الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ومسرحية عبثية عنوانها : إسناد مناصب المسؤولية مع صدور كل مذكرة جديدة لشغل مناصب المسؤولية سواء بالأكاديمية أو بالنيابة ، تبدأ الإشاعات في التناسل بين أسرة التعليم عمن سيتبوأ بعض هذه المناصب. وبعد مسرحية الإعلان عن شغور هذه المناصب ، وبعد مسرحية تقديم المشاريع ، و بعد انتهاء مسرحية الانتقاء من طرف لجان !!!!!! تصدر النتائج ، بعد طول انتظار، وتصير بعض تلك الإشاعات حقائق تثير الدهشة ، في خرق وتجاوز تام للأعراف ، وغياب مطلق لمظاهر الشفافية والنزاهة والديمقراطية و العدالة والإنصاف. و المتتبع لعملية إسناد مختلف هذه المناصب منذ إحداث الأكاديميات سنة 2002 سيلاحظ أن اعتماد أسلوب التعيين المبني على المحسوبية هو السبب في استفحال الفساد الإداري وتعطيل الإدارة في كثير من الأقسام والمصالح ، مما عكس صورة من التردي والفساد، وعدم ارتقاء العمل للصورة المنشودة. إن إسناد بعض المسؤوليات والمهام ومنح الامتيازات لبعض الموالين أو المحسوبين و تهميش الكفاءات ، و أصحاب سنوات الخبرة الطويلة من ذوى المؤهلات الذين قدموا التضحيات ومهدوا الطريق للإصلاح جعل المنظومة التربوية تعيش في ما يشبه سباتا إداريا يتخذ من النمطية اسلوبا عقيما ، والمضحك أن البعض ممن حصلوا على هذه المناصب دون استحقاق =لا بمؤهلات ولا كفاءات= يصبحون زعماء بعد أن كانوا مغمورين ، ويتحولون إلى طغاة للتغطية على تدبيرهم الفاشل و على الطريقة السخيفة التي بوأتهم منصبا فوق قدرتهم وطاقتهم. ويحيطون أنفسهم بزمرة من الوصوليين والانتهازيين الذين يمجدونهم في حضورهم ويسخرون منهم في ظهورهم ، لأنهم يعرفون جيدا كيف تبوؤوا منصابهم بلا استحقاق ، بالمحسوبية التي تمخر جسم بلد لن تقوم له قائمة ما دامت المؤهلات والكفاءات مغيبة والانتماءات هي معيار الانتقاءات و سياسية «سعدات اللي عندو جداتو فالعرس»، و «باك صاحبي». هي السياسة المتبعة في إسناد مناصب المسؤولية . إن الاستثمار البشري هو المعين الذي لا ينضب؛ فالثروة الحقيقية هو ذلك المواطن الذي يملك القدرات والمهارات والمعارف، إن قوة الأمة لم تعُد تُقاس بما تملكه من مواردَ طبيعيةٍ أو مساحة أراضٍ أو كثافة سكان، بل تُقاس بما تملك من معرفة ومعلومات وقدرة على توظيفها. كانت الصورة المترسخة في ذهني وأنا في طريقي إلى لقاء يترأسه أحد المسؤولين أنّ هذا المسؤول لابد أن يكون لديه من الكفاءات والمؤهلات ما يؤهله إلى تسيير لقاء مهم من هذا الحجم ، ولكوني عملت في القطاع اثنين وثلاثين عاما كنت فيها مكلفا بالدروس ومعيدا واستاذا ورئيس مكتب ورئيس مصلحة، كما كنت عضوا في كثير من اللجان الإقليمية والجهوية ، وكنت في فترة من الفترات منسقا لعدة فرق ، و حضرت ما لا يعد و لا يحصى من اللقاءات والأوراش التربوية ، و كنت أعتبر كل لقاء فرصة للإستفادة وإلى إغناء تجربتي خصوصا عندما يترأسه مسؤول من طينة صاحبنا . وعندما بدأ هذا المسؤول في الحديث استرقت السمع إلى خطابه علني اظفر منه بفائدة ، وعلى مدى الوقت الذي استغرقه اللقاء ،و سواء أثناء عرضه أو في أثناء الرد على التساؤلات ،لم يلفت نظري أيُّ مصطلح تربوي أو مفهوم تعليمي أو اي نسق فكري أو أي شيء ينمُّ عن خبرة في هذا المجال أو حتى إلمام بموضوع اللقاء . وتساءلت في نفسي عن ماهية المعايير المعتمدة لاختيار مسؤولين من هذا القبيل ؟ وما هي مؤهلاتهم؟ وما هي خبرتهم في المجالات التي يتحملون مسؤوليتها؟ واتضح لي في تلك اللحظة أن الإصلاح الذي نتحدث عنه منذ سنوات طويلة لم يحصل ولن يحصل أبدا ، إذا تولاه من لا دراية له به؛ وإن دورة تدريبية مدتها يوما أو أسبوعا أو أسبوعان لا يمكن أن تصنع خبيرا في مجال من المجالات ؛ وإن الانتساب إلى سلك التعليم بضع سنوات لا تمثّل أيّ خبرة، وبالأحرى إذا اسندت المناصب لمن لازال ْْاسمه مكتوبا بقلم الرصاص كما يقال ْْ وأن التوفر على دبلوم معين غير كاف للأشراف على تدبير مشاريع تربوية ....... إن الأمل بدأ ينفد لدى جمهور نساء ورجال التعليم بسبب بعض اللوبيات الذين يعملون على إحلال معيار المحسوبية والزبزنية والولاء سواء أكان ولاء القرابة العائلية والعشائرية أو الزبائنية والمحسوبية أو ولاء شبكات المصالح الخاصة المتغلغلة في دواليب الإدارة أو ولاء الانتماءات الحزبية والنقابية الضيقة، محل معيار الكفاءة والأهلية والخبرة ،. إن قاعدة الولاء السائدة اليوم في منظومتنا التربوية تعيد إنتاج وتكوين الأطر السيئة وبصورة سيئة أيضا وعلى نطاق واسع، وهي الأطر التي تستبدل العمل والجهد الجدي بالتزلف والتملق والممالأة و النفاق . ففي هذا التزلف وتلك الممالأة يكمن مصدر صعودها وازدهارها، وهو الذي يعطي لها مكانتها وقيمتها. إن مبدأ المسؤولية يعني الإحساس بالواجب والعمل بما يقتضيه هذا الواجب في ما يتعلق بتصريف الشؤون العمومية. ولكن للاسف الشديد المبدأ السائد اليوم في إسناد مناصب المسؤولية هو النقيض له تماما، أعني مبدأ استباحة الموارد العمومية كما لو كانت ملكية شخصية، ولم يعد يرتبط منصب المسؤولية بواجبات ولكن بتأمين فوائد ومنافع وامتيازات وحقوق ولا يشعر صاحبها بالتسيد إلا إذا وضع نفسه فوق القانون وجعل من موقعه ومنصبه درعا يقيه أي شكل من أشكال المحاسبة والمساءلة والالتزام. إن ما يدفع هؤلاء المسؤولين إلى التشبث بمناصبهم وعمل المستحيل للبقاء فيها واستثمارها بصرف النظر عن مصلحة المنظومة ككل، تمتعهم بفضائلها وامتيازاتها دون حسيب او رقيب و فرضهم الإذعان والانصياع على من هم تحت مسؤوليتهم وتكبيلهم برداء الذل والمهانة والسخرة اليومية،والتضييق بل واستبعاد كل من لا يدور في فلكهم . كما أن ما يشجع هؤلاء على التمادي في غيهم غياب المحاسبة إذ لا تتم محاسبة أحد رغم قضايا الفساد المالي والإداري والتربوي التي تفوح روائحها هنا وهناك . كما لايحاسب أي مسؤوول على تقصير في أداء أو خلل في عمل. أو تجميد لكفاءات أو أخطاء في القرارات أو أهمال لمهام..أو عدم أستثمار للزمن ..فلا أحد يحاسب عليها صحيح أننا نتابع بين الحين والأخر بعض القرارات التي تصدر بأعفاء هذا المسؤول أو ذاك .... ...ويذهب إلى منزله دون أن يسأل عن القرارات الخاطئة التي أتخذها أو الأموال التي أهدرها ........... شكراً انتهت مهمتك!!سر الله إعاونك ويذهب الذي تم أعفاؤه شاكراً ويستمتع بما جنته يداه من أموال.....لذا فإنني أرى شخصيا أنه يجب محاسبة المسؤولين على : _هدر المال العام أو الفساد المالي بجوانبه المختلفة _ تهميش الكفاءات وشراء الذمم !!!!! _القرارات الخاطئة التي كانت لها انعكاساتها السلبية على نساء ورجال التعليم والتلاميذ _الزمن الذي لم يتم التعامل معه كثروة وتم تبديدها دون فائدة!! وعندما تتم المحاسبة وعندما تصبح المناصب مسؤوولية وليست امتيازا :حينئذ سيقل التهافت والصراع على الكراسي والمناصب .وسحسب كل واحد الف حساب قبل أن يتقدم لشغل اي منصب ولو عرض عليه في طبق من ذهب . إن مناصب المسؤولية ليست امتيازاً ولا يحق لأي كان سواء كان مديرا أو نائبا أو رئيس قسم أو رئيس مصلحة أن يفعل بها ما يشاء ...و يجب أن تتم المحاسبة على هذه المسؤولية!!! و في رأيي فقد بدأ الفساد في المنظومة أول ما بدأ بإسناد مهمة تدبير شأنها لجهات جعلت منها كعكة أو وزيعة وزعتها على كل من هب ودب من أتباعها ؛ وبسبب فساد الاختيار حصل فساد التدبير؛ قد جنى قطاع التربية ثمار الزبونية والمحسوبية التي وفرت للوصوليين والانتهازيين مناصب المسئولية في قطاع يعتبر القلب النابض للمجتمع وخصوصا بعد إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين سنة 2002 انطلاقا من القانون 07.00 الذي جاء في إطاراللامركزية و اللاتمركز لتدبير الشأن التعليمي إلى جانب تدبير الموارد البشرية و تحيينها بتراب كل جهة. وباستثناء إعداد الامتحانات لم تتمكن الأكاديميات من القيام بإنجازات تمس العملية التعليمية و التربوية في العمق رغم الأموال الطائلة المرصودة لها ، مما يتطلب تفكيرا معمقا في طريقة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بدل العبثية و الارتجالية و المحسوبية و الزبونية التي ولدت هذه المصائب في الجسم التعليمي ببلادنا . حان الأوان لتأسيس ثقافة جديدة لإسناد مناصب المسؤولية ، إن المغرب يحتل آخر المراتب دوليا في التعليم... ومن بين أسباب ذلك في رأيي طريقة الإسناد المتبعة في مناصب الإدارة التربوية أومناصب رئاسة الأقسام والمصالح بالأكاديميات ومصالحها الخارجية....والتي لا ترشح غالبا عناصر ذات كفاءة وقدرة... ارهن على فشل المخطط الإستعجالي ما لم تتم محاسبة المسئولين عن فشل مشروع الإصلاح ؛ مع البحث الدقيق في ظروف وملابسات المحسوبية والزبونية التي جاءت بالمفسدين وأوكلت إليهم عملية إفساد المنظومة التربوية من أجل الضرب بيد من حديد على أيدي المتلاعبين بقطاع التربية الوطنية إنّ ما يحركنا للخوض في هذا الموضوع هو الغيرة على مصلحة هذا الوطن، وإن ما يشجعنا هو وجود كثير من الأطر الأكفاء المؤهلين ، الذين ينشدون الإصلاح الحقيقي ويحرصون على الإنجاز المتميز. إن التدبير الحالي والمستقبلي للمنظومة التربوية، يستوجب وضع مقاييس ومعايير موضوعية علمية وواضحة لإسناد مناصب المسؤولية والإعفاء منها ، و الإسراع بإقرار منهجية للتكليف بالمسؤولية و إسناد مناصب المسؤولية لمن تتوفر فيهم شروط الأحقية والتجربة والكفاءة،والاستفادة من خبرات ذوي الكفاءات واعتماد مقاييس موضوعية ومعلنة، ومسطرة واضحة ومفهومة من طرف الجميع ، تقوم على مفهوم الرغبة و المؤهلات والكفاءة العلمية و العملية ومشروع الرؤية التعاقدية لتحمل المسؤولية، و القطع مع الرؤية المنغلقة لإسناد المناصب في مختلف المواقع المختلفة للمسؤولية، والانتقال إلى رؤية منفتحة على كل الفئات تقوم على منهجية العدل والمساواة والاستحقاق والكفاءة . مولاي نصر الله البوعيشي ملحق إدارة واقتصاد عيون الساقية الحمراء