زخات مطرية خفيفة إلى أحيانا متوسطة تساقطت صبيحة الأحد 20 فبراير 2011 على شارع محمد الخامس بالعاصمة، لكن سرعان ما تبددت الغيوم فاسخة المجال للشمس لترسل أشعتها الذهبية طولا وعرضا،لتجف القطرات المطرية بسرعة،في هذه الأثناء انطلقت أفواج بشرية من ساحة باب الأحد إلى شارع محمد الخامس معلنة عن ميلاد حركات الاحتجاج كامتداد لما تعرفه البلدان العربية من ثورات على أنظمتها. تعالت الأصوات بإسقاط الحكومة،ومحاسبة كبار المفسدين في البلاد، ومحاربة الرشوة واستغلال النفوذ ،والمطالبة باستقلال القضاء،والحد من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية،توسيع مجال الحريات الفردية ... رفعت عديد اللافتات تحمل بين ثناياها عبارات جرئية بمطالب مشروعة كما رفعت صور لمسؤولين غير مرغوب فيهم من طرف المتظاهرين .... لم تتدخل قوات الأمن لتفريق أو تعنيف المتظاهرين مخافة السقوط في المحظور وإشعال شرارة نار قد يصعب إطفائها. بل إن السلطات وفي بادرة محمودة قامت بتوفير أنابيب وصنابير الماء للمتظاهرين في الشارع العام،مبدية بذلك حسن نيتها وقطعها الصلة مع الأساليب المخزنية البائدة المتمثلة في الهراوة لتفريق جموع المتظاهرين. أكثر من ذلك فان الملياردير ميلود الشعبي الذي كان ضمن صفوف المتظاهرين كان سخيا وأصدر تعليماته لعمال شركته عين سلطان لتوزيع الماء المعدني مجانا على أبناء الشعب من المتظاهرين وهكذا تحركت شاحنات الشركة المذكورة بين صفوف المشاركين في المسيرة السلمية ووزع عمالها المئات من قنينات الماء المعدني على هؤلاء لإطفاء عطشهم،وتليين حناجرهم التي صدحت بمختلف شعارات إسقاط الفساد والمفسدين.والأكيد أن الكثير من المتظاهرين والمحتجين ممن أتوا من مناطق نائية إنما قدموا للاحتجاج ليس على الوضع السياسي لعدم درايتهم بخبايا السياسة وإنما للتعبير بعفوية على أوضاعهم المزرية ويطلبون الالتفاف إلى حالهم وأن توفر لهم الدولة شروط العيش الكريم بما فيه الاكتفاء الذاتي من الذهب الأزرق(أقصد الماء الشروب) اذ منهم من يطارد قطرة ماء طيلة النهار قاطعا مسافات طوال على متن دابته كمن ينقب عن معدن نفيس. وفي مناطق عدة تسقى مياه الشرب دون توفرها على معايير الجودة وغير خاضعة لأية معالجة من البكتريا والطفيليات .... مما يجعل المستهلك البسيط عرضة لشتى أصناف الأوبئة.ولضعف أو أحيانا انعدام القدرة الشرائية لقدر لا يستهان به من الأسر التي تتخبط في فقر مدقع خلاف الأرقام الكاذبة لوزيرة التنمية الاجتماعية،يأتي الدقيق والسكر والزيت والشاي... ضمن أولويات المشتريات الأسبوعية والشهرية لأغلب الأسر ... أما الماء المعدني فهو يبقى حصرا على علية القوم الذين منهم من لا يكتفي بتخصيصه للشرب فقط بل للطهي وحتى للاستحمام أحيانا. فيما لا ينهله الفقير إلا في المناسبات أو بوصفة من الطبيب بان يحذره من مغبة الاستمرار في تناول المياه التي لا تتوفر على حد أدنى من الجودة إن أراد أن تحافظ الكلي على وظيفتها الكلاسيكية كمصاف طبيعية. فالشعب بإضافة الياء كان همه أن يرتوي عموم المتظاهرين بالماء المعدني في ذلك الحدث الاستثنائي في سبيل الله أو ربما لكسب مزيد من الزبناء لعلامته التجارية أو لغرض لا يعلمه إلا هو،أما أبناء الشعب ممن صدحت حناجرهم بالمطالبة بمزيد من الحريات وصيانة للحقوق المكتسبة ومنها الحق في الماء الذي تكفله القوانين والدساتير ففي نهاية المطاف لا يريدون سوى اجتثاث منابع الفساد والمفسدين من أمثال من يروون ويستحمون بالماء المعدني فيما العديد من أبناء جلدتهم في مناطق نائية لا يجدون جرعة ماء يطفئون بها عطشهم ولو لم تكن بها أملاح معدنية ولا كالسيوم ولا هم يحزنون لأنهم يستمدون القوة الكافية من ضنك العيش ذاته ...؟؟