يوم الأربعاء الماضي 8 أكتوبر عقدت بالرباط ندوة عن صورةالمدرس بالمغرب. وتزامنت مع حادثة الدارالبيضاء التي ألقت فيها مدرسة بتلميذين من تلاميذها من الطابق الأول إلى الأرض. صورة المدرس ليست في حاجة إلى بيان أكثر من بيان الواقع المزري والبئيس الذي التهم المعلم المربي تحت سياسات التقويم الهيكلي وضغوط البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والعولمة الطاغية المتوحشة حتى ضاق ذرعا بالأطفال وطفق يرميهم واحدا تلو الآخر إثر نوبة انهيار نفسي وعصبي. فمنذ أكثر من ثلاثة عقود بدأت الوضعية المادية والاجتماعية للمدرس تتدهور تحت الضربات المتتابعة للمتاجرين بالقيم والناس، المتلاعبين بميزانيات الدول والشعوب، المصاصين للدماء السارقين للأموال والثروات، الآكلين للسحت. وما زالت تلك الوضعية تتدهور وتتدهور يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعام بعد عام حتى صار كثير من المدرسين في عداد الفقراء والضعفاء والمساكين الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. وصمد كثير منهم في وجه الكلاليب المفترسة والمخالب المسمومة لكن صمودهم لم يمتد طويلا فانهزم منهم من انهزم وسقط من سقط، وتحت ضغط الحاجة والاستهلاك انزلق آخرون ولم يستطيعوا الاعتصام بالقيم المانعة. غير أن فريقا آخر استطاع المقاومة والصمود، بل التحدي والتجاوز. وانضاف إلى التدهور المالي تدهور معرفي أكاديمي كنتيجة منطقية لا راد لها. وما المدرس إلا مقياس حساس لكل تغير يحدث في السياسة والمجتمع. إذ هو أشد أفراد المجتمع شعورا وفراسة وتوجسا وتوقعا، وحاله ووضعه يؤشر لحالة الدولة والمجتمع: إن تحسنت حاله وصورته انعكس التحسن على الآخرين، وإن تدهورت وساءت انعكس التدهور والسوء على الباقين. ومن المنطقي أن نجد صور أفراد آخرين في المجتمع قد تدهورت وترنحت مثل الطبيب والصيدلي والسياسي والإداري والتاجر والسائق والصحافي و المحامي والقاضي غيرهم. اذهب إلى الستشفيات والعيادات لترى الفظاظة والمتاجرة في التعامل مع المرضى إلى درجة تصل في بعض الأحيان إلى القتل الخطأ والسلب والنهب، واذهب إلى الأحزاب والانتخابات لتبصر فساد الذمة والمروءة والسمسرة الواضحة في رؤوس المنتخبين والمسشارين، وتنقل بين الأسواق الكبرى والصغرى لتتأكد من الغش البسيط والمركب، وتصفح الجرائد والقنوات لتعلم صناعة الكذب وتجارته وتمجيد الخلاعة والفسق والمجون، وتجول بين الإدارات لتعرف الهدر البشري والمعنوي، واصعد إلى الحافلات وسيارات الأجرة لتشهد الاستهتار بالقوانين والراكبين ومراقبي الطرق... أما الحرف الأخرى كالنجارة والصباغة والحدادة وغيرها فنادرا ما تجد فيها الصدق والأمانة. كل هذه الصور والمشاهد الكئيبة الكالحة توالدت وتكاثرت وتورمت يوم سقطت صورة المدرس وهوت مكانته وانزلق إلى أسفل السلم النفسي الاجتماعي الاقتصادي. أليس المدرس هو الذي يعلم الناس صغارا وبالغين قيم الخير والعدل والحق والجمال؟ ألا يتخرج على يديه الأطباء والصيادلة والموظفون والحرفيون والسياسيون وغيرهم؟ أليست الملائكة في عليائها والحيتان في بحارها ومحيطاتها والنمل والنحل في أكنانها والطيور في أعشاشها تصلي على معلم الناس الخير؟ أليست هذه منزلة ما فوقها منزلة وتقديرا ما بعده تقدير؟ إن انهيار صورة المدرس ليس له من معنى سوى انهيار نظام التربية والتعليم، وسقوط منظومة القيم والأخلاق. وأنى لمجتمع زلزلت قيمه وأخلاقه أن يكون في عداد الأقوياء الحكماء الأمناء وقد تخلى عن المعلمين والمربين والمدرسين. ويوم نعيد لهؤلاء كرامتهم المهدرة ومكانتهم الضائعة فأبشر بغد مشرق وجهاد تربوي وتثقيفي تعليمي لا أحسن منه ولا أجمل، ولو طلب من المدرسين التعليم في أعالي الجبال وفوق الأنهار وعلى أمواج البحار لفعلوا مسرعين مسرورين. حسن السرات