لقد عرف تاريخ الحضارة العربية الإسلامية فترات مشرقة زاهية في ظل التلاقح الثقافي و العرقي الذي كرسته مختلف الدول التي حكمت، بدا مهيبا أمام التأخر الذي كانت ترقد فيه مجموعة من الحضارات الأخرى.و قد كان ازدهار العلوم و تشجيع تأسيس الجامعات بمختلف العواصم الإسلامية ذراعا ثقافيا يعطي للعرب و المسلمين مهابة تجعلهم متموقعين في صلب التاريخ الإنساني ففي تلك العصور أنشئت المستشفيات،مستشفى الجذام بدمشق في الوقت الذي كانت أوروبا تحرق فيه المجذومين لمعتقد أنهم ملعونو الله و الجذام غضبه،أسس مرصد تدمر الفلكي،موسوعات ابن سينا في الطب،جابر بن حيان في الكيمياء،ابن الهيثم في البصريات،ابن رشد في الفلسفة،ابن طفيل و اللائحة طويلة،و كما نعلم فإن قوة الدولة تعد تأمينا طويل الأمد لازدهار أي حضارة و فعلا كان المسلم عموما يحسد و كان مهاب الجانب فهو منتم لأمة و حضارة يستمد قوته من قوتها. و حتى لا نبدو شوفينيين نقول بأن حفرة سحيقة العمق كان التاريخ يعدها لمقبرة حضارية جماعية للثقافة العربية الإسلامية و أخذت أكوام التراب تنهال قرنا بعد قرن حتى أننا حصدنا للأسف حملا ثقيلا نحار كيف نستطيع التخلص منه بل لا نعرف حتى مداه.و في غمرة كل هذا بدأت الأمشاج التي تمت رعايتها في أنابيب الحضارة الاصطناعية تنموا و تكتمل و خرجت إلى الوجود عملاقة شرسة زرعت وليدها الجنين بقلب المشرق هناك حيث يكون الرهان على النهضة زرعت الصهيون. و في نفس الوقت أدخلت العرب في بوتقة من الركود و الجمود و خصصت مشاتل لتكريسهما و على جميع الأصعدة. لذلك فالآن نحن نرصد بكل العجز و القوى الخائرة كيف أن اثنين و عشرين دولة عربية بأكثر من ثلاثمئة مليون نسمة لا تحرك ساكنا اللهم إلا صرخات شعوبها،كيف أن مليار مسلم و أكثر لا تملك إلا حناجرها فقط و حتى حبالها الصوتية في بعض الأحيان مقيدة و مشدودة.الأزمة في غزة ليست أزمة ضمير بل هي أزمة حضارة أزمة أمة أزمة نموذج فكري و نهضة مفقودة.قرأت كثيرا عن النكسة في سبعة و ستين لكننا اليوم نعيش بنكسة مضاعفة حوت في عمقها النكبة و العدوان و النكسة لقد أنصف التاريخ جيلنا لا محالة عندما جعلنا نذوق خيبات العرب في خيبة واحدة و نحن لم نستفق بعد من بغداد. الصمت...العربي يدوي في غزة الآن و لا يبدو أن صوت أي سلاح يعلو عليه الآن.الصمت العربي عن غزة قتل جديد لكل محاولات النهضة بيد أبنائها لقد نصب التاريخ أمام الدول العربية مرآة كبيرة ضخمة لكي ترى فيها أنها مقيدة و في أسفل الوجه عوضا عن الفم يرتسم عار كبير. الكولونيل [email protected]