رتأى نور الدين غمدان أن يطبع مسيرته كمتخصص في الديكور بلبس رداء العمل التطوعي الجمعوي ، وخدمة الطفل المغربي في مؤسسة تعليمية حاضرة بقوة في شخصيته، حيث درس بها 5 سنوات الى جانب أبناء حيه بالعكاري بالرباط. وهو اليوم عضو في اتحاد شبكات الجمعيات التنموية بالعاصمة، وعضو في اللجنتين الجهوية والاقليمية للتعليم بمنطقة الرباطسلا زمور زعير، وعضو في الشبكة الدولية للدول الفرنكفونية ، متخصص في العلاج الحركي بواسطة الحيوانات، وفي التدليك العصبي. ساهم كممثل للمغرب في ملتقيات عربية ودولية بمصر وتونس وسويسرا وأمريكا، يروي في سياق هذا اللقاء تجربته مع العمل الجمعوي التي تراكمت منذ عقد من الزمن. س: كيف جاء ميلاد الجمعية وما هي مجالات تدخلها؟ ج: نشأت الجمعية في سنة 1999 وأصل الفكرة البيئة التي عشت فيها، لأن والدي كان يعمل ممرضا في المستشفى العسكري، وكان متشبعا بثقافة التضامن، كان بيتنا مكونا من ثلاثة طوابق، وكان الطابق الثاني مفتوحا للعامة وممنوعا علينا نحن أبناؤه للدخول إليه وكان مجهزا بالأفرشة، وكلما التقى والدي شخصا لا يجد من يعيله أوله موعد طبي قريب يأويه ويسهر على تطبيبه وأكله، وكنت الأقرب إليه فترعرعت في هذا الوسط. وكانت لدي طفلة مصابة بالربو المزمن ولم أكن أتمكن من شراء الأدوية لها وتمكنت بمساعدة محسنين من علاجها. ومن هنا فكرت بمعية إخوة وأخوات يتقاسمون نفس المبادئ والهموم من تأسيس هذه الجمعية. وبدأ عملنا في البداية في مستشفى الأطفال ابن سينا، وفي سنة 2000 أنجزنا عملية إفطار في رمضان ل 450 امرأة نزيلة بالمستشفى وفي نفس الوقت كنا نحاول الحصول للأطفال على أدوية وفحوصات طبية. وبفضل نشاطنا والإشعاع الذي عرفته ديناميتنا تمكنا من الحصول على دعم من جهات مانحة وطنية ودولية تتمثل في أجهزة طبية وأغطية، وساهمنا في تغطية تكاليف عمليات في القلب للأطفال. قمنا كذلك بتأطير حفلات في المناسبات الدينية وتوزيع هدايا ولعب، وكنا نتكفل بالأيتام داخل المستشفى حيث وضعنا أطرا من الجمعية رهن إشارة الأطفال. كما كان لنا نشاط مميز على الصعيد الوطني والإفريقي والإسلامي وهو إحياء عيد الأضحى بذبح الأضاحي داخل المستشفى سنة 2003، ومضينا في هذا النهج حتى سنة 2007. وإحدى نقط التحول في نشاط الجمعية كانت في سنة 2002 فبعدما كان مقر الجمعية يقتصر على بيوت الأطر تم فتح مركز نور للتربية والتكوين والخدمات الصحية تابع للجمعية بحي العكاري، وانبرى لتقديم هذه الخدمات: التكوين الحرفي (الخياطة، والفصالة، والديكور) التكوين في الإعلاميات واللغات إعطاء دروس الدعم والتقوية للتلاميذ توفير خدمات صحية كل سبت حيث يتم استقبال خلية طبية من ممرضين أو أطباء عامين أو متخصصين في طب الأطفال وطب النساء، وكانت الخدمات الموفرة هي قياس الضغط الدموي وقياس مستوى السكر بالمجان لفائدة ساكنة الحي. كما يشمل نشاط الجمعية شقا آخر يتمثل في توزيع المواد الغذائية والملابس في رمضان وفي المناسبات. س: ترعى الجمعية مشروعا تحت اسم «مدرسة رؤية مغرب 2015» المدرسة في خدمة التنمية البشرية، فما هي حيثيات هذا المشروع الجاري تنفيذه بمدرسة علال بن عبد الله بالرباط؟ ج: قبل أن أتطرق للحديث عن المشروع، أود أن أستعرض حيثيات ولوج جمعيتنا للاشتغال في مدرسة علال بن عبد الله بالرباط. فقد كانت للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين في شخص مديرتها ونيابة التعليم بالرباط مواكبة ومصاحبة دائمة لأفكارنا ومشاريعنا، بل وكان صدرهما رحبا لتقديم كل الدعم المعنوي حتى يقف المشروع على رجله. أما في مايخص المشروع، فأنا أعتبر نفسي أولا محظوظا لأنني عدت الى مدرسة طبعت في مخيلتي ذكريات الطفولة، فقد درست فيها لخمس سنوات، وشاءت الأقدار أن أحمل من خلال الجمعية بصمات وحلما راودني لسنوات، هكذا تمت صياغة المشروع المتمثل في البداية في عملية ترميم واسعة وإعطاء وجه آخر للمرافق الصحية وفضاء المؤسسة بما يليق بتلميذ العشرية الأولى لهذه الألفية، واستغرقت العملية سنة من الزمن وكلفت 960 ألف درهم، وتأثيث المؤسسة بفضاءات تربوية كالفضاء البيئي النموذجي للمدرسة العمومية المتكون من بحيرة بيولوجية، وبحيرة الطيور، والجبل التربوي، وهي فضاءات تستغل في التكوين النظري والتطبيقي للأطفال وتعريفهم عن قرب بأهمية التوازن الإيكولوجي والسلاسل الغذائية ومشاهدة طيور نادرة، والتعرف عن دورة الماء والتضاريس وجغرافية البلاد. كما تم توفير مساحة خضراء تقدر ب 2500 متر مربع تتوفر على عدد كبير من الأغراس والأشجار، وخلق فضاء للتربية الطرقية يعد الأول من نوعه داخل مدرسة بالمغرب، وفضاء لتعليم الأطفال مفاهيم الولوجيات، وهو الأول من نوعه في العالم، ونتوخى منه تعليم الطفل المتمدرس كيفية تقديم المساعدة لشخص معاق في الشارع لعبور ممر معين أو دخول إدارة أو ولوج مصعد أو النزول عبر الدرج، وسنعمل بعد تكوين هؤلاء الأطفال واختبارهم عبر امتحان تطبيقي على منحهم رخصة أو بطاقة زرقاء (Permis bleu) توضح أن الطفل خضع لشق هام في التربية على المواطنة، وأثثنا فضاء المدرسة بمحمية للحيوانات لها أبعاد تربوية وصحية متكونة من ماعز وأغنام وأرانب وطيور البط والإوز وأقفاص طيور ملونة يتعرف من خلالها التلميذ على نوعية الحيوان، وكيف يعيش وعلى ماذا يتغذى وكيف يتوالد، كما أحضرنا أنواع نادرة من الماعز من التبت والألب والخروف من نوع الصردي المغربي وهي تكلف 200 درهم يوميا وفي هذا الإطار تم استقدام شاب عاطل من البادية حاصل على الباكلوريا، ووفرت له الجمعية فرصة عمل منذ ثلاث سنوات يتقاضى عنها أجرا شهريا مقابل اعتنائه بهذه الحيوانات. كما نستعمل هذا الفضاء للتتبع الصحي النفسي الحركي والترويض باستعمال الحيوانات لفائدة الأطفال المعاقين المدمجين داخل المدرسة (zoothérapie) كأول بادرة في العالم داخل مؤسسة تعليمية إضافة إلى إحداث فضاء للبستنة يفرغ فيه التلميذ طاقاته الزائدة، ويتعلم من خلاله عملية الحساب بأخذ المقاسات وتقنيات الزراعة، وهذا بتأطير أستاذة بالمدرسة نشيطة في مجال البيئة والبستنة والأغراس. ومنذ السنوات الأولى لإحداث هذا الفضاء تم اعتماد تقنية لإنتاج خضر متنوعة بيولوجية تم تسويق جزء منها اعتمد مدخوله لتزويد بعض التلاميذ بنظارات لتقويم النظر لديهم، وهذا العمل الجماعي ينخرط في مفهوم المدرسة المقاولة ويهدف إلى تنمية الحس المقاولاتي لدى التلاميذ. ومن خلال معاينة خبراء نفسانيين للمدرسة، تم الوقوف على أحد إيجابيات هذا الفضاء وهو امتصاص كل سلوك عنيف لدى المتمدرسين، وترسيخ قيمة الانتماء للمدرسة ومحاربة ظاهرة النفور والهدر بحيث أن التلاميذ يحضرون إلى المدرسة ساعتين قبل الحصة الدراسية، والأهم أننا استطعنا في إطار العمل على الترشيد والمراقبة خفض معدل استهلاك الماء ب 98 في المائة، مثلا فاتورة الماء في ماي 2005 كلفت 20 ألف درهم، آنذاك كان هناك ستة صنابير و 11 مرحاضا خاصا بالفتيات لا تتوفر إلا على صنبور واحد ومثل ذلك بالنسبة للفتيان، وصنبوران للماء الشروب في المدرسة برمتها كانت تعرض صحة الأطفال لمخاطر وأمراض، أما فاتورة ماي 2007 فكلفت 350 درهما علما أن المدرسة اليوم تتوفر على 36 صنبورا ومرافق صحية نظيفة وأغراس بالمدرسة. المرحلة الثانية هي مرحلة انطلاق المشاريع الاجتماعية والتربوية التي التزمت بها الجمعية في إطار الشراكة مع الأكاديمية داخل المدرسة، وبما أن من بين أسباب الهدر المدرسي عدم ولوج الأطفال التعليم الأولي مبكرا، بادرت الجمعية إلى إحداث فضاء التعليم الأولي يستفيد من خدماته أطفال في وضعية صعبة، وأطفال نساء مطلقات وأرامل مع دمجهم مع أطفال أسر مستقرة حتى نحقق الاندماج الاجتماعي، حيث نوفر للأطفال في وضعية صعبة التعليم والتطبيب والتغذية والملبس، كما أحدثنا حضانة لفائدة النساء المستفيدات من برنامج محاربة الأمية والتكوين والنساء في وضعية تسول، وحاليا يبلغ عدد الأطفال المستفيدين من خدمات الوحدة 100. وإيمانا منا أن لكل طفل مغربي الحق في التمدرس كما ينص على ذلك الدستور، احتضنا تجربة أولى على الصعيد الوطني والعربي والافريقي للإدماج المبكر للأطفال الذين يحملون إعاقات حركية ثقيلة من سن سنتين إلى ست سنوات ومن ست إلى 15 سنة، وهذه السنة أحدثنا ورشة لتكوين من هم فوق 15 سنة في حرف يدوية مدرة للدخل حسب قدراتهم الجسدية. كما جهزت الجمعية جناحا لخدمات شبه طبية يستفيد منه كل تلاميذ المؤسسة وبالخصوص أطفال ذوو احتياجات خاصة في التخصصات التالية: العلاج الفيزيائي والعلاج الحسي نفسي حركي ، والتتبع الطبي مع توفير الأدوية، ويصل عدد الأطفال المدمجين ذوو الاحتياجات الخاصة 20 طفلا، والمستفيدون من الخدمات الطبية وشبه الطبية أكثر من 400 تلميذ، 10 في المائة منهم يحملون إعاقات حركية وذهنية. كما تساهم الجمعية في مد يد العون للتلاميذ المتمدرسين بالمدرسة وتلاميذ مؤسسات أخرى صديقة عن طريق توفير دعم طبي وغذائي، وتوزيع محافظ ولوازم مدرسية وتتبع نفسي وتقديم دروس الدعم. وإيمانا منا كذلك بأن المدرسة تساهم بشكل مباشر في التنمية البشرية وانسجاما مع شعار الوزارة لسنة 2007 «الأسرة والمدرسة معا لترسيخ السلوك المدني» فإن الجمعية أقحمت الأسرة داخل المدرسة عبر وحدة للتكوين الحرفي ومحاربة الأمية لفائدة أمهات وأخوات وجيران التلاميذ وسكان حي العكاري، وبلغ عدد المستفيدات في الموسم الماضي 85 امرأة. س: هل هناك عراقيل اعترضت أو تعترض مسيرة مبادرات الجمعية؟ ج: كل ولادة لابد لها من مخاض، وكما يعرف كل ممارس لعمل جمعوي نبيل وهادف، فإن مسيرة النجاح تكون طويلة ومرة، وحتى نحقق أهدافنا ونصوغ رؤى استشرافية ورائدة، لابد للأطر الجمعوية عموما من المثابرة والصبر على كل معاناة في سبيل الآخرين، موازاة مع ذلك، على كل عقلية تسعى إلى وضع العثرات أمام الجهد الجمعوي أن تدرك أن زمن الحرب الباردة قد ولى، وأن المغرب حاليا أضاع وقتا طويلا في إصلاح التعليم، وأمامه الآن فرصة تاريخية تحتم على الجميع كفاعلين تربويين ومنتخبين وسياسيين وجمعويين وأسر الالتفاف حول المدرسة والتشبع بثقافة التشارك الحقيقي والهادف من أجل الخروج بالمغرب من المأزق الذي وصلنا إليه للرفع من جودة التعليم والخدمات التربوية والتأطير الجيد رافعين راية التحدي لبلوغ أسمى المراتب على المستوى العربي والعالمي. فإذا توفرت النيات الصادقة يمكن عندئذ وضع المدرسة المغربية في مرتبة تنافس كبريات المدارس الخاصة في المغرب وخارج المغرب وسيجد التلميذ فيها متنفسا لمشاكله الأسرية، ويهون كل صعب ويتحقق حلم الأطفال المغاربة أغنياء كانوا أم فقراء في مدرسة مفعمة بالحياة.