لم يكن الرأي العام المغربي والصحافة الالكترونية مغفلين أثناء التطرق وتحليل وكشف الحقائق عن حديث الساعة بعد أحداث تونس ومصر المتمثل في حركة 20 فبراير وزعمائها على رأسهم المسمى أسامة الخليفي الذي ادعى بداية انه ورفقائه أفراد مستقلين من الشعب المغربي لا انتماء سياسي ، او مطالب إيديولوجية لديهم ، بل هم بدعوتهم سيخرجون إلى الشارع إلى جانب الشعب المستقل للتنديد لما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.... طالب المتزعمان أسامة الخليفي ورشيد عنتيد ورفاقهما عبر صفحاتهم بالفيسبوك إلى التظاهر يوم 20 فبراير من الشهر الجاري ، بعريضة مطلبية حددت مسبقا دون استشارة من الشعب ونيابة عنهم، للمطالبة بتغيير الدستور وجعل الملكية برلمانية كما سبق أن ذكر الأمير مولاي هشام ابن عم الملك وأعلن ساعات قليلة ماضي تضامنه معها، وكذا ما أتى به بوبكر الجامعي المدير السابق لجريدة لوجرنال ابدوماديد ..، والمطالبة أيضا بالتشغيل وبتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عموما ، وتخليق الحياة العامة بمحاربة الرشوة والزبونية والمحسوبية ، وسيادة الحرية في التعبير وإبداء الرأي ... قبل التفصيل في بعض المواقف عن موضوع الدعوة الافتراضية الفيسبوكية التي دعي إليها كما سلفنا ذكره أعلاه ، وعن ردود أفعال القارئ السياسي والمستقل ، أن نميز بين ماجاء بالعريضة المطلبية الافتراضية بين ما هو سياسي حزبي وما هومن صميم هموم المجتمع المغربي ، وبين ما هو سياسي بخلفية إيديولوجية ، لنخلص إلى تحديد أدبيات النقاش الذي ثلى تلك الدعوة في صفوف بعض الفرقاء السياسيين ، و ضمن باقي مكونات المجتمع المدني الغير مسيس... وكما تداولته وسائل إعلام فالسيرة الذاتية لأسامة الخليفي ورشيد عنتيد اللذان حاولا تمويه ذكاء قارئنا الكريم بكونهما إلى جانب رفاقهما لا إيديولوجية لديهم ودون انتماء سياسي وبكونهم مستقلين ..، بينما المتزعم أسامة الخليفي 23 سنة مستواه الدراسي شهادة الرابعة ثانوي ليس مستقلا وله إيديولوجية ، فهو مناضل في صفوف الشبيبة الاتحادية التابعة سياسيا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك في الحكومة ، وأنه أمين مال فرع هذه الشبيبة بسلا المريسة ، وشغل أيضا منصب عضو بفرع مكتب الحزب ، وسبق أن خاض غمار الانتخابات الجماعية الأخيرة في لائحة الرباطالمدينة على رأس قائمتها أحمد الريح صهر فتح الله اولعلو ، في حين يعرف المتزعم كاتب المقلات رشيد عنتيد بكونه يساري قاعدي له إيديولوجية وأفكار ومواقف على غرار ما ألفناه في الجامعة ، محسومة تجلت بكتاباته بموقعه الالكتروني .. اطلعت خلال اليومين المنصرمين على إعلان أتى من زميل يعشق الكتابة ويبدع ببحورها ،مضمونه يدعوا للتظاهر يوم 20 فبراير وموعد مع الحرية.. ، بداية تفاجئت أن أجد اسم زميل سأتحفظ عن ذكر اسمه لكونه تدارك الأمر ومسح كل ما وضعه بصفحته بالفيسبوك ، وقال عن حسن نية إنه لم يدرك بدقة ما فعله ولم يستوعب الخلط بين المطالب السياسية الاديولوجية المبنية على خلفيات سابقة ، والمطالب الاجتماعية والاقتصادية المتواصلة تعبيرا عن هموم الشعب ، وهو الآخر عضو بالشبيبة الاتحادية التابعة سياسيا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، تفهم الأوضاع وبصدر رحب وحكمة غير موقفه وتفهم خطورة الدعاة للزج بالمواطنين لأغراض سياسوية محضة.. تختلف المطالب السياسية والإيديولوجية كتغيير الدستور والانقلاب على الملكية بجعلها برلمانية والتي تعني أن تسود الملكية ولا تحكم على غرار النموذج الاسباني ، عن ما يحمله الشعب من هموم اقتصادية واجتماعية ، فمن حيث الزمن فتعديل الدستور رهين بتحققه وبوقف ذلك المطلب السياسي ، في حين فهموم الشعب بالمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية شيء مألوف ومستمر بتزايد عدد السكان والطلب على الحاجيات و مراعاة وتوفير الدخل .. بالتمعن قليل في نوعية المطالب السياسية التي أتت بها الحركة بشكل عام يستشف استنادها إلى إيديولوجية ترفض الكشف عن إسمها حاليا... ، فتغييرأو تعديل الدستور يعني تغييره برمته أو تعديله ، مع العلم أن بنوده متعددة كالتنصيص على حق الشغل ، مما يعني أيضا أن التعديل سيشمل هذا الفصل أيضا وغيره ، وهذا إن دل إنما يدل على ارتجالية مدروسة في تحديد مفهوم التعديل ونطاقه ، وارتباك في الكشف عن حقيقة نوعية التعديل أو التغيير الذي يريده الشخص الحامل للإيديولوجية ، قد يظل غير معلن مرحليا في انتظار ما قد تحققه الدعوة للتظاهر، والخلط بين ما هو إيديولوجي سياسي وبين ما يحمله الشعب من هموم ليس من محض الصدف ، والتكهن منصب على نهج كلاسيكي يستغل أناس لا يفقهون في دروب السياسة إلا الاسم وبتوجيه لأهداف دقيقة ، أو تناسوا كون المغرب بلد متعدد الثقافات والايديولوجيات لا تقبل الا الملكية التي تسود وتحكم ... حقيقة كانت الحركة الداعية للتظاهر ذكية بالربط بين مطالب سياسية إيديولوجية بشكلها العام وأخرى من صميم هموم الشعب لاستمالة الحشد الشعبي لدعوتهم لإنجاح ما دبر بالكواليس لإسقاط الملكية المطلقة ، فالتنصيص على تعديل الدستور وبمفهوم عام لم تحدد تفاصيل التعديل أو التغيير قد يرضي جماعة العدل والإحسان التي تطالب به منذ سنين ، كما وافق مصطفى الرميد على التظاهر للنهوض بدور المؤسسة القضائية ، أوبملكية برلمانية لاستمالة المعارضة الداخلية والخارجية الراغبة في ذلك ، وبمطالب اجتماعية واقتصادية لاستمالة المعطلين وعموم الطبقة المتوسطة من معوزين وأميين وغيرهم ...، خطة ذكية برهان عن تدليس لإيقاع الحشود في الغلط نيابة عن الشعب بدعوة للتظاهر لإسقاط سياسيين بسياسيين في قالب اجتماعي واقتصادي ...فلماذا لم تعلن حركة أسامة على متن مطالبها بتقنين وتحديد نوعية المطالب السياسية بدقة كما فعل التوانسة والفراعنة ؟ ، ولماذا قال إلى جانب رفاقه بكونكم مستقلون وهم غير ذلك ؟ فما هدفهم... ؟ ، فلما هذا الركوب السياسي المجهول المعالم والزج بهموم الشعب لإسقاط الملكية ؟ ... في خضم هذه المستجدات فأفراد الشعب الحاملين لهموم الشعب مستقلين ضمن حوارات المغاربة بالفيسبوك ، استوعب الرسالة من خلال الدعوة وبالتنقيب في انتماء دعاة التظاهر كما جاء بدعواتهم ، ومناقشتهم مناقشة جادة عن استحضار الظروف المحيطة خارجيا بالمغرب ، وكذا بالتحديات المنتظرة للنهوض بأوضاع عامة المواطنين اجتماعيا واقتصاديا... ، لكن لجوء الطرف الداعي للتظاهر بالحديث عن الإيديولوجيات وإقحام السياسية ودون تدقيق ، وضع حزب المغاربة الفيسبوكي أمام سؤال بسيط بتردده عامة الرأي أن المرحلة لا تعدوا تسخينات للانتخابات التشريعية المقبلة وتمرير وإيصال رسائل سياسية ، فلما لا تطالب حركة 20 فبراير بزعامة مناضل الشبيبة الاشتراكية بسلا من حزبها المشارك في الحكومة الحالية أن يحدد لها المواد التي سيطالها التعديل أو التغيير بالدستور ؟ ، ولما لاتطالب بمحاكمة الحكومة بمتهمين بأسمائهم ومناصبهم الحكومية وبالدليل والحجج ؟...، أو على الأقل بإحصاء ممتلكاتهم قبل وبعد الاستوزار.. ردود أفعال قادة حزب العدالة والتنمية عن الدعوة جعلتني أكثر حيرة ..، فتناقض تصاريح قادة الحزب بإعلان أمينه العام بأن الحزب لن يشارك في مظاهرة الأحد التي دعت لها الحركة ، وبجراة أقر عضو المكتب التنفيذي لحسن الداودي أن الحزب ليس عربة يسهل جرها ، وبكون الحزب لم يستدعى ولم يتشاور معه بما ثمت المناداة له يوم 20 فبراير، في حين صرح القيادي بالحزب مصطفى الرميد أنه سيشارك في ما أعلن عنه من أجل تخليق الحياة السياسية...، قد يفهم منها احتجاج من الرميد على اعتقال جامع المعتصم القيادي بالحزب وما اعتبره بتصفية حسابات سياسية ضد الحزب ، أو بعبارة أخرى الحزب يضع رجل هنا ورجل هناك ، فإذا ما نجح الاحتجاج سينضم بنكيران والداودي إلى صف الرميد ، أما إن فشل سيعود الرميد إلى أحضان ما دعى له أمينه العام وعضو مكتبه السياسي لحسن الداودي.. ، هذا في وقت قالت فيه جماعة العدل والإحسان عن مشاركتها في المظاهرات السلمية وبدعمها لها ، على أن تناقش الأمر فيما بينها لتتخذ ختاما قرار بالمشاركة والدعوة إليها ، و لتعلن بعد ذلك بعض الحركات والتنظيمات مشاركتها دون تمحيص المطالب ودون تدقيقها وبالتغاضي عن إيديولوجيات معلقة لازالت تتمسك بها وتنتهز الفرص، طمعا في جزء من معالم خريطة سياسية آتية فيما بعد ، ودون مبالاته بالطبقة الداعية للمطالب الاقتصادية والاجتماعية البعيدة عن دروب وحفر السياسة ، بل استغلالا طمعا وتوجيها لتحقيق المزيد من الغنائم على حسابنا أي بالعربية تعرابت على ظهورنا ، وبالزج بنا والتحدث باسمنا كأننا شعب محجور عليه عامته لا يفقه شيئا ... بيننا أميين كثر لكن بيننا أيضا مثقفون لا يستهان بهم ، حقيقة مرة لأميين ندفع ثمنها إبان الاستحقاقات الانتخابية تشريعية أو تمثيلية للمجالس الإقليمية والجهوية ، مما يتسبب في خلق فسيفساء مبعثرة بين فاسدين وأميين وبين من لهم طموح والقدرة على العمل وتكريس انتخاب ذات الوجوه ، ويشرع بعد ذلك منتخبوهم بانتقادهم وأحيانا بسبهم ، وبحلول انتخابات تالية يعودون للتصويت عليهم... ، مما منح استقرارا لذات الوجوه وبذات سبل ضمان أصوات الناخبين ، وفي دائرة مغلقة بالمصالح الذاتية سائرون ، لتخرج حركة من رحم شبيبة حزب حاكم من الدرج الأول لتعلن عن يوم للتظاهر تحت لواء مطالب سياسية مجهولة وأخرى تعبر عن هموم الشعب المغلوب على أمره ...، فلما لا تساؤل شبيبات الأحزاب الحاكمة المستوزرين منها عن الحصيلة والآفاق وعن ارتفاع الأسعار وعن التشغيل وعن نهب الصفقات العمومية ، وعن تفاقم الفوارق الطبقية... ، ولما لا تطرح الحركات الإسلامية عن جماعة العدل والإحسان ما المقصود من موضوع مجلس النصيحة وعن زمانه ومكانه للاستفادة من مبادئ شيخ الجماعة وامتيازاتها ، ولم لا تبحث منظمات حقوق الإنسان إمكانية تفعيل مجالسها واضطلاعها بمهامها ...؟ إن العملية الديمقراطية تنطلق بداية من المواطنين بقدرتهم على بلورتها ، فالأحزاب من الشعب والجمعيات والمنظمات من الشعب ، ومن يمثلوننا بقبة البرلمان والمجالس الإقليمية والجهوية من الشعب ، ومن يشكلون حكوماتنا السابقة والحالية من الشعب ، والرشوة والدعارة والنميمة وشرب البيرا وولوج الحانات متفشية بين ظهران الشعب ، والانتهازية والوصولية والزبونية والغدر بين ظهران الشعب ، والمرض العنصري اللغوي والتطرف بين أفراد من الشعب... ، فهل بلغنا مستوى التظاهر السلمي بعيدا عن السياسية تعبيرا عن مطالب اجتماعية واقتصادية من الشعب ؟ وهل نفذت سلطات الشعب من حكومة وبرلمان طموحاته اقتصاديا واجتماعيا ؟ ، ..وأين نحن في بحر ما نتخبط فيه كشعب من الديمقراطية ؟ وهل بإمكاننا أن نضع الثقة بمنح سلطات أوسع بمفهوم ملكية برلمانية للصوص ألفناهم من الشعب بشرعية صناديق انتخابية لأميين وبلطجية ؟ ، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .