يتطلع الصوفيون المغاربيون إلى المستقبل رغم إشارات من الصومال وخارجها إلى ضرورة قبول التنوع لضمان دورها في الإسلام. مع استعداد الزوايا الصوفية عبر المنطقة المغاربية لموسم التجمعات والمواسم، يتأجج النقاش من جديد حول تكيف هذا التيار الإسلامي في المجتمع. مازالت الصوفية تثير الجدالات القوية بين منتقديها ومريديها مع وجود عدد من سكان المنطقة المغاربية ممن يقبلونها على أنها تؤكد على الزهد والاعتدال. جواد الرحاني، شاب مغربي في 22، قال لمغاربية "[الصوفية] هي أفضل طريقة لمحاربة التعصب". وقال الطالب الذي بدأ اهتمامه بالصوفية من خلال مهرجان موسيقي في فاس "بعيدا عن كل النقاشات الساخنة، الصوفية هي تعبير عن الإسلام المعتدل ولا تتخذ موقفا حول القضايا السياسية. إنها تطهر الروح وتسمح لك بالتقرب من الله في سلام". الصوفية التي يقال أنها تحصن من التطرف، لديها أيضاً أعداءها. ويتجلى هذا العداء بشكل أوضح في الصومال، التي تهدد المدن المجاورة باضطرابها. وهناك، خرب أعضاء في حركة الشباب الشهر الماضي ضريحين لشيخين مبجلين لردع الزوار الصوفيين. الممارسة التي صورت في شريط سنة 2008 بثته الجزيرة، تتواصل حتى اليوم. وتثير الجماعات الصوفية في الصومال انتقادات الجماعات المتطرفة لعملها مع الحكومة لمواجهة تأثير حركة الشباب. ورغم أن الردود السلبية على تقديس الصوفية لشخصيات بارزة في الحركة لا تصل إلى حدود العنف الظاهر في الصومال، إلا أن هذه الأحاسيس السلبية موجودة على مستويات مختلفة في البلدان المغاربية. سيدنا ولد حماه الله، طالب جامعي في الدراسات الإسلامية قال لمغاربية "الكثير من أتباع ومشايخ الفرق الصوفية في موريتانيا... يزورون قبور مشايخهم ليس من باب الموعظة بل من باب التعظيم والتقديس. تصور أنهم يدعون أمواتا ليحققوا لهم مكاسب دُنيوية. إنه ضلال شديد وواضح ليس له أي تبرير في الإسلام". تخريب الأضرحة في الصومال يرفع الرهان بالنسبة للصوفيين في المغرب الكبير الذين ينتابهم قلق حتى قبل هذه الأحداث لمواجهة مزاعم وأعمال المتطرفين. بلعباس لزهاري، شيخ جزائري، قال في منتدى 19 مارس في الجزائر العاصمة 'الرهان الحالي يتوقف على قدرة المتصوفة في التعبير عن الإسلام وتقديمه في صورة صحيحة، ومدى مساهمتها في التواصل الحضاري ونبذ العنف والتطرف والإرهاب". تصريحات لزهاري ليست جديدة في العالم الإسلامي؛ حيث أيد قادة دينيون آخرون مؤخرا فتوى تدين أسوأ مظاهر الإرهاب كالتفجيرات الانتحارية. لكن الاختلافات الواضحة للصوفية عن التيار السائد في الإسلام يجعلها محط غضب الإسلاميين. ومن بين الأسباب التي تثير غضب الإسلاميين على الصوفية والتي تجعلها أيضا تحافظ على ندائها الشعبي هي ضمها للعديد من الفنون والتقاليد الجماعية. وهذا ما يجعل زاويتها التي تجمع مرتادي الصوفية حول شيخ معين، مشبوهة في أعين أتباع التيار السلفي. ولكن هذه الريبة تنبع في جانب منها من الخلط الواضح في حقيقة الصوفية. الدكتور علي مونجي باحث جزائري في التصوف قال لمغاربية "كانت هناك زوايا متخصصة في العلاج الشعبي بالأعشاب، وتوجد أيضا من روافد التصوف الفنون الموسيقية والخط والشعر والقصائد والملحون، وهذا لا يسمى تصوفا، بل هي من روافد التصوف". مونجي نفى أيضا نقاشات مثل تلك التي تدلي بها حركة الشباب بأن الصوفية هي توجه بدعي للشرك من خلال تشجيع عبادة الأولياء كالذين دمرت قبورهم من قبل إرهابيين. وقال مونجي "الأولياء خلافا للأنبياء لا يطالبون أحدا بالاعتقاد فيهم، هذا هو الفرق، وحتى الرؤى والمشاهدات والكرامات للأولياء، فنحن نسلم بها احتراما لهم ولكننا لسنا مطالبين بالاعتقاد بها". لكن دور الأولياء في الصوفية يثير النقاش حتى في الحقول الأكاديمية. الصديق مروكي، أستاذ جزائري في الفقه، قال لمغاربية إن الصوفية تضم "المبالغة في إقراء الأولياء وفي الكرامات لأن الكثير منها غير صحيحة ومفتعلة .إضافة إلى سوء فهم بعض الأمور الواردة في الإسلام مثل الزهد". بعض المسلمين في المغرب الكبير يحذرون من مزاعم الجانبين سواء الصوفية أو الأصولية بأن نظرتهم للإسلام هي الطريق الصحيح. شيخ تونسي، الشيخ مؤمن التوزري قال لمغاربية "لا تنس أن التصوف الحقيقي يستند إلى الكتاب والسنة، ولكننا اليوم نجد أنفسنا بين متشددين من أهل السنة ممن يرون في التصوف بدعة وجب مقاومتها وبين متعصبين للتصوف الذين يرون فيه الجوهر الحقيقي للإسلام". وفي النهاية، يستطيع الصوفيون الاستدلال بسجلهم التاريخي لإثبات وجودهم وسط المجتمع المغاربي. وتأسست الزوايا الصوفية في شمال إفريقيا مع بداية العصور الوسطى. وظهرت الصوفية في المغرب الكبير وانتشرت منذ ذلك الحين إلى غرب إفريقيا وآسيا وأوروبا والولايات المتحدة. محمد التوهامي، باحث مغربي في الصوفية قال "هناك درس في التاريخ، فالصوفيون الحقيقيون عملوا دائما نحو الإصلاح من خلال النصح وتربية الفرد والتطهير الداخلي عبر تقديم نموذج ومثال للتسامح والتضامن والأخوة والإيثار بعيدا عن أي شيء قد يعترض الصورة الصحيحة للإسلام".