قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: "مَثَل الواقع في حدود الله والقائم فيها كمثل قوم استهموا سفينةً، فكان بعضهم أسفلَها وبعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلِها إذا استقوا فأتوا إلى من فوقهم فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقًا نستقي منه الماء ولم نؤذٍ من فوقنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن تركوهم وما أرادوا هلَكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا". تدبر هذا المثل يعطي المسلم تصورا صحيحا؛ أنّ الواجبَ على الجميع التعاون على البر والتقوى، وأن الواجب الأخذ على أيدي السفهاء حتى لا يتمكّنوا من مرادهم، الأخذ على أيديهم وفرض الحق عليهم، فإن الأمةَ إذا لم يأخذ عاقلها على يدي سفيهها وعالمها على يدِ جاهلها فإن الفوضى تعم الأمة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لتأخذنَّ على يد السفيه، ولتأطرنّه على الحق أطرًا، ولتقصرنَّه على الحقّ قصرًا، أو ليوشكنّ الله أن يضربَ قلوب بعضكم ببعض، ثم يلعنكم كما لعنهم". المجتمع المسلم فيه تعاون على الخير والتقوى، فيه أمر بالمعروف وحثّ عليه، ونهى عن المنكر وتحذّير منه. وإذا لم يؤخَذ على يد الظالم لم يكن لدى الجميع تعاون على الحق وقطع خط الرجعة على كلّ مفسدٍ وآثم، حتى يعلم أنّ الأمةَ في يقظةٍ وانتباه، وأن هذا المجرمَ والظالم لا يروج باطله وظلمُه على المجتمع المسلم. إن أول ما يمكن فعله هو ضرورة تشخيص هذا البلاء تشخيصا نزيها عاريا عن الشُبُهات والأهواء للوقوف على أسبابه والبحثِ عن العلاج الأمثلِ له، وأن لا يجاوزَ التشخيص موضع الداء، بحيث إنه لا يجوز أن يلقى باللاَّئمة إلى غير مرتَكبي تلكم الأحداث، فلا يجوز أن ينسب الإرهاب إلى التدين مثلا، أو إلى علوم الشريعة ومناهجها، أو إلى العلماء والدعاة المخلِصين، فإنَّ السرقةَ في المسجِد لا تستدعي هدم المسجد، كما أنَّ عدمَ فهم الشريعة والتدين لا يعني إلغاءهما من واقع الحياة، ولو تستَّر لص في حجاب امرأة لا يمكن إلغاءَ الحجاب بالمرة. فليتق الله أولئك الذين يشوشون عند كل حدث سانح، فيرمون الأصالة والتمسك بالدين بأنه هو سبب هذه الحوادث والجرائم، فيكون هذا التَّشويش متكأً يتَّكئ عليها أعداء الإسلام من الحاقدين ومن المعجَبين بهم، ومبررا سائغا لهم في تمرير ما مِن شأنه فرض المسوغات بالضغوطات المتتالية على البلدان المسلمة، و يتخذون ذلك مبررا لاجتياحها، فالتشويش من داخل المجتمعات الإسلامية أشد وقعا من التشويش الخارجي، خاصة الناطقون عبر وسائل متعدِّدةٍ في وجه الدين والتدين والمناهج النيرة والاستقامة المشهودة في المعتقد والفكر. محمد جرودي