وأنا أجول وأصول بين صفحات الكتب مؤخرا استوقفتني عدة كلمات وعبارات تحاول جاهدة تعريف الحرية، وكيفية الوصول إليها ؟ وهل القيام بالثورات يعني نيل الحرية ؟ و التحدي الأكبر ماذا بعد الثورات ؟... إن استوقفنا لحظة بُغية إعطاء تعريف للحرية لوجدنا أنها لا تُعرَّف بالمصطلحات المعهودة، ولو فعلنا لما استوفيناها حقها لأنها لا تُسمى، كما أنها لا توجد في الكتب أو في الإعلانات، ولا في برامج الحكومات كما نتوهم جميعا، لأن الحرية في الأذهان، إنها تُعاش بمبادرات شخصية كانت أو جماعية، في مناخ حر كيفما كان، البيت أو الجامعات أو مختلف الأماكن والمرافق التي يجتمع فيها الناس على قول البروفيسور المهدي المنجرة. لاكما تترجم عندنا في دول العالم الثالث في الخطابات والنصوص فقط، تبقى جافة حبيسة الأقلام وسجينة الأوراق. بل أكثر من هذا يذهب البروفيسور بعيدا حينما يسرد في معنى حديثه أن المُلام هو المظلوم أكثر من ظالم لأنه لم يقم بأي رد فعل لأخذ حريته. أما من منظور إمانويل كانط يمكننا استخلاص معنى أكثر عمق من خلال معرض حديثه في مقاله الشهير "ما هي الأنوار؟ " متحدثا عن النضج والسفه في المجتمعات حيث يشير بأن الأنوار إنما هي الجرأة على التفكير، وينعت غيابها بأنه كسل وجبن من المرء عن التحرك لوحده دون قيادة أو توجيه من الآخرين. ويضيف أنه إذا كان من شيم الثورات أن تزلزل أركان الطغيان والاستبداد، فإنها لا تؤدي بالضرورة إلى إصلاح حقيقي لطرائق التفكير بل ربما أدت إلى عكس ذلك جمودا وسيادة أحكام تمارس بدورها وصاية جديدة، لان الجماهير في نظره "لاتلج عالم الأنوار إلا بطيئا". وسبب ذلك عنده، أنه لم يسمح للفرد باستخدام عقله بل تولت عنه المؤسسات على اختلافها مسؤولية القول بما يجعله رهين ذلك السفه الآنف الذكر(1). إن المدخل إلى الأنوار الباعثة للنهضة إذن هو مدخل "الحرية"، وشعارها أن "تشجع على استخدام عقلك!"(2). تلخيص، الحرية تُأخذ ولا تُعطى، والوصول إليها رهين بتشجيع الناس على استخدام عقولهم، وما الثورات إلا نقطة البداية لبناء وترسيخ مفهوم الحرية لدى عامة الشعب وليس خاصته فقط. خلاصات، الثورة حراك شعبي عام هي ملك للجميع ليس من حق أحد احتكارها أولا، ثانيا واجب أن نتذكر أن أصدقاء الثورة قد يكونوا أعداء السياسة، فالواجب أن نبحث عن المصالح المشتركة للجميع ولتحكمنا الأخلاق لأنها أساس التعامل حتى لو تعارضت المصالح وواجب أن لا ننسى أن السياسة علم ومهارة تحتاج للعلم والممارسة وفي الأخير الثورات تقوم لإسقاط الأنظمة لكنها لا تكتمل إلا بإصلاح البلدان وبناء الإنسان وهذا لن يتأتى إلا بغسل دماغ البعض و تشجيع الكل على استخدام العقل وهذه هي الحرية. (1): qu'est ce que les lumières –Emmanuel Kant(1724-1804) (2): مبادرة السؤال من اجل حركية فكرية جديدة ص19 ، فيصل الأمين البقالي. أبو صهيب المهدي فاضلي [email protected]