لم تستجب هنادي تيسير جرادات لرغبة أبيها الذي ألحّ عليها طويلا كي تذهب لتنام بعد ان طال سهرها علي غير العادة .. الا انها وعدته في النهاية ان تخلد لفراشها بعد ان تختم الجزء الأخير من القرآن الكريم ، لكنها لم تنم ، حيث قضت ليلتها الاخيرة في الدنيا تصلى و تقرأ القرآن ، و تبتهل الي الله أن يوفقها فيما تخطط له . و في حوالي الساعة 7:30 من صباح اليوم الثاني خرجت المحامية الاستشهادية هنادي 28 عاما في سبيلها ، دون ان تودع احدا او ان يظهر عليها أي تغير يوحى انها عازمة علي امر ما .. ومرت الساعات طويلة قبل أن تعلن الاذاعة الصهيونية ان فلسطينية فجرت نفسها في مطعم صهيوني بحيفا فقتلت 19 صهيونيا و جرحت العشرات .. مساء السبت 4-10-2003 ، و ليتبين بعدها ان الشابة هنادي هي منفذة الهجوم الذي تبنته حركة الجهاد الاسلامي ، ولتكون بذلك الاستشهادية رقم 6 ، و اولي استشهاديي العام الرابع للانتفاضة . التحقت بأخيها و لم يستغرب أهل الشابةالفلسطينية هنادي كثيرا لدى سماعهم الخبر ، فهم يعرفون جيدا ابنتهم .. تلك الفتاة القوية العنيدة التي أقسمت ان تثأر لشقيقها فادي الذي اغتالته قوات الاحتلال العام الماضي . و استقبلت الاسرة الخبر -رغم ما يحمله من ألم فراق الابنة الكبرى –بفخر كما تقول فادية شقيقة هنادي في حديث خاص لمراسلنا مساء السبت 4-10-2003 ، حيث بادرت بالقول الحمد لله .. هذا شئ يرفع الرأس ، لا يوجد شئ سهل ، لكن هذا فخر لنا لقد رفعت رأسنا و شفت غليلنا و غليل فادي .. الحمد لله فادي لم يذهب دمه هدرا . و اشارت فادية التي تصغر هنادي بعامين الي ان شقيقتها كانت تتميز بشخصيتها القوية ، و انها كانت حنونة جدا علي اخوتها نظرا لكونها شقيقتهم الكبرى . النشأة ولدت هنادي بتاريخ 22-9-1975 بمدينة جنين شمال الضفة الغربية ، و درست المرحلتين الابتدائية و الاعدادية بمدرسة فاطمة خاتون ، و الثانوية بمدرسة الزهراء قبل ان تتوجه الي الاردن لتلتحق بجامعة جرش لكي تدرس بكلية الحقوق و تخرجت عام 1999 . و تأخرت هنادي قليلا في مجال التدريب علي المحاماة ، و عادت قبل عامين للتدريب ، و استشهدت و هي علي وشك الانتهاء من فترة التدريب ، حيث كانت تخطط لافتتاح مكتب محاماة خاص بها . و تؤكد فادية ان هنادي تأثرت جدا باستشهاد شقيقها فادي اكثر من أي فرد آخر بالعائلة ، خاصة لانها لم تكن موجودة في البيت وقتها ، حيث تضيف عندما ذهبت الي المستشفى لم تكن تتوقع ان يخرجوا لها جثته من ثلاجة الموتى ، فحزنت كثيرا ، و عزمت من وقتها علي الثأر لشقيقها الاصغر ، و من وقتها لم تستطع نسيان هذه الصورة . و تضيف من يوم استشهاد اخي فادي اختلفت طباعها تماما ، اصبحت تجلس لوحدها كثيرا ، تحب العزلة ، تستمع للاشرطة الدينية كثيرا ، زاد قربها من الله تعالى ، تقرأ القرآن ، منذ استشهاد فادي اصبحت حتى لا تجلس كثيرا مع الناس و لا تضحك كما كانت سابقا . و تستدرك شقيقة الاستشهادية موضحة انه استشهاد فادي لم يكن السبب الوحيد لتنفيذ هنادي لتلك العملية ، حيث تؤكد ان ما يحدث في مجتمعنا الفلسطيني يؤثر علي الجميع من ابناء شعبنا ، المذابح و المجازر و هدم البيوت و الاعتقالات ، و تقول ليس فقط من اجل فادي ، او صلاح (ابن عم الشهيدة ) فقط . ما يشاهد عبر شاشات التلفاز من مشاهد كافية لان تحول أي فلسطيني لقنبلة موقوتة . شجاعة و تدين و ترى فادية ان شجاعة هنادي غير المعهودة علي الفتيات كان من اكثر صفاتها بروزا ، حيث انها كما تقول .. لا تخشى شيئا ، و شخصيتها قوية زيادة عن اللزوم ، و لا احد يستطيع ان يغير قراراتها . و تضيف كانت اجتماعية جدا و تحب الناس ، و الكل يحبونها جدا جدا ، و كان مشهور عنها ميلها لحب الخير ، فحينما كانت ترى فقيرا ، تطلب منا ان نطعمه ، و تقول لنا : سوف يكتب لكم رب العالمين ثوابا و اجرا كبيرا ، و يجب ان تحسنوا اليه حتى لو اساء اليكم . و عن ردة فعل والد الاستشهادية قالت الشقيقة فادية انه اخذ يردد عبارة الحمد لله .. الحمد لله . و تستذكر فادية ان اختها الكبرى كانت متدينة ، لا سيما بعد عودتها من الاردن حيث التزمت بالصلاة ، مضيفة الا ان قربها من الله ازداد بعد استشهاد اخي فادي ، و ابتعدت بالاخص عن سماع الاغاني و الموسيقى ، و كانت تقول عنها انها حرام . الليلة الاخيرة و تصف آخر ليلة قضتها هنادي في بيتها قائلة ليلة امس كنا جالسات نتحدث عن زفاف شقيقتي المتوقع بعد عشرة ايام ، و كانت هنادي تقول لها : افرحي و ( انبسطي ) انت عروس ، و اعزمي من تريدين ، الله يهنيك ، و يسعدك ، و ظللنا طوال الليل نمزح و نضحك . و تضيف اصبح ابي يقول لها : يا هنادي قومي نامي ، فتقول له : سانام فقط بعد ان اختم الجزء الاخير من القرآن الكريم للمرة السابعة في حياتي ، و ظلّت طول الليل ، تقرأ القرآن ، و تصلي و تدعي و تبتهل الي الله تعالى .. و ختمت فادية حديثها قائلة و قد غلبتها الدموع الحمد لله الذي جعل لنا اخت مثل هنادي رفعت رأسنا عاليا . و تمضى قافلة الاستشهاديات و كانت المجاهدة عطاف عليان أول فلسطينية تحاول في يوليو1987 تنفيذ عملية استشهادية بسيارة ملغومة في القدس اسوة بعمليات حزب الله الا ان العملية لم تنجح لتعتقل علي اثرها وصدرت ضدها احكام مجموعها 15 عاما قضت منها 10 سنوات في السجن الصهيوني. و ظل حلم الاستشهاد للفتيات الفلسطينيات يراود الكثيرات منهن ، الي ان قامت " وفاء إدريس" بتدشين هذا الموكب البهي خلال انتفاضة الأقصى ؛ حيث نفذت عمليتها في مدينة القدس يوم 28/1/2002؛ فقتلت أحد الجنود وجرحت مئة وأربعين آخرين. ثم أعقبتها "دارين أبو عيشة" التي نفذت عمليتها في حاجز عسكري صهيوني شمال الضفة الغربية في 27-2-2002؛ وهو ما أدى إلى إصابة 3 جنود صهاينة. وقامت "آيات الأخرس" من مدينة بيت لحم بعمليتها في 29-3-2002 بأحد أسواق القدسالغربية ، وهو ما أدى إلى مقتل صهيونيين وإصابة العشرات. ثم نفذت "عندليب طقاطقة" من مدينة بيت لحم أيضاً عمليتها يوم الجمعة 12/4/2002، وأسفرت عن مقتل ستة صهاينة، وإصابة 85 وذلك في مدينة القدس. أما هبة عازم دراغمة ابنة "طوباس"، قرب جنين الطالبة بجامعة القدس المفتوحة فقد ثأرت لسلسلة من الجرائم الصهيونية كان أولها اغتيال "محمود صلاح" قائد كتائب شهداء الأقصى في بيت لحم ومساعده "عدنان الجواريش" ، بتاريخ 30-4-2003 ، و اعقبها بيوم واحد مذبحة "حي الشجاعية" في مدينة غزة التي سقط فيها خمسة عشر شهيدًا من بينهم طفل رضيع بعدها بأيام قليلة اغتيال "إياد عيسى البيك" أحد كوادر القسام في غزة . و ثأرت هبة لتلك الدماء النازفة ، فقامت بتفجير جسدها الطاهر في مدينة "العفولة" شمال فلسطينالمحتلة يوم الاثنين 19-5-2003م المصدر: صابرون