بعد عام دراسي قضاه التلاميذ والطلبة في ظروف دراسية صعبة يعرفها القاصي والداني و بعد انتهاء الإمتحانات يتم التفكير في رمي هذا الحمل خلف الظهر و يبدأ مشوار العطلة الصيفية الذي لا يقل صعوبة عنه ، حيث يبدا هم اخر اكثر خطرا واشد ضررا ان لم يتم الاعداد اليه جيدا : وهو الفراغ . نسبة كبيرة ،وخاصة الشباب الذين يشكلون السواد الأعظم في مجتمعنا، يسقطون في فخ الفراغ في غياب تام لوسائل القضاء عليه. وقد نتج عن غياب مرافق للإستفادة من العطلة مشاكل أكبر من مشكلة الفراغ ذاته..ففي غياب برامج ومخططات معدة سلفا لهذه الغاية فإن بعض الشباب يقضي هذا الوقت ممدداً أمام التلفاز يتقلب بين القنوات الفضائية وبرامج الإثارة السطحية و البعض الآخر يقضي وقت الفراغ في الشارع، يهيم بدون هدف،في حين يسافر من لهم القدرة المادية على ذلك لقضاء عطلهم في الشواطيء والمنتجعات ،و البعض ممن لم يضعوا لهم برنامجا يستطيعون من خلاله سد هذا الفراغ الكبير اعدوا العدة للسهر الطويل و ينقلب لديهم الليل نهارا والنهار ليلا ، وهناك فئة تحب أن تقضي وقت فراغها بالمقاهي في لعب الورق والضامة ولا يبرحون كراسيهم إلا لسد رمقهم وهناك فئة اخرى تتسمر طيلة ايام وليالي العطلة الطويلة أمام جهاز الكمبيوتر يسعون عبر الإنترنت للبحث عما يفسد الأخلاق والقيم وعن المواقع السيئة والقبيحة والعلاقات المشبوهة وغيرها من الأساليب الخاطئة التي لها سلبياتها و التي تؤدي إلى الانحراف في سلوك الشباب والوقوع في قضايا وأمور ليست هي موضوع مقالنا هذا، كما تعتبر العطلة الصيفية عند بعض الاسر الفقيرة فرصة للحكم على ابنائها بالأعمال الشاقة ، والمتأمل لحال لأطفال صغار في عمر الزهور وهم يقضون عطلتهم في بيع السجائر بالتقسيط أو في مسح الأحدية أو في بيع كرموس النصارى/ التين الهندي ، أو في إعداد عربة صغيرة لحمل الاثقال والبضائع ، بالنسبة لهؤلاء فإن العطلة الصيفية مناسبة للمساهمة في تحمل أعباء الأسرة وليست للترويح والترفيه. أيننا نحن من الإعلان العالمي لحقوق الطفل ... إن المتأمل لحال شبابنا الدمناتي المسكين ، سيلاحظ أن في دمنات الفراغ القاتل هو سيد الموقف حتى اصبح هم شبابنا الوحيد هو البحث عن كيفية او وسيلة للقضاء عليه وقتله وتقطيعه ارباً.. ارباً... وأضحى الوقت لدى بعض شباب دمنات عبئا ثقيلا يجب التخلص منه بأي ثمن حتى ولو كان تدميراً للذات ، لأن مفهوم استثمار وقت فراغ الشباب لا يوجد في قاموس من وكل إليهم أمر هذه المدينة مسؤولين اداريين ومنتخبين . لا احد يخطط لملإ فراغ الشباب الدمناتي واستثماره بما سيعود بالنفع على الجميع . إن المسؤولية في تهميش الشباب الدمناتي وعدم إيلائه العناية التي يستحق يتحملها المجتمع بكل مؤسساته ( المجالس المنتخبة ، وزارة التربية الوطنية – وزارة الشباب والرياضة - وزارة الثقافة - وزارة الشؤون الاجتماعية والاسرة – جمعيات المجتمع المدني ) ، إن علاج هذا الوضع يتطلب تكاثف جهود جميع تلك الجهات ، لأن أضرار الفراغ على النشء والمجتمع من جنوح وانحراف تنعكس على صورة الفرد عن ذاته؛ مما يجعله يبحث عن الهروب منه ومحاولة شغله بأساليبه الخاصة . فهل فكر المسؤولون في دمنات في حجم مشكلة الفراغ بين الشباب وأسبابها، والتعرف على الأماكن التي يفضل الشباب التردد عليها لشغل وقت فراغهم؟ والتعرف على نوعية الأنشطة التي يفضل الشباب ممارستها لشغل وقت الفراغ؟ الجواب ألا أحد يفكر في الشباب والدليل : وجود هذا الفراغ القاتل لدى الشباب بخاصة وغيرهم من الناس عامة، وعدم استغلال هذا الفراغ بما يعود عليهم بالنفع والفائدة بسبب الغياب التام للمرافق التثقيفية والترفيهية بمدينة دمنات مما جعل شبابها وأطفالها يعيشون العزلة بكل معانيها، فلا يتوفر بدمنات سوى دار للشباب واحدة إذا جاز تسميتها كذلك ،. كما يفتقر شباب المنطقة إلى الملاعب الرياضية , وإلى المراكز الثقافية، و نتيجة لهذا الفراغ الرهيب ارتكن الشباب دمنات إلى السلبية والاتكاء على جدران المدينة وتزجية الوقت بالوقوف تارة والجلوس تارة أخرى على رؤوس الأزقة والدروب التي تتحول تارة إلى ملاعب لكرة القدم وتارة أخرى إلى ملاعب لكرة الطائرة وفي أحيان كثيرة تتحول إلى حلبات للمصارعة و إلى ميادين لتبادل السب والشتم بأقبح الألفاظ التي يتردد صداها في أذان الجيران ..... الكل يدرك أن منطقة دمنات تعد من أبرز واهم المناطق السياحية في الجهة والإقليم لما حباها الله به من جمال الطبيعة ولتميزها عن غيرها بطبيعتها الخلابة وبكرم أهلها وطيبوبتهم،ولكنها للاسف الشديد تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية من ملاهي للأطفال وصالات ألعاب ومنتجعات صيفية وملاعب رياضية بالإضافة مختلف المرافق العامة ذات الصلة وبما ان المجالس المنتخبة أو القائمين على السياحة عاجزون أو لايخططون أو لايهتمون بمثل هذه المشاريع , فلماذا لا تسند هذه المهمة للمستثمرين حتى يقوموا باحتياجات الشباب وربما يستفيد من هذا المشاريع أبناء المنطقة أنفسهم ويساهم في إنعاشها اقتصاديا ويوفر مناصب شغل فهل لايحق لدمنات أن تكون قبلة سياحية , أليس من حق دمنات أن تتوفر على مسبح بلدي يحمي أبناءنا من التمرغ في وحل واد مهاصر الذي اصبح مصبا للواد الحار لجميع التجمعات السكنية المحيطة به ، أليس من حق دمنات أن تتوفر على قاعات متعددة الوسائط ببرامج ترفيهية وثقافية تحت إشراف مختصين ، أليس من حق دمنات أن تنظم جامعة صيفية بذل مهرجانات ومواسيم الواجهة والبهرجة . في رأيي المتواضع ، إن من اسباب تعاسة دمنات هو رغبة بعض المحسوبين عليها في حجب جمالها عن أعين المستثمرين الذين لو استثمروا فيها لجعلوها جوهرة سياحية نظرا لما تتميز به من موقع استراتيجي لا مثيل له، وهو ما من شأنه أن يجعلها مدينة سياحية بمعنى الكلمة لو دعمت بالمرافق الضرورية. لكن رغبة هؤلاء غلب السكون والغبن عليها وجعلها مدينة ميتة ، فلا تنمية ولا مشاريع تعود بالفائدة على سكانها الذين يعيشون العزلة والتهميش . دمنات أهلها منسيون بكل معنى الكلمة، دمنات مدينة تنعدم فيها روح الحياة الحضرية والمدنية، ، دمنات المدينة المغبونة وضعت على الهامش، دمنات مدينة تعيش الضياع والفراغ ..... و لا يمكن لأي كان أن ينكر أن مدينة دمنات وسكانها يفتقرون ليس فقط إلى وسائل شغل أوقات فراغ الشباب بل إلى المرافق الأساسية كالمستشفى ، والمراكز الثقافية، والحدائق العامة وحدائق للعب الأطفال، والمرافق الرياضية للشباب مثل ملعب لكرة القدم، كرة السلة كرة اليد الكرة الطائرة بالمناسبة وأنا أعد هذا المقال وحتى أكون موضوعيا فقد زرت ملعب كرة القدم بتزغت وهو الملعب الوحيد بدمنات و قد آلمني حاله وكيف اصبحت تتخله مجاري مياه الأمطار وتتخلله الممرات التي حفرتها حوافر الحمير والبغال التي تقتصر الطريق عبره .. وشفقت لحال شبابنا الدمناتي بصفة عامة ولحال هواة كرة القدم بالخصوص . لقد بينت عديد من الدراسات أن الشخصية التي تعيش ظروفا خالية من أنشطة وقت الفراغ هي شخصية غير سوية , لأن أنشطة وقت الفراغ تكشف عن مواهب الناس وقدراتهم , وتعمل على الترويح والترفيه عن أنفسهم وتجدد طاقاتهم الإنتاجية , وتلبي حاجاتهم البيولوجية والنفسية والاجتماعية , كما تعمل على استعادة القوى التي خسرها الإنسان أثناء العمل اليومي , مما يعني أن وقت الفراغ مرحلة من مراحل التهيؤ للعمل والإبداع , ولا بد من الإشارة إلى أن إساءة استثمار وقت العمل ووقت الفراغ أو التناقض ببينهما , يؤدي إلى تصرفات لا سوية مثل , اندفاع الشباب , وملل الكبار . إن كثرة وقت الفراغ لدى الشباب بالإضافة إلى الوسائل المتطورة التي أنتجها التقدم العلمي والتقني وعدم التحكم في آليتها وكيفية استثمارها , وقدرتها على جذب الشباب إليها خصوصا الشباب الذي لم يدخل معترك الحياة بعد , تتطلب التخطيط لاستثمار أوقات الفراغ, لفهم حاجاتهم ورغباتهم , وخلق الوعي بأهمية استثمار أوقات فراغهم , وتدريبهم على حسن استثماره , بوضع برامج تحقق لهم توازنا انفعاليا وعقليا وصحيا واجتماعيا , بحيث يغدو وقت الفراغ منفذ تعبير عن حاجاتهم ورغباتهم المكبوتة , وبذلك يكسبهم أنماطا من السلوك تعزز صفات ايجابية مثل التعاون , والصداقة , والشعور بالولاء والانتماء , والمنافسة الشريفة , والمبادرة والعطاء , ويمكنهم من التكيف الاجتماعي الذي يتفق مع المعايير الاجتماعية , ويؤدي عدم استثمار أوقات الفراغ ايجابيا إلى وقوع الشباب في مشكلات منها : القلق , التوتر , الخوف من الذات , الضجر , الملل , البطالة , الضياع , السقوط , الانهيار الأخلاقي , تناول المسكرات , تعاطي المخدرات , السهر في أماكن منحرفة , وهذه كلها سلوكيات تؤدي إلى الحط من قيمة الإنسان , وبناء مظاهر الضعف والجمود والسلبية والانحراف لديه و وإضعاف شخصيته الاجتماعية . إن التخطيط لشغل أوقات فراغ الشباب عمل وقائي تنموي ،يندرج ضمن خطط التنمية الشاملة , التي تخدم المجتمع حاضرا ومستقبلا , وتصون إمكاناته، وتبعده عن الوقوع في المشكلات التي تمنع تطوره بشكل متوازن ، كما ان الترفيه يلعب دورا أساسيا في تربية الأفراد وتنمية قدراتهم ومداركهم ومعارفهم، كما يلعب دورا في ديناميكية المجتمع لأنه يمكن ان يكون مؤشر تقدّم أو تقهقر اجتماعي، كما أنه يعدّ عاملا مساعدًا على تمثل مقوّمات ثقافة مجتمع ما، ولكن للأسف الشديد فإن وسيلة الترفيه الوحيدة المتوفرة لشبابنا بدمنات في غياب خطط واستراتيجية هي التلفاز إذ تقلصت أوقات الترفيه وكادت تنحصر في مشاهدة التلفزيون. فقد أحكم التلفزيون قبضته على الشباب، فأين هو حرص مؤسساتنا على تحصين الشباب من الثقافات الوافدة ومن الغزو الاعلامي ؟ أيها المسؤولون ..........التفتوا إلى الشباب الدمناتي من فضلكم ،قبل فوات الأوان .......... وإلى فرصة أخرى والسلام مولاي نصر الله البوعيشي