I - ثورات الشعوب العربية بشعار مغاير 01 - ثورات مرادفة للانقلاب العسكري : كان الثورات في المجتمعات العربية في شكل انقلابات عسكرية لتغيير أنظمة سياسية معينة ، قادها ضباط وزعماء تواقون بالخصوص الى تأسيس أنظمة جمهورية تجعل من الاشتراكية – بفعل مدها القوي وقتئد – البديل المثالي لتحقيق أحلام شعوب رزأت تحت نير استبداد أنظمة طاغية نصبها الاستعمار لخدمة مصالحه بعد الاستقلال السياسي ، ضباط اغترفوا من مشارب الفكر الاشتراكي الذي كان يضيف الى مطلب الاستقلال والتحرر ، مطالب العدالة الاجتماعية ، وما تستلزمه من تعميم لدمقرطة التعليم وتحقيق تكافؤ الفرص وإعادة توزيع الثروة وتطوير مصادرها من خلال التصنيع واستصلاح الأرض ، وانتقال وسائل الإنتاج الى أيدي الشعب وإلغاء الاستغلال . كل هده الدينامية اتت ضدا على مساوئ الرأسمالية والاستغلال الامبريالي البشع الذي تكرسه الأنظمة التابعة للاستعمار الأجنبي ،و اللبيرالية المغرضة التي تباركها الولاياتالمتحدةالأمريكية .. توالت الثورات ادن ، وبعد إسقاط نظام الانتداب الذي تحكم في السلطة في سوريا بعد محمد علي العثماني سنة 1946 ،. قامت ثورة رشيد علي لإسقاط نظام الملك عبد الله عم الملك فيصل الأول بالعراق سنة 1958 ، وذلك قبل قيام انقلابي فبراير ومارس الممهدين لوصول البعث الى الحكم في القطرين الجارين سنة 1963 .، بعد دلك ثار الضباط الاحرار في مصر سنة 1952 ضد الملك فاروق . وقاد العقيد معمر القدافي الثورة ضد نظام الملك السنوسي سنة 1969 ، وحلت الجمهورية بالسودان سنة 1958 بعد ثورة المارشال عبود ضد نظام فاروق المهدي ، قبل تكرار السيناريو من جعفر النميري سنة 1973 . وفي سنة 1972 قامت الثورة ضد الإمامة في اليمن الشمالي لإقامة نظام جمهوري . هذا دون أن ننسى مسلسل الثورات الإنقلابية الفاشلة المتتالية لإسقاط نظام الملك الراحل الحسن الثاني منذ السبعينيات من القرن الماضي مع الجنرال أوفقير ووصولا إلى منتصف الثمانينيات مع الجنرال الدليمي. كلها إذن ثورات عسكرية ترتكز على إرادة إديولوجية لإزاحة أنظمة وصفت بالمستبدة والعميلة رغبة في التغيير نحو مستقبل أفضل ، فانتقلت عدوى الانقلابات كما رأينا بوثيرة زمنية متسارعة ملفتة للانتباه . 02 – ثورات من أجل الوحدة محركها صراع وجودي : لا تنفصل هذه الثورات ، في مقامها الأول كإرادة إيديولوجية للتغيير نحو الأفضل ، عن الثورات الأولى . فبنفس السرعة التي توالت بها هذه الأخيرة ، نجد أن الثورات الوحدوية توالت بسرعة مكوكية في العالم العربي وكانت في موضع القبول والتأييد عند جماهير الأمة ، صاغت قراراتها القيادات السياسية ، فتشكلت الفدراليات الموحدة ، والتجمعيات ، والمجالس التعاونية وغيرها . فاحتفلت الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج بميلاد تكتلات إقليمية وحدوية وتقاطبات قومية جاءت كالتالي : الوحدة المصرية السورية سنة 1958 ، الوحدة الثلاثية بين مصر والعراق وسوريا 1963 ، ثم اتحاد الإمارات العربية سنة 1968 ، ثم اتحاد الجمهوريات العربية سنة 1971 ، فالوحدة اليمنية سنة 1972 ، وبعدها الوحدة المصرية الليبية سنة 1973 ثم الوحدة السورية سنة 1978 ، فالوحدة السورية الليبية سنة 1980 ، يليها اتحاد مجلس التعاون الخليجي سنة 1989 ، وبعده مباشرة بيوم واحد يقوم اتحاد المغرب العربي بمراكش في 17 فبراير من نفس السنة . نلاحظ على مدى ثلاثة عقود ، كيف شكل هاجس الوحدة طموحا قوميا قويا يعكس شعورا فياضا مشتركا لشعوب عربية تواقة للإتحاد ضد التجزئة والتشردم ، والملاحظ أيضا – خصوصا في التقاطبات المشكلة في منطقة الشرق الأوسط – أنها كانت تتغيى تغيير معالم الوضع الجغرافي والسياسي والاستراتيجي في المنطقة لتعزيز القوة العربية في مواجهة اسرائيل ، وإعداد الظروف الملائمة لتحرير الأراضي المحتلة . فكان بذلك " تهافت " الشعوب نحو الوحدة ثورة من نوع خاص ، تروم إثبات الوجود والذات بالدرجة الأولى .ولا يهمنا في هذه الفقرة سرد تفاصيل فشل كل هذه المحاولات الوحدوية ، وقد نتناول هذا الموضوع في مقال آخر . 03 – ثورات من أجل الخبز و الكرامة وتصحيح الاختلالات المحلية : يصح القول بكون هذا النوع الثالث من الثورة هو نتاج الفشل الكبير للتوجهات الوحدوية والقومية السالفة الذكر والإحباط الجماهيري الكبير الذي تمخض عنها . فالوحدة تمت دون إعداد كاف ، وتحت تأثيرات عاطفية مؤقتة ، بالإضافة إلى غياب الديمقراطية عن دولة الوحدة في أنساقها التشريعية والتنفيذية متمثلة بالخصوص في إبعاد القوى السياسية المساهمة في إنضاج الرأي العام ، بل وتحطيم معنوياتها ومعها معنويات جموع الجماهير العربية بالتوقيع على معاهدة كامب ديفيد ، حيث أصاب الخفوت صوت الخطاب القومي العربي ، فكمت الأفواه من جديد، وزادت معاناة أكثرية الشعب المسحوقة ، وازداد شعورها بلفح الأزمة بكل أبعادها السياسية ، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . فقامت الثورات متثالية من جديد مع نهاية عقد السبعينات ، وعلى مدى عقدي الثمانينات والتسعينات خصوصا بعد انهيار جدار برلين ، منادية بالإصلاحات السياسية المحلية ، وإرساء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية وضمان عيش كريم لكل المواطنين لتنفجر أصوات المواطن العربي يما من غضب عارم في كل من مصر وتونس ، تواكبها حاليا موجات من السخط الشعبي ضد الاستبداد والوضع الاجتماعي المزري بكل من اليمن والأردن والجزائر وليبيا والبحرين. II- رياح التغيير بالمغرب ، أي سيناريو ؟ الكل بدأ يترقب وصول رياح التغيير الى بلدنا بعد هذه الموجات المتلاحقة من الغضب الشعبي في الوطن العربي ، خصوصا وأن الأوضاع الاجتماعية عندنا ، مزرية ترمي بثقلها على السواد الأعظم من الفئات المعوزة والفقيرة مرورا بالمعطلين وصغار الموظفين وغيرهم ،ناهيك عن العديد من الاختلالات السياسية والاقتصادية التي يدركها المثقف المغربي . أوضاع واختلالات جعلت من ثقافة الاحتجاج – التي ليست جديدة على مجتمع ما بعد الاستقلال السياسي بالمغرب – وسيلة مهمة في الاستجابة لعدد من المطالب سابقا . العديد من الشباب المغاربة ، الفايسبوكيين منهم على الخصوص ، ذهبوا مؤخرا الى حد التساؤل : على من سنحتج ؟ على الحكومة أم على المؤسسة الملكية نفسها ؟ هل سيقوم الشباب بالاحتجاج ليعبر عن كرهه للحكومة وحبه للملك ؟ أم أن الملك نفسه يجب أن نغضب من قراره في جعل الثقة في حكومة فاسدة وغير منسجمة ، مع العلم أن له صلاحيات واسعة لإقالتها بل وحتى معاقبة المتورطين منها في قضايا فساد إدارية ؟ألن يؤدي غضب الشارع الى اختلاط الحابل بالنابل واستغلال الوضع من بعض الأطراف المعادية لزرع الفتنة ودواعي الشقاق بين أفراد مجتمع مستقر يلتحم فيه الشعب بالعرش ؟ألن يضرنا الغضب الشعبي أكثر مما سينفعنا ؟ أسئلة عديدة جعلتني في أخر المطاف أخلص الى ما يلي : الثورة على المؤسسة الملكية في المغرب ضرب من ضروب اليوثوبية ( utopisme) ، لا ينادي بها إلا بعض المفكرين "الطوباويين" خصوصا ممن جاد مداد أقلامهم في مطلع هدا الشهر ب"تحريض " الشعب المغربي على الثورة على المؤسسة الملكية" ، من قاعة صالوناتهم المكيفة في باريس وبعض العواصم الأوروبية ، أضف إليهم بعض المتربصين من أعداء الوحدة الترابية للوطن . إن استخدام نوع من " الوعي المطابق" كما يقول الفلاسفة وأهل المنطق يجعل من الصعب أو حتى المستحيل على المواطن المغربي كيفما كان نوعه أن يتخيل سيناريوها يثور فيه على المؤسسة الملكية الحاكمة ببلادنا ، وذلك لعاملين أساسيين في نظري : أ- العامل التاريخي : والدي يجعل من هده المؤسسة تحتل مكانة هامة داخل النسق السياسي المغربي ، فهي توجد في القمة وتملك من الصلاحيات الدستورية ما يجعل خصوصا من شخصية الملك شخصية مقدسة تتجاوز النص الدستوري بما هي مستمدة من الإرث السلطاني الذي جعل المؤسسة الملكية عبر مدة زمنية طويلة تتمتع بنوع من " الحب المقدس " بين الملك والرعية تجمعهما " بيعة الرضوان " .و يذكرني هدا الموقف ، بتلك العلاقة المبنية على احترام عظيم للشعب تجاه شخصية الملك في التايلاند : فبعد أن حكم البلاد لأكتر من نصف قرن من الزمن ، قدمت له الحكومة باسم الشعب جسرا ضخما بضواحي بانكوك كهدية بمناسبة عيد ميلاده الثمانين سنة 2007 ، وكان كل الشعب يصفق في حفل ضخم مثيرا للدهشة ، حتى أن الثورة التي عرفها الشارع التايلاندي مؤخرا كانت عنيفة ضد الوزير الأول وحكومته ، استبعد منها الملك الذي - للتدكير- يعتبر تواجده على رأس السلطة شرفيا فقط . تبقى المؤسسة الملكية بالمغرب ادن ، مقدسة في نفوس وعقلية المغربي وضميره الجمعي ، حيت تستمد هده القداسة من تاريخ طويل جعل من الملك رمزا للائتلاف الاجتماعي والديني يتمكن من خلاله العاهل من بعث شرعية تاريخية متجدرة .( اتفق في هدا الصدد مع التحليل الوافي الدي قدمه الاستاد عبد الله حمودي في احدى فقرات كتابه ( الشيخ والمريد ) . من ثم فان إثارة السؤال حولها بشكل أو بآخر)) ( remise en question يبقى موقفا مستبعدا . ب - العامل المرتبط بقوة المؤسسة الملكية نفسها بالاضافة الى كون رئيس الدولة في النظام السياسي المغربي يبقى بمنأى عن أي تنافس حتى بين افراد الاسرة الملكية نفسها ، كما يقر بدلك الدستور ، إد تنتقل الحقوق الدستورية بالوراثة للولد الاكبر سنا من درية الملك ، فإن لهدا الاخير مصادر قوة اخرى في ترسيخ سلطته الدستورية والعرفية ، تجعله متمتعا بمكانة هامة في النظام السياسي المغربي . فصناعة السياسة العامة بالمغرب اتسمت بالمركزية الشديدة مجسدة في الملك واستخباراته القوية وأعوانه ، الدين فرضوا الطاعة بالقوة واستخدموا الدين لنكريس الولاء عبر العصور ، الشيء الدي " مخزن " عقلية المواطن وجعلها متسمة بالخوف من الحاكم وبالعجز عن نقد صانع القرار وهو ما رسخ تقافة انتظار القرارات العمودية .زد على دلك القوة الاقتصادية للمؤسسة الملكية خصوصافي عهد المالك الراحل الحسن الثاني .فهي أكبر مالك للعقار ، وأكبر مستثمر في الفلاحة وأكبر فاعل اقتصادي باحتضان أكبر ثروة وأضخم راسميل مستثمر بشكل مربح واحتكاري احيانا . كما تتمظهر هده القوة من خلال المجال الإعلامي المسخر لتمرير وترسيخ المشروعية الملكية ودورها المركزي و" الفعال" .من هنا ، فأفاق التحول السياسي على مستوى القمة في المغرب ، حتى وإن تم التفكير فيها ، فهي تظل محصورة الإمكانيات ، وتجعل من بعض هلوسات التغيير الجدري التي يطرحها بعض المثاليين ضربا من الخيال . III - الإصلاح أولا وأخيرا : ما هو المطلوب إذن في حدود المأمول بالنسبة للقوى الشعبية التي ستعبر عن احتجاجها يوم الأحد 20 فبراير 2011 ، كما عبرت عنه الشعوب العربية الأخرى ؟ اعتقد أن على أفراد الشعب المغربي المحتجين والغيورين على مصلحة الوطن والمواطن ، لا على مصالح ضيقة يرفضها العقل الناضج ويعافها كل طبع سليم ، أن يصرخوا في هده الانتفاضة الحضارية ضد الاختلالات غير المقبولة والمتعددة التالية : - سياسيا : فرض إصلاح دستوري وسياسي استعجالي يقضي بتوسيع صلاحيات المؤسسة البرلمانية في التشريع ومراقبة الحكومة وإلغاء الغرفة الثانية المستنزفة .فأغلب تشريع ومراقبة البرلمان المغربي مرهونة بتعليمات فوقية ، وحصيلته هي المصادقة على قرارات حكومة هشة ، طبعها اللاتجانس مند تشكيلها . وعلى دكر الحكومة الحالية ، فالشباب المغربي يرفض سياسة الاستهتار المتواصل للعائلات الاوليكارشية من أصحاب البطون المنتفخة التي يقودها الفاسيون وعلى رأسهم الوزير الاول ، أكبر المستهترين ( لم ولن ننس قضية النجاة ) . من هنا – كما قال احد الشباب المعطلين يوما و المفعول بهم في قضية النجاة – "يجب طرد العباسيين من الحكومة " ، هدا الطرد يجب أن يواكبه الاعلان عن مأسسة ديموقراطية لمؤسسة الويز الاول التي يجب أن تمتلك فضاءات خاصة للفعل والتأتير مع استبدال شرعية " التعيين " بشرعية "الانتخاب" ، حيت تكون المؤسسة الملكية على مسافة من الحكومة حتى تكون محاسبة هده الاخيرة دات دلالة ومعنى . ولا يفوتنا أن نتكلم ايضا عن الاحتجاج ضد استمرار التزوير الانتخابي والتلاعب بمصير المواطن ، تم التقطيع الانتخابي أيضا المحكوم بهاجس الامن بدل المقاربة التشاركية التي تقترح فضاء ناجحا وملائما للتنمية المحلية الحقيقية . لابد كذلك في هذا الصدد من التأكيد على الرغبة الملحة في ملكية برلمانية يلعب فيها الملك دورا عصريا جديدا ، يسود ولا يحكم . - اقتصاديا :الاحتجاج المرتقب سيرفع ايضا شعارات تندد باعطاب الاستثمار وفعل الاستهلاك ، وغياب تطبيق قانون السلم المتحرك للاجور وسلبيات التقويم الهيكلي الدي خفض من حجم النفقات العمومية .زد على دلك غياب سن سياسة ضريبية صارمة قائمة على مبدأ التكافؤ لا مبدأ التمييز ، وانعدام تسريع وثيرة معدل النمو لتخفيض نسب البطالة . - إجتماعيا : مشروعية" الانتفاضة "المرتقبة ستكون مستمدة من الاستياء العميق لعموم المواطنين من استمرار سياسة النهب وهدر المال العمومي والافلات من العقاب ( 115مليار درهم منهوبة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لوحده ، ناهيك عن مؤسسات مالية عمومية عديدة يعرفها كل المغاربة ) . بالاضافة الى غياب تمتع المجلس الاعلى للحسابات بالاستقلالية الضرورية ، تم غياب تفعيل حقيقي لمناهضة الرشوة وغياب قضاء نزيه . أضف الى هده اللائحة السلبية استفحال غلاء المعيشة وارتفاع عتبة الفقر الذي تولدعنه الارهاب وتصاعدموجات العنف في شكل ارتكاب شبابنا لجرائم بشعة ، خصوصا بالمدن الكبرى والاحياء القصديرية ، وفي شكل صدامات قاتلة بين السلطة والمواطنين بالبوادي وبعض المناطق الجبلية . ولا ننسى غياب محاسبة المقاولات غير المواطنة المتورطة مع غيرها في كبح طموح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية . - حزبيا ونقابيا : سينتفض الثائرون يوم العشرين ضد الفقر السياسي لاحزاب ونقابات اضحى همها الاستوزار والتهافت على مواقع المسؤولية في ظل تيه فكري وتشتت تنظيمي ينشر الوعي الزائف ، الدي لا ينبني أصلا على تبني المعارك الفكرية والاجتماعية والجماعية البعيدة عن الرغبات الفردية في التميز والقيادية الجوفاء .احزاب ونقابات اصابها الدوار بمختلف انواعها ، بخطابات محتضرة ، ومواقف حربائية ، وأفكار لم تعد تخدم المواطن ولا تعترف بالاخلاق التي هي منبع السياسة وأساسها . - إعلاميا : سيقول المواطن المحتج " لا" للصحافة المتقلبة والمتملقة ، لا لمحاكمة وإتقال كاهل المؤسسات الصحفية الحرة والمناضلة بالغرامات الخيالية ، ولا لإحجام صوتها بالاعتقال وإغلاق ابواب المقرات بدرائع ومبررات واهية . ( ارتفاع الاحكام الصادرة ضد الصحافة في ما يسمى ب" العهد الجديد" الى أكثر من 40 سنة نافدة وموقوفة التنفيذ وأكثر من مليوني دولار من الغرامات المالية ) . - ثقافيا وتربويا : سيعبر المحتج بمرارة عن اشمئزازه من موجة التهجين التي انخرط في سيرورتها تلفازنا ، الساعية الى تخريب عقول ناشئتنا ومجتمعنا بالأفلام المدبجلة الى الفاظ سوقية مبتذلة ملؤها التفسخ والوهم والتقليد الاعمى المغرض في ضرب منظومة القيم والروابط الاجتماعية الحامية دوما لمجتمعنا من التفكك والانهيار . هذا ، في غياب شبه تام لقيام المثقف العضوي بمسؤولياته على شاكلة انتفاضات حقيقية تدافع عن إذاعة متفتحة ، حداثية تحترم الهوية الوطنية المتعددة في زمن العولمة المتوحشة ، بدل الاكتفاء بالتكتل في إطارات او اتحادات أصابها " التقاف " ولا تؤمن إلا بثقافة الاحتضان او الولاء . إضافة الى ان المواطن المغربي سيرفض ضرب المدرسة العمومية ، وسينادي بالاهتمام بها لتحسين جودة الفعل التربوي حتى لا تقتصر على مجرد إخراج جيوش من المعطلين يطاردهم توجس "الحرق" بمفهوميه المجازي والحقيقي . - خدماتيا: سيرفض المتظاهر المغربي النبيل غياب البنيات التحتية في العالم القروي والمدن الصغرى ، والواقع الصحي المزري بالأرياف والبوادي ، وسينتفض ضد تردي الخدمات لبعض الوكالات الوطنية كالكهرباء ، هذا المكتب الذي لا زال يصعق المواطن بفاتورات تقديرية ، بالاضافة الى الاستهتارات المتواصلة لبعض وكالات الاتصال الهاتفي ( تجميل واجهة ا" الامتيازات" المقدمة + تكاتر رهيب في عدد شفرات السوق السوداء غير الخاضعة للعقدة ،في تهافت واضح وراء الربح المادي على حساب مصلحة الزبون ...).وسيرفض المتظاهر باعلى صوته استمرار العيش في السكن غير اللائق ، وضعف خدمات النقل البري والسككي الراهن ... هكذا إذن ، اتخيل سيناريو المحطة الاحتجاجية المقبلة التي اتمنى ان تكون حضارية ومنظمة ، ومؤطرة بشعار واحد " نعم للعيش الكريم، نعم للامن والاستقرار ،لا لاستمرار الاستهتار ." IV - خاتمة : رأينا ادن، كيف طبع الاختلاف كرونولوجية الاحتجاجات والثورات الشعبية العربية . فبعد الثورة ضد الاستعمار الاجنبي من أجل الحرية والاستقلال ، جاءت الثورة التي آمنت بأن الاستعمار الذي طرد من بوابة الاستقلال السياسي ، عاد بزخم أكبر من نافذة تأييد حكومات موالية ، بقدر ما تخدم مصالحها ومصالح النخب المحلية العميلة،بقدر ما تخدم مساعي الاستعمار التقليدي .وهكدا قامت الانقلابات العسكرية وحلت أنظمة جديدة . بعد ذلك ، رمت الشعوب بثقلها ، فثارت من أجل التكتل والوحدة ، في صراع وجودي ضد الصهيونية ، ودرء الاخطار الخارجية المحدقة بالقومية العربية . وأخيرا ، أوضحنا كيف انتقل الثائر العربي – بعد نهاية الخطاب القومي الكلاسيكي وما تلا ه من إحباط وقمع تولدت عنهما أزمات سياسية واجتماعية خانقة – الى المطالبة بتحقيق ادنى شروط العيش الكريم :الحرية ، الكرامة الانسانية ، احترام المواطن في ظل دولة الحق والقانون . في المغرب ، اضحت تقافة الاحتجاج خبزا يوميا ومشهدا متكررا في السنوات الاخيرة . اذ يجعل منها المواطن اليوم مدخلا حقيقيا لمعركة الانتقال الحقيقي نحو الديمقراطية ، على اعتبار أن موت الاحزاب التقدمية وعجزها النضالي في ايقاف النزيف المجتمعي – كما فعل مثلا اليسار الفرنسي قبل أربع سنوات – جعلت هذا المواطن ينكب على مشكلاته الاجتماعية بنفسه في انخراط جاد وعفوي بعد ان غادرته الاطارات السياسية مغادرة طوعية . الشعب المغربي اليوم ، في نظري ، سيثور ضد الحكومات الفاسدة ، اشخاصا ومؤسسات ، وسينادي بمحاكمة لوبيات الفساد داخلها ، وتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة . أما أن يفكر في " الثورة الكبرى "- كما يسميها بعض المثاليين أو الكتاب الذين ينشرون أفكارهم فوق منضدات من الاكاجو داخل منازلهم الفارهة بشارع سان ميشيل ، أو داخل مقاهي برج إيفيل او حتى من وسط بهو اقاماتهم الاجبارية ، يقصدون بها الثورة ضد النظام القائم – فلا أعتقد أن المواطن المغربي وهو يحس بنوع من الفرق بين الأمس واليوم ، سيفكر يوما في الثورة ضد ملك ينادي هو نفسه بالثورة ويقول في إحدى خطبه الوطنية : " لذا يتعين على الجميع ، التحلي باليقظة والحزم للضرب بقوة القانون وسلطة القضاء المستقل واليات المراقبة والمحاسبة على أيدي المتلاعبين والمفسدين ، لا سيما عندما يتعلق الامر بقوت الشعب والمضاربات في الأسعار ، واستغلال اقتصاد الريع ، والامتيازات الزبونية أو نهب المال العام بالاختلاس والارتشاء واستغلال النفوذ والغش الضريبي " . (خطاب 20 غشت 2008) . وهذا مجمل ما يتوق اليه الشعب المغربي الأبي، في الوقت الراهن . المسلك سعيد