في لقاء مع صحيفة الشرق الأوسط صدر قبل أيام قال وزير الداخلية في السلطة الفلسطينية هاني الحسن (ضرب المدنيين يقوي شارون) ثم أضاف قائلا (وبرأيي فإن الشارونية على أبواب الهزيمة ولن يمكنها أن تستمر لأنها فشلت في تحقيق الأمن "للإسرائيليين" والوضع الاقتصادي "الإسرائيلي" ينهار).وبعد هذا الطرح أليس من حقنا أن نتساءل إن كانت العمليات الاستشهادية تقوي شارون فعلاً، حسب ما قاله الوزير، أم أنها ستؤدي إلى هزيمته حسب ما أضافه الوزير نفسه ؟ فأي القولين نعتمد للوصول إلى استنتاج سليم حول جدوى العمليات الاستشهادية .. القول الأول أم الثاني ؟!! ويبدو أن الذين لا يريدون العمليات الاستشهادية لا يستطيعون الإجابة عن لماذا ترفضونها ؟ ولا يستطيعون أن يقدموا البديل، وقد أخفقوا في انتزاع أي إنجاز سياسي من بين أنياب المغتصب الصهيوني على طاولة المفاوضات، ولذلك لا نرى أي طرح موضوعي علمي يبرر المطالبة بوقف العمليات الاستشهادية، في حين الذين يعتبرون أن العمليات الاستشهادية هي السلاح الأقوى، الذي يخدم المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، يقدمون في كل يوم دليلاً جديداً على صحة ما ذهبوا إليه . وإذا نظرنا إلى ما أضافه الوزير هاني الحسن في لقائه المذكور قائلاً ( أود أن أوجه رسالة للشعب الفلسطيني، وهي أن أي عمل يبعدنا عن تحقيق هدفنا، وهو إقامة الدولة المستقلة، ليس في صالحنا . وعمليات قتل المدنيين تعود بقضيتنا إلى الوراء ولا ترتقي بها. وكلمة استشهادية لا تتوافق مع قتل المدنيين)، نجد أنه لم يقدم ولو دليلاً واحداً يثبت أن العمليات الاستشهادية تبعدنا عن أهدافنا، أو أن العمليات الاستشهادية تعود بقضيتنا إلى الوراء، وهل المفاوضات التي تمخضت عن تنازلات خطيرة ومتتالية كانت فعلاً تتقدم بقضيتنا إلى الأمام ، وتقربنا من أهدافنا؟!! أم أن أهدافنا أصبحت مرنة متغيرة تتأثر بالواقع ولا تؤثر فيه ؟!! ولماذا لا يسألون أنفسهم عن نتائج مفوضات كامب ديفيد التي تنكر فيها "باراك" للدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ؟ فعن أي هدف إذن يجري الحديث ؟ أود أن أقدم للقارئ قول الكاتب الصهيوني المعروف "آريه شبيط" في صحيفة "معاريف" 22/9/2002 في تعليقه على أثر العمليات الاستشهادية قائلاً ( إنه بفضل العمليات "الانتحارية" نجح الفلسطينيون في قلب الشوارع"الإسرائيلية" إلى موقع عسكري كبير ومرهق .. وبفضل العمليات "الانتحارية" نجحوا في المساس بقسوة بالاقتصاد"الإسرائيلي".. وبفضل العمليات "الانتحارية" نجحوا في الحفاظ على اهتمام الأسرة الدولية بمشكلتهم .. ولولا العمليات "الانتحارية" لكان القليل فقط من "الإسرائيليين" يكرسون التفكير بما يجري وراء الخط الأخضر.. ولولا العمليات "الانتحارية" لكانت المعاناة والضائقة من نصيب الفلسطينيين فقط، ولكان قد قدر لهم الاستسلام والخضوع بدون شروط ). من الواضح تماماً من أقوال "شبيط" أنه لولا العمليات الاستشهادية لكان الاستسلام والخضوع بدون شروط، وهذا يعني القبول بالإملاءات الصهيونية، والتي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، ومن هنا ندرك أن المصلحة الوطنية العليا تكمن في استمرار العمليات الاستشهادية، لأن المصلحة الوطنية العليا إنما تكون في عدم الخضوع للحلول التصفوية للقضية الفلسطينية. ومن أقوال "شبيط" نفهم أنه بالعمليات الاستشهادية تتقدم قضيتنا نحو الهدف المنشود، ولا تعود إلى الوراء كما يقول الوزير الحسن، فبفضلها كما يقول "شبيط" نجحنا في الحفاظ على اهتمام الأسرة الدولية بقضيتنا، ولا يقول سياسي موضوعي إن العمليات، التي تؤدي إلى جلب اهتمام الأسرة الدولية، تعود بالقضية إلى الوراء. ومن أقوال "شبيط" نفهم أن الذي حال دون استسلام الفلسطينيين للجانب الصهيوني بدون شروط هي العمليات الاستشهادية، لا لشيء إلا لأنها أحدثت توازناً هاماً في المعاناة فلم يعد الشعب الفلسطيني يعاني وحده، ومما لا شك فيه أن في ذلك مصلحة وطنية عليا للشعب الفلسطيني، اللهم إلا إذا كان الخضوع والاستسلام للإملاءات الصهيونية يمكن أن يدفع بقضيتنا إلى الأمام ولا يعود بها إلى الوراء . هذا الطرح العلمي والموضوعي يأتي على لسان كاتب صهيوني يعيش واقع المجتمع الصهيوني، ويعيش الآثار المزلزلة للعمليات الاستشهادية، على هذا الكيان الزائل بإذن الله، وبالتالي فهو صاحب رؤية واضحة من الداخل وليست مجرد رؤية تحليلية استقرائية من الخارج، ولا هي رؤية تبريرية بعيدة كل البعد حتى عن الاستقراء والتحليل، فهو يعيش المعاناة اليومية لأبناء شعبه، ويرى حجم الخوف الذي يستولي على قلوبهم، فهو بذلك أدق في رسم معالم الواقع إثر العمليات الاستشهادية، ممن ينظر إلى الأمر من الخارج عن بعد ، وبالتالي فهو يستشعر حجم الخطر المحدق بهذا الكيان، الذي تمادى في عدوانه على شعبنا المرابط . فأصحاب القراءة السياسية عن بعد إنما يجتهدون في قراءتهم للواقع السياسي اجتهادا، ولذا كثيراً ما يتناقضون فيما بينهم، فعلى سبيل المثال اعتبر العديد من القادة في السلطة الفلسطينية أن مقتل "اسحق رابين" وسقوط"شمعون بيريز" في الانتخابات كان بسبب العمليات الاستشهادية ، يقول الأستاذ "حمادة الفراعنة" عضو المجلس الوطني الفلسطيني في لقاء الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة بتاريخ 6/6/2000 ( يجب أن نتذكر أن الاتفاق مع الشعب الفلسطيني أدى إلى قتل "اسحق رابين"، أدى إلى سقوط "شمعون بيريز"، أدى إلى سقوط "نتنياهو" ) . في حين يقول أبو مازن للشرق الأوسط بتاريخ 8/12/2002( ولكن بالمقابل علينا أن نذكر أن الشعب "الإسرائيلي" هو الذي أسقط نتنياهو عندما لم يأت لهم بالسلام، وجاؤوا بحزب العمل وصوتوا لباراك( ونعود ثانية لنقول من منهما يا ترى على صواب في طرحه، ومن منهما على خطأ "الفراعنة" أم "أبو مازن"؟ ومن الواضح أن أياً منهما لم يقدم ولو دليلاً واحداً على صوابية رأيه، ولذا فإن كليهما جانبه الصواب، لأن الذي يسقط الحكام في العالم الديمقراطي تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، ولقد استنزفت العمليات الاستشهادية العدو اقتصادياً وأمنياً، ولذا كانت هي المسؤول الأهم عن سقوط كل القيادات الصهيونية، التي عايشت تعاظم هذه العمليات، ولقد جاء الصهاينة بشارون بسبب ماضيه الإجرامي أملاً في توفير الأمن وإنقاذهم من غائلة الخوف، ونجاح شارون يتمثل في وقف العمليات الاستشهادية فإن فعل قويت شوكته، وإن فشل في وقف العمليات الاستشهادية سيسقط حتما كما سقط من قبله، وبما أنه لا يوجد من هو أسوأ من شارون فسقوطه يعني بداية سقوط الكيان الصهيوني بإذن الله، فهل نوقف العمليات الاستشهادية كي ينجح شارون في توفير الأمن ؟ أنا أعتقد أن شارون سينجح في العودة إلى رئاسة الوزراء، ولكن يجب أن يفشل في توفير الأمن والاستقرار . ومن هنا فنحن مع السياسة الموضوعية، ولسنا مع سياسة التبرير أو تبرير السياسة . بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي