اقتطعت الحكومة الموقرة، بمقتضى قانون الإضراب المثير للجدل، من أجور فئات كثيرة من الموظفين المضربين من العدل و الصحة و الجماعات المحلية، ومؤخرا رجال التعليم...سكت العوام عن كل الاقتطاعات السابقة، ثم انتفضوا فور شيوع خبر الاقتطاع من رواتب أهل التعليم، ليس انتفاض غضب و ثورة و إنما انتفاض فرح و سخرية و تهكم.... في جلسات النميمة و على مقاهي الدردشة تخبو الأصوات عند الحديث عن الأمن و الداخلية و رموز الدولة فلا تسمع إلا همسا،ثم تتعالى الأصوات و القهقهات عند الحديث عن رجل التعليم، الذي أصبح ضروريا لمزج دخان السجائر و تكسير رتابة الوقت... الكل يُمَجد بنكيران الذي كانت له الجرأة و السبق في هذا الاقتطاع، و الكل يغمد لسانه في الجسد التعليمي المنهك، و قد اكتشفوا أخيرا أن رجل التعليم هو العفريت و التمساح و الشيطان الأكبر و أصل الفساد و بيت الداء... حقد خطير على أهل التعليم ظاهرٌ لا مستترٌ تعكسه التعاليق اللاذعة و الرسوم الكاريكاتورية و النكت الرائجة و الهفوات المتصيدة حتى قال أحد الجُهَّال صراحة: با بو بي بعشرة آلاف درهم في الشهر ؟؟؟ و كيف لا يقولون ذلك و قد سبقهم وزير التعليم نفسه إلى التهكم و الاستهزاء، فلا حاجة إذن لِلوْم الصبية على الرقص مادام رب البيت على الدف ضاربًا ... أكثر المستهزئين الفرحين بالاقتطاع لم يسبق لهم أبدا أن اطلعوا على البيانات التي تسبق الإضراب و تفسر دواعي القيام به، و مع ذلك يطلقون أحكاما جاهزة تختزل الأسباب في الزيادة في المال، في حين أن تلك البيانات تضم نقاطا كثيرة عن ظروف العمل المزرية و الاكتظاظ و البنيات التحتية و أمن المؤسسات التعليمية... و كلها في مصلحة التلميذ... رجل التعليم هو المشجب الذي تعلق عليه إخفاقات السياسة التعليمية، و هم يقارنون بيننا و بين دول رائدة على الرغم من علمهم اليقيني بأن نفس المواد في نفس الظروف تعطي نفس النتائج. فيكف يرجون نفس النتائج بمواد مختلفة و ظروف مختلفة؟؟؟ لطالما هددت معارضة الأمس ( حكومة اليوم) بالنزول إلى الشارع، و قد نزلت إليه فعليا أكثر من مرة بهدف إثارة الانتباه ، و رجال التعليم في إضرابهم يحاولون إثارة الانتباه... و كلنا نعلم أن العمل بالشارة الحمراء يكون ذا جدوى في بلد يعطي الحق لمستحقه، و عندنا للأسف لا يأخذ الحق إلا من جهر بصوته لأقصى حد ، و إلا فلم ينزل السياسيون إلى الشارع إذا كان صوتهم مسموعا في أروقة البرلمان و هي حلبة التصادم السياسي المفترضة؟؟؟.... نعم تناقصت الإضرابات في عهد الحكومة الموقرة، و هي ربما تحتسبها نقطة في ميزان حسناتها، و الحقيقة أنه صمت قسري، كالمريض الذي كان يصرخ من شدة الألم ثم جاء الطبيب ليكمم فمه، بدل البحث عن علاج يزيل عنه ألمه ... يونس حماد