بسرعة على غير المعتاد خطفت السماعة وكأني في سباق مع الزمن وأنا أتلهف لسماع صوتها إنها هي نفسها صوتها البلسمي لم يتغير ،كلماتها الحلوة العذبة تتساقط وتنساب في أذني لتعيد إلى نفسي ذكريات أيام جديدة ،كنت قد تعرفت عليها في الصبا ، متأبطة كتابا تتحسسه بأناملها برفق كأنها تخاف أن تؤلمه أو تسقط حرفا من حروف كلماته ... هذا ما كان يشدني إليها ، وكم كانت تدعوني مرارا لأركب معها موج الحرف ونجول في أروقة الكتاب وننتقل بين سطوره لنرتشف من رحيق زهراته ونشدو مع ألحان عباراته ، تذكرت كل ذلك وهي تهاتفني نسيت حينها أن الأعوام قد أكلت بعضها وأن المسافات قد بعدت بيننا . تحدثنا كما لو كنا بالأمس ، تحدثنا عن المحبة والإخلاص والوفاء ، تحسرت وتغيرت نبرة صوتها ونحن قد زج بنا في زمن جفت فيه العواطف ومسخت فيه الإنسانية وصارت المفاهيم فضفاضة خاوية وحصرت الكلمات في الحناجر والطموحات بين ثنايا الصدر سكتت برهة وأحسست حينها أن دمعة قد أوشكت على السقوط ولكنها تجلدت وتابعت الحديث ، استسلمت للاستماع ولأني حقا لا أستطيع الكلام لأن الدموع كانت سيولا تشق طريقها على خدي ، وتداخلت في ذاكرتي الأزمان أكانت تلك الأيام حلما انقضى ؟؟؟ كان كل شيء يوحي بالحياة ، صوتها ما زال يصلني عبر الهاتف وكل هذه الخواطر مرت امامي كطيف جميل وكأنها أدركت ما كان يجول في نفسي فقالت ما لي اراك ساكنة صامتة اهو الخريف قد عبث بكل شيء أخضر؟؟؟ ، أم هي ريح عصفت فأطاحت بصرح الأماني ...؟؟؟ تنبهت لكلماتها الصادقة إنها هي نفسها لم تتغير رغم السنون الطوال شفافة ، رقيقة ... في هذه اللحظة شعرت بقبس أمل بل وكأن التاريخ توقف معي ليعزف لحن الوفاء من جديد ومعنى أجمل للحياة في كنف الأخوة ، بادرتني قائلة : أعد يا قطار إلى دمنا اللحظات الجميلة قاطعتها بل قولي : عد بنا يا قطار لافترار النهار وأعد يا قطار إلى دمنا الشجر الأخضر أعد يا قطار إلى يومنا الأمس واستبقي للغد بعضا من الأمنيات الجميلة 1 أجابتني ولا تنسي يا خليلتي أن الشاعر قال أيضا : كمر السحاب يمر القطار يدرأ الأرض نهبا كعمر السنابل وقد يقل الصاحب وتفتر العلاقات غير أن القلوب المؤمنة لا تستشعر الوحشة بل هي ربيع دائم تستعيد أنسها بتذكر الصحبة ، ألا فنعمة الصحبة ذكرى ... 1 شعر حسن الأمراني ديوان سيدة الأوراس الأستاذة حفيضة يونوس أفورار