تفرض المدن العتيقة بالمغرب كفاس ومراكش وسلا ، إيقاع أحداثها التاريخية على المشهد الوطني والدولي من خلال الوثائق التي توفرها ، من مخطوطات وشهادات حية مدونة لأناس عاصروا الحدث، وكتابات باحثين في التاريخ ، وفي السوسيولوجيا السياسية ، و في مختلف الحقول المعرفية الأخرى، بحيث ساهم مجموعة من الباحثين ولا يزالون من خلال تعميق تخصصاتهم، في إثراء النقاش عن مدى مساهمات هذه المدن التاريخية في صنع التاريخ الوطني، و من خلال بحثهم العلمي الرصين عن أدلة تاريخية يحاجون بها غيرهم في ما توصلوا به من خلاصات واستنتاجات، تماشيا مع المنهج العلمي السليم في بسط أرائهم ومقترحاتهم. وحاضرة دمنات كغيرها من المدن المغربية نالت نصيبها من هده الإحالات المرجعية ، إذ سيقت بذكرها الأقلام ، توخيا للمزيد من التفصيل و التعمق في سرد الوقائع التاريخية التي شهدها تاريخ المغرب المعاصر. فإدا كان المؤرخ أحمد التوفيق في مؤلفه المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر ، انولتان . طرز التاريخ الدمناتي من خلال ملامسته ومعاينته للعديد من المخطوطات التي كانت بين أيدي الأسر آنذاك، فجعل من كتابه وثيقة حية، ومرجعا للدارسين والدارسات في حقل التاريخ، الموغلة أعماقه، الموحشة صدفه، المتلبسة غيومه، والمشرقة آثاره. حيث لا نكاد نجد مؤلفا في التاريخ المعاصر إلا ويستدل بهذا الكتاب، فهو مؤلف جعل من مدينة دمنات مادته الدسمة، و جسدا للتشريح التاريخي ، يجيب عن تساؤلات عدة تتوخى فهم التاريخ الوطني المغربي في كليته. سنحاول من خلال هذه الورقة أن نتفادى التفصيل في عرض مضمون هذا الكتاب، والذي سنجعله موضوع كتابات لاحقة إن شاء الله. وأن نكتفي ببسط بعض الكتابات التي جعلت دمنات في موقف الاستدلال العابر ،بهدف توضيح فكرة هنا أو تزكية موقف هناك، وسنحاول من خلال الكتب التي بين أيدينا، رصد هذه الشهادات من خلال السياقات التي وردت فيها، والتي جعلت مدينة دمنات ووقائعها التاريخية مثالا، يذبج في بعض المؤلفات و المراجع. المرجع الأول : كتاب أمير المؤمنين ، الملكية والنخبة السياسية المغربية للكاتب و الباحث الأمريكي جون واتربوري . إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل في سياق تحليله للأسباب التاريخية التي أفرزت انقسامات داخل حزب الاستقلال، وأدت إلى بروز الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وتشكله،وهي أسباب و سجالات سياسية، يتداخل فيها الموضوعي بالشخصي ما بين القيادتين التاريخيتين للحزب، كل من المرحومين علال الفاسي والمهدي بن بركة . لقد عمد الباحت واتربوري من خلال الفصل التاسع الذي عنونه ب”انقسام النخبة الوطنية ” الصفحة 253 ،إلى الإحالة على ما ذكره علال الفاسي في كتابه “عقيدة وجهاد”على الشكل الآتي: (.....يكمن السبب الأساسي في الانشقاق ،حسب علال الفاسي في قضية بنك الدمناتي ، ويتعلق الأمر بمشروع ترأسه الفقيه البصري، بجانب رجل الأعمال الكبير الحسين الدمناتي وعبد الكريم الخطيب، فتح هذا البنك المجال أمام الرأسمال الأجنبي ، فعارض قدماء الحزب هذا المشروع “الإمبريالي”، وقد ظل الجو معكرا من جراء هذه القضية بشكل ساهم في إفشال محاولات التصالح اللاحقة ...). أنظر الصفحة 49/50. المرجع الثاني : كتاب التحول المعاق، الدولة والمجتمع بالمغرب الحديث. لمؤلفه علي حسني إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل في الفصل الثاني من هذا الكتاب والذي عنونه الباحث ب "التوسع التجاري والتغلغل الأوروبي" ولكي يبرز أهم الطرق التجارية الداخلية لاقتصاد مغرب القرن التاسع عشر وفي فقرة الطرق التجارية الصفحة 130 استدل المؤلف بالآتي: ....(غير أنه لابد من التذكير بمراكز كانت تنافس هذه المدن التجارية الكبرى ، كصفرو بالنسبة لفاس، و دمنات وبني ملال بالنسبة لمراكش، وأبي الجعد بالنسبة للدار البيضاء، وتيسنت بالنسبة للصويرة.... والمدار التجاري الداخلي يظهر بوضوح، حينما ترتبط عدة مدن بمركز تجاري ، كمراكش وحولها دمنات، وبني ملال، وتزناقت...). وفي موضوع أخر يتعلق ببيان أن حضوة القائد لدى المخزن المركزي تضمنه له هداياه ، يحيل الدكتور علي حسني القارئ إلى مخطوطة بالخزانة العامة رقم 1463 (320ك، ص 412) ذكرها الباحث محمد بن المصطفى المشرفي في كتابه الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية وتضمنت الآتي: )......ذكر المؤلف رسالة للوزير إدريس بن العلام مؤرخة برمضان 1308، يخبر فيها القائد الجيلالي الدمناتي أن البغلة المحملة بالهدايا والمتوجهة إليه، قد وصلته، وأنه قد استجاب لمطلب الجيلالي بعدم الزيادة عليه في عدد العسكر وغيره، وفي رسالة أخرى يطمئنه فيها بعد اتهامه بالتدليس في واجبات كراء حوانيت للمخزن بدمنات...) وفي موضوع ذي صلة، دلل الباحث استنتاجاته بخصوص اختلاف درجة الروابط في علاقة القائد المحلي بالمخزن المركزي بحسب درجة الطاعة والولاء ، وإستراتيجية السلطة المخزنية آنذاك، حيث ذكر في المبحث الثاني المعنون : القائد والعامل الصفحة 73 ما يأتي بيانه: (.... اختلفت درجة توطيد الحكم في كل منها ( القبائل) بحسب بعدها عن المركز ، فكان منها ما هو خاضع مباشرة لحكم عامل دمنات ونظره، وفيها تتمتل العلاقات بين المخزن والرعية بجميع مراحلها، وهي إنولتان ، ومنها ما هو إلى نظر خليفة من أسرة القائد وروابطه بالمركز في الرتبة الثانية من المتانة،وهي فطواكة ، ومنها ما هو مقر بالتبعية ، بعد عراك طويل مع تركه لشيوخه الذين يجمعون الواجب السنوي ، ويوصلونه لعامل دمنات ....). وفي سياق أخر، ذكر المؤلف في الصفحة 75 في نفس الكتاب ، أثناء حديثه عن السلطة وتمظهراتها في المجتمع المغربي، ومن خلال صورة القائد لدى الناس، والإحالة هذه المرة على المؤرخ أحمد التوفيق في كتابه المشهور المجتمع المغربي في القرن الناسع عشر الصفحة 476 ما يأتي: (.... من مظاهر الجاه، الأسرة الممتدة ،وهي تثبت النجاح في الجمع بين المال والبنون، فالقائد علي أوحدو قائد دمنات، وصل قمة التألق حينما اتسعت أسرته ، وأصبح له الأصهار من أرستقراطية دمنات، والعملاء من تجارها، واستعان بأولاده في ممارسته قيادته،فجعل واحدا منهم خليفة على غجدامة، وآخر على فطواكة ، وثالثا مكلفا بشؤون داره وأمواله بمراكش، أما أقرب الأولاد إليه ، وأكثرهم احتكاكا بالشؤون المخزنية، فكان هو الجيلالي خليفته بدمنات...). وفي موضوع أخر، في الصفحة 61 من المرجع المذكور ، ويتعلق بممارسة النفوذ على القبائل من قبل خلفاء السلطان، ذكر المؤلف الآتي: (....عين السلطان الحسن الأول المدني الكلاوي خليفة له على تافيلالت، وأهداه مدفعا من نوع “كروب” لم يسبق لأي قائد أن حصل عليه، ومن تم فقد استغل القائد تلك الترقية للاستيلاء على جميع القبائل التابعة لعمالة دمنات فيما وراء الأطلس ( دادس وتدغة) ...). و الإحالة هنا مرة أخرى على احمد توفيق. المرجع الثالث : كتاب الفلاح المغربي المدافع عن العرش لكاتبه الفرنسي ريمي لوفو في معرض حديث الكاتب عن النخب المحلية لما بعد الاستقلال ، وعن الطبيعة السوسيولوجية، والمكانة القبلية التي تتمتع بها هذه النخب، وخصوصا الأعيان منهم نجد ريمي لوفو في القسم الثاني ، تحت عنوان لمحة حول الجغرافية السياسية للمغرب الإقليمي ،وبالضبط في الفصل السادس، الجنوب والجهات الشبه الصحراوية الصفحة 139. نجد يوثق الشهادة التالية: (...أما بانتقالنا إلى توما ، فقد فاز فيها بالمقعد الانتخابي فلاح متوسط الحال (30 هكتار)، وهو حليف أسبق للكلاوي ، وذلك على حساب رجل فلاح ، سبق وأن عين شيخا على نفس الفخذة بعد الحصول على الاستقلال، ننتقل الآن إلى دمنات، حيث إن الشيخ الأسبق بها (استمر بالمشيخة لمدة 30 سنة) ، وهو تاجر ذو ميول استقلالية ، بحيث كان مراسلا لجريدة العمل بدمنات،وكان نجاحه بهذا المقعد على حساب خلفه في نفس المشيخة ،(من 1956 إلى 1959)، وفيما يخص الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فقد رشح باسمه فلاحا من صغار الفلاحين ، كان شريكا للفقيه البصري (المنحدر من نفس المدينة) في استغلالهما لحافلة كانت تؤمن المواصلات فيما بين جهات الدائرة....). هذه إذن بعض الكلمات التي قيلت في حق مدينة دمنات من خلال الاستشهاد بالوقائع والأحداث التي مرت بها، وهي بطبيعة الحال تحتاج منا إلى المزيد من التدقيق والمعرفة الميدانية،حتى نثري معرفتنا التاريخية بدمنات ونغنيها.