لم يمر تعيين دأحمد الطيب شيخاً للأزهر قبل قرابة خمسة شهور بلا ضجّة ونقاش ساخن بين من يؤيد ذلك ومن يعارضه. ومنذ توليه مشيخة الأزهر وعودته إلى العمامة والجبة وإطلاق لحيته، واستقالته من لجنة السياسات في الحزب الوطني، تأكيداً على استقلالية مؤسسة الأزهر دينياً، لم يبخل الطيب بالإفصاح عن مشروعه الفكري والعلمي من خلال جملة المقابلات والحوارات التي أجراها، ولعلّ أهمها حديثه مع المذيع المصري المشهور محمود سعد. الطيب هو ابن المؤسسة الأزهرية متدرجاً فيها، منذ مراحل مبكرة، قبل أن يكمل دراسته في السوربون بتخصص العقيدة الإسلامية والفلسفة، وهو يتقن الإنجليزية والفرنسية، ويحمل أفكاراً وآراء تكشف ملامحها عن نواة مشروع كبير لإحياء الأزهر واستعادة مكانته الروحية والعلمية والفكرية، وفقاً لرؤية الرجل بالطبع. نحن، إذن، أمام شيخ استثنائي جديد للأزهر، ومتوقع منه الكثير، لكن الجانب الأكثر جدلاً في مشروعه هو نزوعه الصوفي الواضح، وانتماؤه التقليدي للطرق الصوفية، بل وتبنّيه لمشروع دور الأزهر في مواجهة الحركة السلفية التي اجتاحت العالم العربي خلال العقود الأخيرة. المعادلة المتوقعة، فيما لو مضى الطيب في مشروعه خلال المرحلة القريبة القادمة، ستتمثل بإحياء النزعة الصوفية باعتبارها السمة الرئيسة للمدرسة الأزهرية في العالم العربي، وهو ما يعني بالضرورة صداماً مباشراً مع المدرسة السلفية وأتباعها، ليس فقط خارج الأزهر، بل داخله بعدما نمت فيه وأصبح لها مريدون ومدافعون من أساتذة الأزهر نفسه. كان الأزهر خلال القرون السابقة مركزاً روحياً وفقهياً في العالم العربي والإسلامي، وكانت تدرّس فيه المذاهب الأربعة وأقرب إلى الطابع الصوفي- الأشعري، في العقود الأخيرة ضعف دوره كثيراً وتراجعت مكانته، وبرزت بدلاً منه الحركات السلفية التي استطاعت أن تقتحم حتى دولا كانت تقليدياً ذات طابع صوفي، مثل مصر والشام ولبنان والأردن، وكذلك العراق. اليوم، وفي سياق موازٍ ومتزامن مع وجود الطيب على رأس الأزهر، ثمة مؤشرات على انبعاث جديد للصوفية في العالم العربي، فهنالك فضائية جديدة تبث في سورية، ونشاط لشيوخ محسوبين على هذا الخط مثل د.الحبيب الجفري ود.محمد حبش وغيرهما، وفتح الله غولن في تركيا، وانبثاق جديد للطرق الصوفية العراقية بعد الاحتلال. هذا الخط الصاعد للصوفية يعكس، أيضاً، بيئة سياسية جديدة يعود فيها الدور التركي، الذي كان ممثلاً تقليدياً للنزوع الصوفي، وما يحمله من فكر صوفي جديد ذي نزوع روحاني علماني متعايش مع الغرب، ومع صعود حالة من التدين المجتمعي في الدول العربية، كسورية والعراق ومصر، تحمل أشواقاً روحية تتناسب مع طبيعة الدعوة الصوفية التي تركّز بصورة كبيرة على هذا الجانب الديني. ثمة مؤشرات ربما تشي بانبعاث صوفي جديد بعد عقود من الخمول والتراجع والكسل، مع ما قد يحمل ذلك من أبعاد ثقافية واجتماعية وسياسية.