تمهيد النزعة الإنسانية وإرث الأنوار أول كتاب مكثف ومختزل للدكتور المصطفى حنفي،في هذا الكتاب:حفر جينيالوجي حول مفهوم التنوير والنقد الذي تأسست عليه الأنوار.كما يرمي هذا الكتاب في بعده الإستراتيجي إلى مسائلة الأنوار وعصر النهضة الممهد له ليبني موقفا من التنوير واستنادا إلى أقوى آلياته وهي النقد في عالم معاصر ما أحوجنا فيه إلى الأنوار.النزعة الإنسانية وإرث الأنوار كتاب يختزل إستشراف المستقبل من طرف مثقف إنشغل في الفلسفة وبالفلسفة /مثقف لا يملك غير الكلام في الكلام كما يقول الأستاذ عابد الجابري سنحاول من خلال قراءتنا المتواضعة في هذا الكتاب أن نستحضر أبوابه المتخمة والملغمة بثقل مفاهيم فلسفية من عصر النهضة والأنوار وتتبع امتداداتها في الفكر الفلسفي والسياسي المعاصر. من الناحية البيداغوجية قسم الأستاذ مصطفى حنفي هذا الكتاب إلى مجموعة من الأقسام والفصول جاءت معنونة على الشكل التالي: تقديم:في الحاجة إلى النقد في الحاجة إلى التنوير القسم الأول:النزعة الإنسانية:دلالات وإشكالات الفصل الأول:في معاني النزعة الإنسانية الفصل الثاني:إنسانية النهضة الفصل الثالث:من إنسانية النهضة إلى إنسانية التنوير الفصل الرابع:إنسانية الأنوار:رهانات الأخلاق والسياسة القسم الثاني:إرث الأنوار وأسئلة المجال السياسي الفصل الخامس:من كانط إلى جون راولز:الأخلاقي والسياسي في نظرية العدالة الفصل السادس:هابرمارس والإرث الكانطي:نحو مراجعة نقدية لفكرة مشروع السلام الدائم 1. في الحاجة إلى النقد في الحاجة إلى التنوير: يحدد الأستاذ مصطفى حنفي في بداية هذا الكتاب مساراته ويقول:''تتجه الفصول الكبرى التي يتخدها الحضور الفلسفي للنزعة الإنسانية في دائرة الأخلاق والسياسة.وهي تنطلق من تحديد أولي لطبيعة هذا الحضور وحقل تأملاته باعتباره حاجة مطلوبة في تاريخ محاصر وفي أزمنة تعاني دوغمائية الأفكار القطعية المتجاهلة لقيم هذه النزعة في بناء نموذج الحقيقة''[1]. فالأنوار التي أسست للعصر الحديث وجعلت إسهامها فيه جزء من التاريخ الكوني للبشرية بلغتها وإشكالياتها ومفاهيمها الكبرى هي ما أسس للحظة النقدية الكبرى التي دشنت انقلابا كوبرنيكيا في القرن الثامن عشر تجسد بشكل أوثق مع إمانويل كانط ويضيف مصطفى حنفي أن العقلانية '' التنويرية مع جماعة الموسوعيين الفرنسيين وكتاب نظريات العقد الإجتماعي والنزعة النقدية الكانطية جعلت من النقد الكاشف عنوانا لعصر بأكمله وتجلت بالتالي المهمة المطروحة على هذا العصر في تخليص الإنسان من كافة أشكال الوصاية والتبعية التي تكاثف التقليد الفكري والديني والسياسي بفرضه على العقل البشري ردحا من الزمن،سواء تلك التي فرضتها عليه المؤسسة الدينية أو تلك التي عملت على تكريسها السلط البشرية،وبالفعل فلقد كان هذا العصر عصر التنوير هو'قرن النقد بأتم معنى الكلمة،النقد الذي ينبغي أن يخضع له كل شيء بعبارة كانط نفسه'[2] وقد كان الرهان على النقد هو رهان من أجل الحرية والتحرر من قيد الماضي وأصنامه،لقد كان النقد وسيلة مفكري الأنوار لإمداد الفكر والإنسان بالآلية والعدة المنهجية التي تمكنه من امتلاك الجرأة على التفكير وذاك هو شعار فلسفة الأنوار . لم تكن فلسفة الأنوار من حيث مقاربة الأستاذ مصطفى حنفي رهانا ثقافيا وفلسفيا براغماتيا بالمعنى الإقتصادي للكلمة، بل كانت رهانا كونيا على بناء فلسفة تستطيع تأطير إشكالات الوجود البشري في بعدها الكوني،وتأسيسها على دعائم ''عقلانية جديدة يحضر فيها مبدأ الحق وتحضر بجوارها وبوحي منها قيم وأخلاقيات العقل العملي من وجه آخر''[3].وهو ما يفرض بالضرورة فلسفة تشريع للجنس البشري وتحديد قواعد الإنتماء إلى هذا الجنس البشري والتي تفرض:'' الفصل بين الروحي والزمني ،بين التيولوجي والسياسي،وهو ما حول نسيج الكتابة الفلسفية في معناها الواسع في النص الأنواري إلى 'بيان نقدي' إن صح التعبير في وجه تاريخ محاصر تغذيه الأوهام ونير التعصب واللاتسامح''[4]. في الحاجة إلى النقد في الحاجة إلى التنوير سؤال فلسفي-سياسي لمصطفى حنفي يحاول ضمنا من خلال طرحه في مقدمة كتابه استرجاع تاريخ النهضة الإنسانية، والحفر في دلالتها،مرورا بالأنوار،ووقوفا على امتداداتها في الفكر الفلسفي المعاصر مع راولز وهابرمارس....الخ. يريد حنفي من خلال هذه البداية المعنونة بشعار في الحاجة إلى النقد في الحاجة إلى الأنوار أن يطرح في الفكر الفلسفي بالعالم العربي تصورا سياسيا يستند إلى فلسفة الأنوار وإرث الأنوار الذي تأسس على رؤية نقدية للتراث الثقافي والأدبي والسياسي واللاهوتي الذي ساد منذ أرسطو،وفي طرح الحنفي لهذا التصور نجده يوجه رسالة ضمنيا لصانعي القرار السياسي والمنشغلين بالفكر السياسي كذلك فاعلين في الميدان أو مناضلين باللغة الحقوقية بالعالم العربي يقول فيها أنه لا تنمية ولا تقدم دون الإستناد إلى مشروع تنويري مبني على النقد وطرح السؤال /سؤال الراهن السياسي في بعده الكوني/العملي. 2. في معاني النزعة الإنسانية : حسب الأستاذ مصطفى حنفي فمفهوم''النزعة الإنسانية Humanisme هو من بين المصطلحات الأكثر تعقيدا والتباسا في الثقافة الغربية الحديثة فهو يغطي من باحث إلى آخر ومن فلسفة إلى أخرى إجراءات ومواضعات ترتبط بنوع من القرابة في المعنى باصطلاحات تميل إلى حدوده. مثل الإنسانية والإنسانوية''وحسب معجم لالاند فمادة الإنسانية تشير إلى أربع مستويات من الدلالة عرضها الأستاذ حنفي كما يلي : أ. معنى تاريخي: دال على الحركة الفكرية المتمثلة في إنساني النهضة بتراك،إرازم،غيوم،بودي،وقد اتصفت هذه الحركة بجهودها القوية لرفع قيمة الفكر الإنساني ولوضعه في المقام المناسب فربطت بين الثقافة الحديثة والثقافة القديمة خلال العصور الوسطى والعصور المدرسية التابعة لها،ويستشهد لالاند لهذا المعنى بتعريف لأحد المؤرخين''لاتعني النزعة الإنسانية مجرد تدوق للعصر فحسب بل تعني أيضا عبادة وتقديس لايقف عند حدود الافتتان بذلك الموروث القديم، وإنما إلى إعادة إنتاجه والإنساني هو ذلك الشخص الذي لا يكتفي بالاطلاع على المعارف القدبمة واستيحائها،بل هو الذي تسحره شهرتها فيقوم بنسخها ومحاكاتها فيتبنى نماذجها وأنماطها،أفكارها ولغتها''[5]. ب. معنى براغماتي:وهو الذي أطلقه ف.ج.شيلر من أكسفورد على المذهب الإنساني والذي عرض له في مؤلفاته الإنسانية خاصة و الفلسفية عامة الصادرة في لندن 1903-1907 وقد قدم لها بحكمة برتاغوراس القائلة ''إن قضية ما تعتبر صحيحة أو خاطئة تبعا لنتائجها التي تتضمن قيمة عملية أو تكون مجردة منها، فالحقيقة أو الخطأ يرتبطان بما ترمي إليه.فإذا كانت الحياة العقلية تفترض غايتها فإن تلك الغايات لا يمكنها أن تكون إلا على النحو الذي تكون عليه،وبالتالي ينتج عن هذا أن كل معرفة هي على وجه التحديد مرتبطة بالطبيعة الإنسانية وبحاجاتها الأساسية''[6].ثم يضيف شلر أنه لا يمكن استعمال مصطلح النزعة الإنسانية على وجه مفيد إلا بمراعات لشعور الموجودات البشرية بالمشكلة الفلسفية وسعيهم لفهم عالم التجربة الإنسانية اعتمادا على ملكات الفكر الإنساني''. والنزعة الإنسانية حسب شيلر ليست براغماتية في معناها الضيق وإنما هي تكثيف لدلالات تاريخية/جمالية/فلسفية/أدبية ترفض الميتافزيقا وتعري اختلافها عبر العصور وكيف تم تبريرها وفق الحاجات الفردية أو تبعا لمصالح جماعية .والنزعة الإنسانية في عمقها الفلسفي كما يوضح الحنفي استنادا إلى لالاند هي تمسك الإنسان بفضيلة الإنتماء إلى كل ما تقوم به ماهيته ويضيف:'يشير معنى الإنسانية إلى تصور عام للحياة(السياسية و الاقتصادية والأخلاقية)والمبدأ الذي يؤسسها هو الاعتقاد في خلاص الإنسان بواسطة القوى الإنسانية ويتعارض هذا الاعتقاد بكيفية صارمة مع المسيحية إذ كان يدل على أن خلاص الإنسان إنما يتوقف فقط على حقوق الله وقوة الإيمان''[7].أما المعنى اللاهوتي فهو ''يؤكد على أهمية طبيعة الإنسان المركبة من الغايات الإنسانية(الفن/العلوم/الأخلاق والدين)والغايات الطبيعية الماثلة في صميم طبيعته أي طرفي التعارض في الإنسان بين الإرادة العليا والإرادة الدنيا''[8].ويستدرجنا الحنفي من خلال استحضاره لتعدد الدلالات والمعاني التي طبعت مفهوم'الإنسانية' في لحظته التاريخية أي القرن الخامس عشر والسادس عشر وصولا إلى الأنوار،ليكشف على الخلفية الإيديولوجية التي أصبح يوظف بها المفهوم وكذلك القيم الحامل لها في عصرنا الحالي تحت تبرير حقوق الإنسان حيث يقول ''فإذا نحن أضفنا إلى هذا -أي تعدد الدلالات والمعاني- عنف الواقع الذي عاناه الإنسان المعاصر خلال حربين عالميتين وما أعقبهما من اضطرابات ونزاعات من أجل السيطرة وبسط الأطماع واستعباد الشعوب المطالبة بحريتها واستقلالها،أدركنا العوامل التي جعلت فكرة الإنسانية تتحول في الأدبيات السياسية المعاصرة إلى شعار دفاعي يغطي تناقضات الواقع وينشر فوقه وجدانية فضفاضة يحركها روح الإيخاء لتشمل التعبير عن إنسانية تعلو عن الفوارق والاختلافات''[9].وحسب حنفي فذلك هو ما يجسده''تضخم الشعارات الإنسانوية التي رفعها أنصار 'الإنسانية'من أجل بلورة الفلسفة الإنسانية التي تضمنتها المواثيق الدولية والوطنية بصدد ما يطلق عليه في لغة الحقوقيين ب'حقوق الإنسان'أي حقوق جميع البشر في كل زمان ومكان''[10]. وهكذا فحسب الحنفي حين يتعلق الأمر بشعارات الخطاب السياسي المعاصر حول الإنسان ومثله العليا التي يجب أن يتم الدفاع بقوة عليها لابد من العودة بهذا الخطاب إلى جدوره الفلسفية للنهضة والأنوار لتتبع سيرورة تشكله ومسارات التي اتخدها في الفكر المعاصر وكيف لا زال يؤثر ويتأثر في تصوره للإنسان. 3. إنسانية النهضة: لم يكن من الممكن للنهضة أن تؤثر في التاريخ البشري والفكري دون صياغتها لمفاهيم جديدة قادرة بقوتها الإجرائية على التأثير في الواقع والعمل على تغييره، بل إن طبيعة المفاهيم التي جاءت بها النهضة كانت قادرة على الإستجابة لطموحات القوى الصاعدة التي ملت السكون الذي فرضته الكنيسة على المجتمع والطامحة إلى وجود تصور جديد يمنح للواقع تصورا أكثر ديناميكية وهو ما جعل حنفي في هذا الكتاب يرى إنسانية النهضة ونزعتها الإنسانية ليست إلا إعطاء القيمة للحركة la valeur du mouvementومفهوم التقدم كمحرك للتاريخ، وقد انصب مفهوم التقدم عند إنسانيي النهضة على فرض غاية ينحو إليها التاريخ تمجد من الإنسان وترسم له أمثل صوره، وكذلك القيم التي يمكن أن يكون عليها وفي هذا الصدد حسب حنفي ركز خطاب النهضة في استراتيجيته على : · الكتاب المقدس في نصه الأصلي · العالم القديم(الإغريقي-الروماني) · الإدراك الموضوعي للواقع''[11] ويؤكد حنفي أنه يكفي للإلمام بجوهر هذه العملية ''أن نشير إلى وفرة الأعمال التنقيبية والفيلولوجية الواسعة النطاق التي تكاتفت من أجلها جهود الباحثين والمنقبين الإنسيين من أمثال غيوم،بودي،وألياندر،وإرازم للتنقيب عن أهم المخطوطات والمصادر التراثية القديمة التي كانت توجد بخزائن ومكتبات أروبا من أجل العمل على إحيائها والتعاطي لها درسا وتحقيقا بغرض نشرها وتعميمها بين طبقات المثقفين، وفئات المتعلمين في حلقات الدروس والأكاديميات .وبالفعل فلقد ساهم في دعم هذه الحركة العلمية التي كانت تستهدف تنمية المعرفة بالحضارة الكلاسيكية وبثقافتها العالمة،صفوة من ذوي الامتيازات في المجتمع الحديث استهوتها نزعة التنقيب والبحث عن النصوص القديمة الإغريقية اللاتينية بمختلف موادها.وقد حشد لأجلها طائفة من النقلة و التراجمة بعث بهم إلى جهات مختلفة''[12]. من هنا يتبين كيف أن عملية التقدم كانت تقتضي لحظة وعي تاريخي بأهمية التراث وضرورة بعثه،لا للإقامة فيه بل من أجل غربلته والوقوف على عناصر التقدم بداخلة وعناصر الجمود والارتكاس من أجل لفضها وتعرية إيديولوجيتها،وهو ما قام رواد النزعة الإنسانية مسلحين بنظرة جمالية /فنية/أدبية/موسيقية/علمية....جديدة للواقع والعالم والذات مؤسسينها على دينامية الحركة، حركية الواقع والفكر في شكل متآن،وهو ما شكل نسفا جذريا للنص اللاهوتي في صيغته البابوية التي كانت توظفه من أجل الحفاض على تصور للكون والواقع يضمن استمرارية مصالحها ورهاناتها ولعل صرخة جوردانو برونو تعبر بشكل دقيق على هذه الدينامية الجديدة حين يقول كما أورده حنفي في هذا الكتاب الذي نقوم بقرائته ''إن العالم هو كل لا متناه ليست له أطراف أو حدود،أو سطوح وأقول إن الكون لا يعني بكيفية جامعة أنه لا متناه مادام كل جزء من أجزائه متناه،ومادامت العوالم الكثيرة التي يشملها بدورها متناهية،ثم أقول بأن الله هو بكيفية جامعة لا متناهي لأنه حاضر في العالم وفي كل جزء من أجزائه'' [13].وهنا يبدو واضح تأثير الثورة الكوبرنيكية فلم يعد هناك عالم الكون والفساد التي تصوره أرسطو ودافعت عنه الكنيسية، بل أصبح الله جزء من هذا العالم . ليس مطابقا لتركيبه ولكن محايث من حيت المكان والزمان وملازم له.إذ تقضي الحكمة الإلهية أن لا يظل الله خارج العالم يتفرج وهذا ما عبر عنه برونو .وبعبارة أخرى يقول حنفي يمكن ''أن ننظر إلى مساهمات الإنسانيين على أنها رسمت قارة الإنسانية بلغة تقريظية ملتهبة تسعى إلى إبراز أشكال التداخل بين الطبيعة والإنسان فاتحة بذلك تيار العقلانية في حركة النهضة بكل أبعادها المعرفية والسياسية والتربوية. إن هذا يعني أن فكرة إعادة الإعتبار إلى الإنسان عبر التراث القديم ونقد التصورات والأشكال العتيقة للنظم الفكرية واللاهوتية السائدة ،والميل نحو إعادة توجيه التفكير النقدي إلى الحاضر الذي''أعاد مركز السلطة إلى تجربة الفرد وعقله كل هذه إذن عناصر رئيسية في الإطار المرجعي الذي استندت إليه إنسانية النهضة علوما وفلسفة وأدبا وفنا، في صراعها مع وثوقية الأفكار الدينية واللاهوت الكنسي[14]. 4. إنسانية الأنوار:رهانات الأخلاق والسياسة: يعود بنا حنفي إلى كاسيرر الذي رأى أنه ''على الرغم من أن اهتمام الفكر الأروبي في القرن الثامن عشر كان منصرفا أساسا إلى وضع قواعد نقدية شاملة تمكن من يراعيها من تقويم انحرافات التفكير والعادات الذهنية الفاسدة التي تحجب أنوار العقل والفضيلة ،فإن تنشيط حركة العقلنة وتوسيع دائرتها لم يكن من الممكن القيام بها بدون الاصطدام بإشكالية الفكر الديني.وهذا راجع كما يقول إرنست كسيرار ليس فقط لكون الدين قد أعاق في نظر فلاسفة الموسوعة تقدم الفكر والثقافة بل أيضا إلى قصوره الذاتي في بناء نظام أخلاقي وسياسي عادلين''[15]. ويمضي حنفي في تشريح العقل السياسي المعاصر في كتابه ليكشف على امتدادات العقل الأنواري بقيمه وتراثه في هذا العقل السياسي المعاصر، وهنا يقول ''إذا نحن استعدنا الحقل السياسي الذي كان يتحدث داخله كانط في مقالته عن ما الأنوار؟ أو رجعنا إلى الاجتهادات الفلسفية لفلاسفة الموسوعة في الموضوع فإنه سيكون علينا أن نسجل في هذا الصدد أن فكرة رفض الوصاية في الدين شكلت محورا أساسيا ضمن اهتمامات التفكير الفلسفي للقرن 18.وهذا راجع في حقيقة الأمر ليس فقط إلى موجة النقد الواسعة التي شنها الموسوعيين الفرنسيون على الدين نفسه وضد صلاحياته وادعائه امتلاك الحقيقة، بل أيضا لأن ظاهرة الرفض هاته أشرت بكل قوة على افتتاح مناخ ساخن من الجدل الفلسفي الديني ربط بكثير من الوعي بين سلطة الدين/حرية المعتقد. هذا نفسه مما شكل مدار التفكير في قارة الديني في عصر الأنوار''[16]. تتجلى راهنية الأنوار حسب الأستاذ حنفي من خلال تأسيسها النظري للعديد من الأفكار السياسية التي تشكل جوهر الصراع السياسي المعاصر ويمثل لذلك بالعديد من الخطابات التي ترفع اليوم في الإعلام والمنظمات الحقوقية وينادي بها الزعماء السياسيين بأمثلة من الكتابات المؤسسة للأنواريين فمثلا خطاب التسامح يمكن العودة به إلى فولتير الذي أكد على الابتعاد على الاختلافات العقدية لضيق أفقها ولا تسامحها . من كانط إلى جون راولز:الأخلاقي والسياسي في نظرية العدالة: ومن بين أولئك الذين انشغلوا في فكرنا المعاصر بكانط نجد راولز في استراتيجيته التي تريد إعادة بناء السياسي على أسس عقلانية تعود لكانط لتستلهم وتأسس نقاشها السياسي/الفلسفي ضد الموقف البراغماتي بعيدا عن الإيديولوجيا الماركسية والأنجلوسكسونية وفي هذا الصدد يقول حنفي:''لانعتقد أن التقاء الفلسفة السياسية لجون راولز بفلسفة الحق الكانطية في أطروحتها ومفاهيمها الأخلاقية الكبرى تأتي من إعلان انتمائها الصريح إلى دائرة الكتابات السياسية لفلسفة الأنوار كما يرسم ملامحها العامة تاريخ الفلسفة بمعناه الأروبي الحديث فحسب، أو من سعيها الفلسفي الأكاديمي المتواصل إلى الانخراط النقدي في مباحثها العقلانية والمساهمة في صياغة مجاريها النظرية ،وإنما لسبب اخر لا يقل قوة ووجاهة في فلسفة راولز، سبب يمكن أن نقول عنه أنه 'استراتيجي'بعبارة الباحثة المقتدرة كاترين أودار،سبب يعلن عن حضوره الواعي في تشكيل البنية الحجاجية لهذه الفلسفة لا في صورة استدعاء لأوليات الفلسفة الماركسية أو انشغال بمواقف إيديولوجية يسارية معاصرة نعتر فيها على رفضه الصريح لأطروحات خصومه في العالم الأنجلوسكسوني، بل في صورة عودة مباشرة إلى كانط وإلى مفاهيم المعتقد السياسي الليبرالي دفاعا عن القيم الليبرالية في القرارات السياسية، نحو قضايا ذات صبغة اجتماعية وأبعاد اقتصادية تميزت أساسا بمنعطفها الليبرالي دفاعا عن قيم الليبرالية في القرارات السياسية،وتلك لحظة من صيرورة المثقافة الفلسفية الأمريكية العسيرة بالتقليد الفلسفي الأنواري، تجد تبريرها الكافي مع جان راولز ليس فقط في المنحى التأويلي الذي اتخذته هذه العودة إلى الموروث الفلسفي للقرن الثامن عشر في تكريسه لفكرة الحقوق الفردية والموقف التعاقدي الفردي في مواجهة المجتمع،بل أيضا في الدور الذي لعبته المرجعية الأخلاقية الكانطية في إنجاز تأويل إيجابي لأولوية ما هو عدل على ما هو خير، في تعزيز جبهة النقاش النقدي لراولز ضد أطروحة الموقف النفعاني''[17]. الزاهيد مصطفى طالب باحث بماستر فلسفة التواصل الهوامش *الأستاذ الدكتور مصطفى حنفي أستاذ الفلسفة والحداثة السياسية بكلية لأذاب والعلوم الإنسانية بتطوان/المغرب 1. النزعة الإنسانية وإرث الأنوار،مصطفى الحنفي،ص 1 2. نفس المرجع ص 1 3. نفس المرجع ص 2 4. نفس المرجع ص 2 5. نفس المرجع ص 6 6. نفس المرجع ص 7 7. نفس المرجع ص 8 8. نفس المرجع السابق ص 9 9. نفس المرجع ص 11 10. نفس المرجع ص 11 11. نفس المرجع ص 11 12. نفس المرجع ص 11 13. نفس المرجع ص 19 14. نفس المرجع ص 19 15. نفس المرجع ص 25 16. نفس المرجع ص 37 17. نفس المرجع ص 49 18. نفس المرجع ص 74