بضع أيام ويهل علينا آذار الجميل، وتتقدم الصفحات الأولى للإعلام أصداء 8مارس اليوم العالمي للمرأة، تتسابق حينها المنتديات للاحتفاء شهرا بأكمله.. فتُقام الموائد والملتقيات والسهرات هنا وهناك لنساء المجتمع المخملي اللواتي يتركن خلفهن وبرفقة أبنائهن نساء أخريات أحق بالاهتمام، وقد تنازلن مقابل التفاتة بسيطة إليهن عن حقهن في الاحتفال والمتع الحياتية. ما الحصيلة إذن؟ إن أهم ما يحيلنا عليه يوم عالمي كيوم ثمانية مارس هو التأمل في مسار المحتفى به، ما وضعه؟ ما مؤهلاته؟ وما موقعه من المحيط الذي يعيش فيه؟ وموضوع التنمية بإمكانه الإجابة عن هذه التساؤلات مادامت التنمية مشروع بشري يؤرخ لمحطة أخرى من محطات بروز إنسانية الإنسان، على اعتبار أنه يسعى إلى جبر ما تكسر وترميم ما يمكن ترميمه بعد الحرب العالمية الثانية بالتحديد. وللحديث عن المرأة المغربية والتنمية نجد أنفسنا بين مقياسين أساسين: مقياس إيجابي تجب الإشادة به، ومقياس سلبي يلزم الوقوف عنده والعتب عليه. ومن أهم أسس التنمية التمكن من الأدوات والوسائل للمشاركة الفعلية في مخططات وبرامج التطور. فما هي أساسيات النهوض بالمرأة في مشروع خطة الإدماج التنموية؟ - أساسية التربية والتعليم لابد من الحرص على تهيئ أرضية تربوية إيجابية للفئة الناشئة ''الطفلة والفتاة'' وتمكينها من الأدوات التي تؤهلها للمشاركة الفعلية في مخططات وبرامج التطور. وتدعيمها وتقويتها بمرجعيتها الدينية وتشريعاتها وأحكامها. - أساسية التكوين المستمر إلزامية تغيير وتطوير مفاهيم المرأة حول إمكانية المشاركة الفعالة خارج المنزل بالنسبة للفئة التي فاتها سن التمدرس. وتحبيبها في الاستدراك وتعلم المهن وتحفيزها بتعويضها عن منتجاتها اليدوية والمعرفية بجوائز ومنح رمزية قابلة للتطور بارتفاع مردوديتها. - أساسية تطوير قدرات المرأة تمكين المرأة من توسيع نطاق خياراتها لتعيش حياة أفضل، وتوسيع فضاء حريتها، وتطوير آلياتها لتجنب نفسها الأمراض الاجتماعية والصحية ولتمتلك مفاتيح أبواب المعرفة على اختلافها. - أساسية الارتقاء بمستواها التعبيري والثقافي حتى تصبح المرأة قادرة على التواصل مع الآخرين، وعلى تذوق العلوم والثقافة والاتصال بعوالم المعرفة المتنوعة، وعلى السمو بذوقها الاستهلاكي، والاستمتاع بحقها في المشاركة في تقرير المصير وصنع القرار والإجراءات التي تشكل حياتها...يجب الارتقاء بها إلى أعلى مدارج إعمال الفكر وتدبر القرارات وتدبير الأوضاع الخاصة والعامة وحل الأزمات وتسيير اللقاءات. - أساسية تطوير مهاراتها في المجال الاقتصادي والاجتماعي فتَقَدُّم المجتمعات رهن بقدرة نسائها على المشاركة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي. كما إن المجال الجمعوي هو الفضاء الذي عملت به المرأة المغربية طويلا وناضلت من خلاله.. وبذلك عليها تطويره لتسهم عبره في التحولات التي يشهدها المجتمع المدني، فالتنمية عملية شمولية يتكامل فيها ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وما هو سياسي كذلك. - أساسية الجانب النفسي والسلوكي إن تهميش المرأة.. قد يولد لديها الرغبة في الانتقام، وكذا تعرضها للعنف الأسري قد يولد لديها حالة من الإحباط تنتج عنها سلوكيات لاإرادية.. كالرغبة في تدمير الذات، أو الصمت المطبق، أو الانصهار في شخص الرجل إمعانا في معاقبة النفس على ضعفها وعجزها عن المقاومة. يلزم بهذا إقرار المساواة بين الذكر والأنثى في التربية والحفاظ على مكانتها الاجتماعية منذ مراحل عمرها الأولى، لأنها المنتج الوحيد للموارد البشرية الناشئة، هي أول مؤسسة تربوية، وأول نموذج علائقي في حياة الإنسان، يبقى راسخا في الذهن. فحبذا لو كان هذا النموذج متعلما مثقفا سويا لا يعاني من أي مركب نقص سواء كان ناتجا عن عنف داخلي أو تهميش خارجي. فالمرأة تقوم بدور تنموي فطري يتمثل في الأمومة وما يصاحبها من واجبات، وبدور تنموي آخر مكتسب وهو التربية والتوجيه وفق مرجعيتها الخاصة. وكلما كانت مرجعية علمية منفتحة كلما كان المورد البشري سليما. وهذه الأساسيات كلما كانت متوفرة للمرأة داخل مجتمعها ومحيطها، كلما كان دورها التنموي فاعلا. فصلاح النبتة من صلاح التربة. أما المقياس الإيجابي الذي تجب الإشادة به، فهو تاريخ المرأة المغربية الذي يشهد لها بلعب أدوار عظيمة في تاريخ بلدها، فقد كانت طموحة وسعت سنين ممتدة وراء تحقيق غايات سطرت لها استراتيجيات منهجية محكمة. وبالفعل أسمعت العالم صوتها، ولعل الخطاب الملكي يوم 20غشت 1999 الذي أعلن فيه الملك -أن المغرب لن يتقدم بدون إشراك المرأة في كل مجالاته التنموية وإدماجها في المشروع كطرف مؤسس وفاعل- استجابة لصوت المرأة ولتطلعاتها. وبالفعل ثلث هذه الخطوة مخططات استعجاليه استهدفت إشراكها في مراكز صنع القرار، وأعني هنا ثم الكشف عن دورها الذي لعبته دائما في المشاركة السياسية بالاختيار حينا وبالرفض والامتناع حينا آخر تعبيرا عن مواطنتها. فتم إنشاء وزارة مكلفة بقضايا المرأة والأسرة والطفولة، والتزمت المملكة بمناهضة كل أشكال التمييز ضد النساء. كما ارتفعت تمثيليتها في الحياة العامة ومواقع صنع القرار، وتعززت مشاركتها في التنمية المستدامة وغيرها من الاستحقاقات، وتقدمت البلاد على مستوى النصوص القانونية وتم وضع تشريعات دستورية تحمي لها حقوقها المدنية،لكن.. هل شمل الإصلاح المرأة المغربية بكل أصنافها، أم أنه شمل فئة وأسقط من اعتباره فئات أخرى؟ بالإجابة عن هذا التساؤل سنقف على ما يلزم العتب عليه أو ما أسميناه بالمقياس السلبي. فخروج المرأة للمشاركة في بناء مجتمعها ليس أمرا حديثا أو مستحدثا، فقد عرَّفنا التاريخ على نساء كثر عظيمات، وكانت ميزتهن أنهن نساء ذوات حضور قوي وذوات قرارات صائبة. وإلى زمن قريب جدا كانت المرأة الأم أو الجدة سيدة في مملكتها بيدها الحل والعقد حتى إن علاقاتنا بآبائنا كانت تنظم من خلالهن.. لكنه وجود نادر وآخذ في التراجع إن لم يكن الانقراض. وبالموازاة مع هذا النوع هناك وجود آخر للمرأة ظل مسكوت عنه لا يناله من الحظ أي جانب. لا يُحتفى به، لا تُقدم له الجوائز، ولا تُخصَّص له اللقاءات وحفلات التكريم. وكأنه لا يلد لنا ذرية تنشأ بين ظهرانينا، أوكأنه غير منتج أولعلها قاطرة التنمية لا تُقِلُّ إلا أصحاب تذاكر الدرجة أولى أو درجة محدثي النعم. وهذه بعض الصور: - من داخل الإشادة والاحتفاء بمكسب منع تشغيل البنات الصغيرات في المنازل نجد حالات هنا وهناك لطفلة تعرضت للقهر النفسي والجسدي من طرف مشغليها وتبقى قضيتها قيد التحقيق لربما تكون هي الجانية. - المرأة المكلفة بتكوين النشء، أي المُدرسة تنقطع عن الدراسة والتحصيل بسبب التعيين في المناطق النائية.. وليست هناك أية مبادرة لتقريب المعرفة منها بدورات تكوينية مثلا، أو بعث إرساليات محتواها كتب، نشرات ومجلات لمقرات عملهن.. وتوفير أبسط شروط العيش والأمان. - الاعتراف للمرأة الريفية بوجه خاص لم يكن جذريا.. فأغلبهن ما تزال تعاني الأمَرّين و لا تعلم ما لها وما عليها. رغم أن هذه الشريحة فاعلة ومجدة ونشيطة ومربية صالحة، فهي مع ذلك لا تتوفر على أبسط شروط العيش كمستوصف أو مشفى يضمن لها الحياة بعد الوضع.. يكفينا فيها أن مهمة حمل الحطب على ظهرها وظيفة تحملتها بحب ومسؤولية وكأنها مهمتها الرسمية حتى أصبحت صورة لصيقة بها تاريخيا. - المرأة العاملة في المصانع والبساتين ترزأ تحت وطأة أبشع صور الاستغلال النفسي والجسدي والمادي وضرورة الولاء لصاحب العمل. - النساء ضحايا الاغتصاب.. لا أحد يرغب في تضميد جرحهن ومحاولة إعادة السكينة والأمان لأنفسهن وإعادة الحياة لهن، وبدل القصاص ممن انتهك عرضهن غصبا.. يتم تمكينه من الضحية شرعا وكأننا نقدم له حق الإمعان في إيذائها وتحقيرها لأنها *امرأة مع وقف التنفيد* والضرر يظهر على جسدها هي لا على جسد الرجل المعافى دائما. والنتيجة ''أمينة'' التي تخلصت من حياتها كطريقة للدفاع عن النفس. - وأخيرا، هناك فئة أخرى أكثر تضررا وأكثر تهميشا من طرف المجتمع يلزم الالتفاتة إلى وضعها المُزري الذي غالبا ما تكون الحاجة والفقر هما سبب الوقوع في شركه، أو الطلاق أو الاستغلال أو العنف الأسري، أو الجهل بقيمة الذات والنفس والعرض المتولد عن غياب الأساسيات السابق ذكرها: التعليم والتوعية، الحماية والرعاية. إن الرهان ليس هو القضاء على الآفات الاجتماعية المستعصية وتحقيق رتبة جيدة على مستوى مشروع التنمية البشرية، وإنما هو حصر الداء ومنع تسربه وتحسين هذه الرتبة على المدى المتوسط. على أن يشمل المشروع كل الفئات ويعتبر جميع الوضعيات دون إقصاء أو اهتمامات فئوية.