تجوات... وتأملات في رأس السنة هاهي السنة تطل علينا مرة أخرى برأسها الغبي ، رأس بلا شعر ، رأس حليق ، رأس أصلع ، رأس بزغبات قليلة ومتفرقة ، رأس مليء بالصخب والليل والسهر، رأس دائخ لعبت به الكؤوس وأتعبته قلة النوم ، رأس يدور في كل الإتجاهات كي لا يقال عنه "كدية" ، رأس تسقط عليه الفأس دائما في الواحد والثلاثين من دجنبر ، ويتركنا نحصي المشاريع التي أجلنا والمواعيد التي أخلفنا والذنوب التي اقترفنا والهواتف التي أهملنا والأصدقاء الذين نسينا ..، ونكتشف أن الأوان قد فات و "الفاس طاحت فالراس". هناك من يشرب نخب هذا الرأس الأشعت هناك من يرثيه بالقصائد والخواطر في أجندات انتهت صلاحيتها ، ثمت من يشعل من أجله الشموع ، من يفتح الشامبانيا، من يوزع الهدايا ، ومن يقف في صف طويل كي يشتري كعكة بالقشدة ، ثم يجلس أمام التلفزيون ليشاهدهم وهم يشيعونه إلى مثواه الأخير في جنازات صاخبة ، كل القنوات العالمية تدفنه بالموسيقى والقفشات . ولأسباب نحوية مجهولة "الرأس" يؤنث ويذكر أو تؤنث وتذكر "الرأس " خنثوي - رأس السنة / أم رأس العام-؟ السنة مومس في بار حقير بآخر الليل ، والعام منحرف يقطع الطريق في مدينة بعيدة يفتش عن رأسه في علب الليل والأزقة المعتمة ، العام والسنة توأمان : أبوهما القرن وأمهما الحقبة ، والزمن سياف مختص في قطع الرؤوس لذلك يسميه البعض "بالغول " بسبب كل الجماجم التي يخبئ في كهفه ، الزمن وحش أسطوري بآلاف الرؤوس يفتك بالإنسان منذ بدايات الخليقة. رغم أن للسنة رأسا فإنها لا تفكر مع الأسف ، ولا تتوقف عن ارتكاب الحماقات فكما للجبال أقدام ومع ذلك لا تمشي لأنها مصابة بالروماتيزم ، جراء كل الثلوج التي سقطت عليها منذ سقوط آدم من الجنة، وللسماء كبد لكنها مصابة بالتشمع ، كبد مثقوبة فتك بها السرطان ، تخضع لعلاج يومي بالأشعة في الثانية عشر زوالا، لذلك نقول إن "الشمس في كبد السماء " وللإعصار عين واحدة مثل "جان سيلفر" ومثل كل القراصنة الذين يفتشون عن الكنز ويغرقون كثيرا من السفن قبل الوصول ، وللندم بنان يسيل منه الدم هذه الأيام...حين نتأمل الفرص التي ضيعنا خلال سنة لا نملك إلا أن "نعض بنان الندم". (تجوات عبدالكريم)