسة وظيفتها الحقيقية و تبخيس قيمتها الثمينة, فتجعل من نفسها جنسا آخر يخرجها عن نطاق الأنوثة و تأبى تربية النشء و تفضل الخروج لمنافسة الرجل على تكوين الرجال. فالمرأة نصف المجتمع عندما تقوم بوظيفتها الحقيقية, و هي لا شيء عندما تزاحم الرجل خارجا و تترك رجال الغد تائهين في الشوارع, و بذلك تتربى لديهم قناعة بانعدام حنان الأم و لا يتوفرون على أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه آبائهم و لا مجتمعهم ما يجعل البيئة مواتية لتكوين مجرمين حقيقيين عوض رجال المستقبل.