إن التدبير الجيد والحكيم للشأن المحلي يتوخى في المقام الأول توفر علاقة جيدة بين المجالس المنتخبة وكل الفاعلين في إطار من التواصل والتشاور والانفتاح على كل مكونات الرأي العام المحلي والمجتمع المدني . ولا يختلف اثنان في كون سياسة الانغلاق والانكماش على الذات التي تنهجها المجالس المنتخبة هي نموذج من السلوكيات القديمة التي انطلقت القطيعة معها نسبيا ولم يعد لها مجال واسع لتنتعش فيه في ظل المسلسل والمسار الديمقراطي الحداثي الذي تمضي بلادنا على دربه بثبات.إلا أنه ولسوء القدر،وبكل أسف ،فقد لاحظنا منذالأشهر الأولى لتولي المجالس القروية زمام أمور وشؤون ناخبيها أن هذه الظاهرة تستشري في أغلبها ، عن قصد أو عن جهل، وبقيت تتوجس من الجديد والمغاير ولا تستجيب لضرورات التغيير والانفتاح والتجديد لمواكبة تطور وتيرة التدبير المحلي في حركته التصاعدية، وتفضل الحنين إلى الماضويات لتزداد انغلاقاً وتحجراً وتزمتاً والتقوقع في الدوائر الضيقة لغايات سياسوية وانتخابوية ضيقة ظانة بذلك أنها بنهج هذه السياسة، تحصن وحدتها من مؤثرات ترى أنها تعصف بها من كل مكان ،وقد أبانت معظم المجالس، وخاصة القروية منها ،المنبثقة عن انتخابات 12 يونيو 2009 عن عدم قابليتها وقدرتها على فتح قنوات التواصل مع محيطها وهذا القصور ينم عن غياب الوعي المجتمعي والمواطنة الصادقة وعدم القدرة على التعايش مع الأخر وتقبل الرأي والرأي المخالف .ولاشك أن هذه السياسة تسقط المجالس في فخ القطيعة مع الناخبين وتنمي ظاهرة الهدر والعزوف السياسيين ،وتزيد من عزلة المجلس وتجعله غير قادر على تحمل الانتقاد.ولا يختلف اثنان أيضا في كون المجالس المتبنية لهذه السلوكيات، تعتقد دائما أن ما تقوم به هو عين الصواب وأن كل ما قد يأتي أو يصدر عن الأطراف الأخرى من اقتراح ورأي هو مناورة للإيقاع بأغلبيتها وتشتيت تلاحمها ووحدتها. وفي هذا السياق، ورغم الأصوات المنادية بعقد لقاءات تواصلية مع المجتمع المدني ومكونات الرأي العام المحلي، لم يتم تسجيل إلا مبادرات قليلة بعضها خجولة وأخرى محتشمة .وفي هذا الصدد فإن انتظار المجتمع المدني قد طال لتفعيل المادة 14 من الميثاق الجماعي الجديد الصادر في 18 فبراير 2009 والتي تنص على إحداث لجنة المساواة وتكافؤ الفرص لأهمية دورها في تدبير وتسيير الشأن المحلي وهو اختيار يندرج في إطار المقاربة التشاركية وتوسيع الرؤى لتسيير وتدبير الشأن المحلي.ومن أجل تنوير الرأي العام المتتبع للشأن المحلي فإن هذه اللجنة ،حسب المادة السالفة الذكر،تحدث لدى المجلس الجماعي وهي لجنة استشارية تدعى لجنة المساواة وتكافؤ الفرص وتتكون من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحها رئيس المجلس الجماعي ويرأسها أو من ينوب عنه ويتولى إعداد جدول أعمال اجتماعاتها ، وتبدي اللجنة رأيها كلما دعت الضرورة ، بطلب من المجلس أو رئيسه ،في القضايا المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي ويمكن لأعضاء اللجنة تقديم اقتراحات في مجال اختصاصاتها. إن المجتمع المدني شاءت العقول المتحجرة أم أبت شريك حقيقي في مسلسل التنمية الشاملة والمستدامة وقوة ضغط يمكن أن تلعب دورا طلائعيا من خلال تأطير المواطنين والوقوف بجانبهم ماديا ومعنويا ،وألية من آليات مشاركة المجتمع في الحكم المباشر. إن عدم قدرة المجالس المنتخبة على نفض غبار الانغلاق وكسر قيود الماضوية والتصلب، لمؤشر خطير وعامل تعطيل للتنمية الشاملة والمستدامة. لمن تقرع الأجراس إذن؟ محمد مبروك مستشار جماعي