همست لي الحياة في هذا الفضاء اللامتناهي ، والذي لا ينفك يفاجئني في كل لحظة بالبهاء والجمال والحكمة فقالت: 1. اعلم أن الإنسان الطيب القلب، الكريم النفس، السَّخي العواطف، النبيل المشاعر، الصادق القول، الباحث عن المُثل، هو وحده من يدفع ضريبة الإنسان الخبيث القلب، البخيل العواطف، الحقير المشاعر، الكاذب القول، الباحث عن الدناءة. فاحذر أن تفْرط في توزيع طيبوبتك على الناس، لأنه سوف لن يبقَ لك منها شيئا لنفسك، فتصبح مَزادَتُك فارغة، وقتها أيها الصافي السريرة سيهجرك الناس، ويتركونك لمصيرك، وسيتهافتون على الخبيث، يَنُشُّون أقدامه بأذيالِهم آمِلين أن يجدوا لديه طيبوبة أبدا ما شمَّ عطرها، وسيركعون تحت قدميه كالثعالب الجَرْباء، وبالدعوات والصلوات يَسْتجدونه، ويعدهم شيئا لا يملكه ليبقيهم عبيدا له وإلى الأبد. أمَّا أنت أيها الطيب فستبقى حارس أحْزانك، وحيدا تعُضُّ على أنامِلك. 2. اعلم أن الجمال رأس مال إذا نحن تعَهَّدناه ونمّيناه في بُرْصَةِ الحبّ سيكون في وُسعنا أن نحيا بهدوء وتناغم مع دواتنا وعالمنا، إنه أمُّ الينابيع، منه نستقي الأمن ونرْوي السِّلم، ومن أغراسه نجْتَثُّ القبح. وحدها الشهوات الآنية تقتل هذا الجمال. 3. لا تولي بالا للأنذال الذين يسرقون من مزادة الفقير خبزه ثم يبيعونه له، من يلبسون صوف الخَروف ليداروا زَغَب الثعلب، من يضعون أسنانا اصطناعية لتبدوا ابتساماتهم مغرية، يَنْصبون الشراك للأصفياء. من يكتبون قبل أسمائهم التي سماها بهم آباؤهم ألقابا لعلهم يولدون من جديد في أعين الأغبياء. من هؤلاء تُحَذرني الحياة وتعلمني أن لا أكون نذلا. 4. إياك أن ترتاح للسهل والوادي، لأن من شأن ذلك أن يشجعك على اتخاذ الحُفَر بيتا لك، بل تَجَشَّمْ صعود الجبل ولو على رأسك، فلا متعة تضاهي متعة رؤية العالم من الأعالي، إنها الهدية التي تُمنحُ لك بعد تَعب الصعود، فعَاني لارتياد القمم، ولا تُلْقي بَالاً للحكمة الخَرْقاء التي لا تَصْدر إلا منْ فَمِ كَسيح مُقْعد مهزوم وهو يردّدُ: "يرى الناظر الناس من الأعالي صغارا، وهم لا يرونه." 5. ليس المَرْء إلا ما هو، وإذا اعتقد أنه هو الآخر سيكون قد فقد نفسه، وفقد الغيْر، سَيقف وسط الطريق لا يدري أي مسلك سيسلك، ولا أي مَخْرج سَيَنفُذ منه.