يحكى في قديم الزّمان وسالف العصر والأوان، أنّ رجلا جاء الى محلّ الدّجاج ومعه دجاجة مذبوحة يريد إصلاحها لإعدادها للطّبخ، فاتّفق مع صاحب المحلّ على أن يرجع بعد ربع ساعة ليجدها جاهزة، مرّ قاضى المدينة على صاحب محلّ الدّجاج وطلب منه دجاجة جاهزة، فقال صاحب المحلّ والله ما عندى إلاّ واحدة هى لرجل سيرجع بعد قليل لأخذها، فقال القاضي أعطني اياها، وإذا جاء صاحبها فقل له إنّها طارت، لكنّ صاحب المحلّ فكّر قليلا ثمّ قال، ما يصير طيرانها وهي ميّته؟ قال القاضي، أسمع ما أقول، وقل لصاحبها ما قلت لك، ودعه يشتكى ولا يهمك الأمر، فناوله صاحب المحلّ الدجاجة قائلا: اللّهمّ استرها معنا يا ربّ، عاد صاحب الدّجاجة وسأل عن دجاجته إن كانت قد خلصت فقال له صاحب المحلّ، يا أخي والله إنّ دجاجتك طارت، قال صاحب الدّجاجة: كيف تطير ميّتة؟ بعد جدل وشجار قرّرا رفع القضيّة للقاضي ليحكم بينهما ويظهر من أمر الدّجاجة الحقّ. وبينما هما في الطّريق إلى محلّة القاضي إذا برجلين يقتتلان واحد مسلم والثاني يهودي، فأراد صاحب المحلّ أن يفرّق بينهما، فوقعت إصبعه في عين اليهوديّ ففقأها، اجتمع النّاس وأمسكوا بالفضوليّ صاحب المحلّ، فصارت فوق رأسه قضيتان، وأثناء مسيرهم إلى المحكمة أفلت صاحب المحلّ من الجمع وهرب، لكنّهم جروا وراءه ليمسكوه، ولمّا داهموه دخل مسجدا وصعد منارة صومعته، فلحقوا به، لكنّه قفز من فوق المنارة فوقع على عجوز فأرداه ميّتا، فجاء ابن الشّيخ العجوز ورأى أباه ميّتا فلحق بصاحب محلّ الدّجاج وأمسكه وكان قد أصابه التّعب من شدّة ما لاقى من لحوق النّاس به، فاستسلم للأمر وذهب دون مقاومة إلى القاضي الذي لمّا رآه ضحك مفكّرا بسالفة الدّجاجة ولم يدر أن عليه ثلاث قضايا: 1) سرقة دجاجة 2) فقأ عين اليهوديّ 3 ) قتل الشيخ العجوز بالخطأ أمسك القاضي رأسه وجلس يفكر، بعد قليل انتفض وكأنّما أوحي إليه بشيء قائلا: لنأخذ كلّ قضيّة على حدة، نادوا أوّلاً على صاحب الدّجاجة، فلمّا حضر سأله والنّاس يتابعون الجلسة: ما تقول في دعواك على صاحب المحل؟ قال صاحب الدّجاجة، لقد سرق أيّها القاضي دجاجتي، يقول إنّها طارت وقد أعطيته إيّاها مذبوحة فكيف يحدث هذا يا سيّديّ؟عادالقاضي فسأله: هل تؤمن بالله؟ فأجاب صاحب الدّجاجة بالإيجاب، عندها قال له القاضي كيف تؤمن بالله ولا تؤمن أنّه سبحانه وتعالى (يحيي العظام وهى رميم) قم فمالك شيء عندنا، ثمّ نادى على المدعي الثّاني، وسأله عن قضيّته، فقال اليهودي لقد فقأ صاحب محلّ الدّجاج هذا عيني يا سيادة القاضي، قال له القاضي ديّة الكافر على المسلم النّصف، يعني ذلك أنّنا سندعه يفقأ عينك الثّانية لكي نفقأ له عينا واحدة، قال اليهوديّ إن كان الأمر كذلك في شريعتكم يا مولانا فأنا والله قد سامحته، وأنا أتنازل عن الدّعوى، قال القاضي: أعطونا القضية الثالثة، فدخل الشّابّ ابن الشّيخ المتوفّى وقال: أصلح اللّه القاضى، لقد قفز هذا الرّجل من أعلى المئذنة فوقع على والدي وأرداه ميّتا، فكر القاضي وقال: إذن ليذهب النّاس إلى تلك المنارة وتصعد أنت فوقها ثمّ تقفز على صاحب المحلّ، شكّ الولد في الأمر وسأل القاضي قائلا: وإذا تحرّك يمنة أو يسرة يا سيّدي ورحت هالكا فلحقت بوالدي؟ عندها أجاب القاضي، والله ذاك شأنك وما هي بمشكلة أحد، ثمّ لماذا لم يتنحّ أبوك لا يمنة ولا يسرة؟ لقد كان باستطاعته ذلك أليس كذلك؟ سلّم الولد بالأمر وأعفى غريمه من المتابعة وخرج صاحب محلّ الدّجاج سالما بعد أن سلّه القاضي من هذه القضايا الثّلاث كما تسلّ الشّعرة من العجين، فعلم وقتها علم اليقين انّ هناك دائما من يستطيع إخراجه من كلّ ورطة إذا كانت عنده دجاجة يعطيها للقاضي [image]