تمكن حزب العدالة والتنمية من تحقيق انتصار تاريخي مهم في الانتخابات البلدية التي شهدتها بلادنا، تمثلت في حيازته الرتبة الثانية في الاقتراع باللائحة مع فارق ضئيل بينه وبين الأول و تصدره لحوالي ثلاثين دائرة انتخابية طبق فيها الاقتراع باللائحة، و في فوزه في أغلب المدن التي شارك فيها، واحتلاله الرتبة الثالثة في مدينة الدارالبيضاء رغم اقتصار مشاركته على نصف المقاطعات المكونة لها والتي احتل الرتبة الأولى في ستة مقاطعات منها وكذا الرتبة الثانية في المقاطعتين المتبقيتين، وهو ما أثبت عمق تجذره الشعبي ووفاء قاعدته الانتخابية، واتساع حجم المتعاطفين مع مشروعه السياسي والإصلاحي، هذا بالرغم من شراسة الحملة الإعلامية والسياسية التي استهدف بها الحزب بعد تفجيرات 61ماي، وتمثل هذه النتائج رسالة دالة على فشل هذه الحملة وتمكن الحزب من تجاوز الأزمة التي عرفها بعد التفجيرات الأليمة، وهو ما يفتح آفاقا كبيرة أمام حزب العدالة والتنمية ويطرح تحديات كبيرة عليه. معطيات النجاح والفوز لقد حقق الحزب في هذه الانتخابات فوز 593 من مرشحيه والذين بلغ عددهم ,4268 أي ما نسبته 14.89 في المائة، وتوزع الفائزون على قسمين، 386 فائزا في إطار الاقتراع باللائحة، و207 في إطار الاقتراع الفردي، وتعطي القراءة الأولية لهذه النتائج انطباعا بحصول تراجع في مكانة الحزب وقوته الانتخابية، لاسيما عند تحديد ترتيبه ضمن النتائج العامة، حيث يحتل الرتبة الحادية عشرة من حيث عدد المقاعد والرتبة الثامنة من حيث عدد الأصوات (320299 صوتا)، إلا أن الواقع خلاف ذلك، ففي الوقت الذي لم تتجاوز فيه حجم مشاركة الحزب نسبة 18.1 في المائة من عدد المقاعد المتنافس عليها، كما لم تتجاوز نسبة ترشيحاته ضمن الترشيحات المقدمة 3.48 في المائة، احتل الحزب المرتبة الثانية في المناطق التي اعتمد فيها الاقتراع باللائحة، كما تصدر المواقع الأولى في جل المدن الكبرى، وهو ما نعرض تفاصيله تباعا: احتل الحزب المرتبة الثانية في عدد الناجحين في الدوائر الخاصة بالاقتراع باللائحة والتي يبلغ عدد مقاعدها 3494 مقعدا حيث بلغ عدد المنتخبين من لوائح الحزب 386 فائزا مسبوقا بحزب الاستقلال الذي حقق 398 مقعدا أما حزب الاتحاد الاشتراكي فقد حقق383 مقعدا محتلا بذلك المرتبة الثالثة، كما بلغت نسبة نجاح الحزب 11.04 في المائة من مجموع ترشيحاته، هذا مع العلم أن الحزب رشح فقط في 2626 مقعدا، وقد ارتكز اعتماد نظام الاقتراع باللائحة على العامل الديموغرافي حيث يعتمد فقط في المناطق التي يتجاوز عدد سكانها 25 ألف نسمة، مما جعل عدد الدوائر التي يعتمد فيها هذه النظام لا تتجاوز 159 جماعة منها 126 جماعة حضرية و33 جماعة قروية، أما الجماعات التي بقي فيها نظام الاقتراع الفردي فيبلغ عددها 1388 جماعة. تمكن الحزب من احتلال الرتبة الثالثة في مدينة الدارالبيضاء حيث بلغ عدد مرشحيه الناجحين في مجلس المدينة 16 مسبوقا بكل من حزب الاستقلال الذي حقق 19 مقعدا والاتحاد الاشتراكي الذي حقق 17 مقعدا، وذلك من أصل 131 مقعدا في مجلس المدينة، هذا رغم أنه شارك فقط في نصف مقاطعات الدارالبيضاء والبالغ عددها 16 مقاطعة، واحتل الرتبة الأولى في ستة مقاطعات هي مقاطعات سيدي بليوط، والمعاريف، والحي المحمدي، والحي الحسني، وسيدي البرنوصي، وسيدي عثمان، كما احتل الرتبة الثانية في كل من مقاطعتي الصخور السوداء وابن مسيك، ولم يشارك في ثمانية مقاطعات وهي آنفا، وعين الشق، ومرس السلطان، والفداء، وسباتة، ومولاي رشيد، وعين السبع، وسيدي مومن. وتعكس هذه النتائج أن الحزب يمثل القوة الشعبية الانتخابية الأولى في الدارالبيضاء، وأن الحملة التي استهدفته مستغلة تفجيرات 16ماي وركزت على الدارالبيضاء فشلت فشلا ذريعا في إضعاف الحزب وتحجيم قاعدته الانتخابية. احتل الحزب المرتبة الأولى في جل المدن الكبرى التي شارك فيها واعتمد فيها نظام الاقتراع ، ويقدر عددها في 30 مدينة ومقاطعة، فعلى صعيد المقاطعات احتل الحزب المرتبة الأولى في ست مقاطعات بمدينة الدارالبيضاء الكبرى، من أصل ثمانية شارك فيها، وفي مقاطعتي سلاالمدينة - باب المريسة وسلاالمدينة - تابريكت من أصل أربع مقاطعات شارك فيها بمدينة سلا، وفي مقاطعة الرباط - يعقوب المنصور من أصل ثلاث مقاطعات بمدينة الرباط، وفي مقاطعتي فاس الجديد دار الدبيبغ-سايس وفاس- المدينة القرويين من أصل ثلاث مقاطعات بفاس، وفي مقاطعة مراكشالمدينة من أصل ثلاث مقاطعات شارك فيها، مع العلم أن الحزب رشح فقط في 21 مقاطعة من أصل 41 مقاطعة موزعة على ستة مدن، أي أنه فاز في 12مقاطعة وهو ما يعني نسبة 57.1في المائة بالنظر لحجم التغطية و29.3في المائة بالنظر لمجموع المقاطعات، وقد عرفت الانتخابات الخاصة بالمقاطعات منافسة حادة حيث سجل فيها أعلى معدل للترشيحات (17مرشح لكل مقعد)، مع التذكير بأنه لم يرشح في أي من المقاطعات الأربع لمدينة طنجة، وهو ما يمثل أعلى معدل في الانتخابات. وبخصوص المدن التي لم يعتمد فيها نظام وحدة المدينة، فقد حقق الحزب الرتبة الأولى في 18 مدينة وجماعة وهي مكناس، والقنيطرة، وخريبكة، وبني ملال، وتمارة، وسطات، ووادزم، ووجدة، وتيزنيت، وتطوان، والفنيدق، والقصر الكبير، والعرائش، وآسفي، والراشدية، وآزرو، وصفرو، ودار بوعزة. كما أن الحزب احتل الرتبة الثانية في حوالي 16 مدينة ومقاطعة وجماعة اعتمد فيها الاقتراع باللائحة كمقاطعات ابن مسيك، والصخور السوداء، بالدارالبيضاءوسلا- بطانة، وسلاالجديدة-حصين، وفاس المرينيين، والرباط-أكدال الرياض أما المدن والجماعات التي احتل فيها الرتبة الثانية فمنها المحمدية، والفقيه بنصالح، والصخيرات تمارة، و وإنزكان ، وأيت ملول، والدشيرة الجهادية، وشفشاون، وكرسيف، وبني ملال أولاد ناصر، وسيدي بيبي. وبخصوص عدد الأصوات فقد حصل مرشحو الحزب على ما مجموعه 320299 صوتا بنسبة مشاركة محددة في 18.1في المائة من مجموع المقاعد المتنافس عليها، وعند المقارنة مع الانتخابات التشريعية ل 27 شتنبر 2002 ، نجد أن الحزب عرف تقدما، ففي تلك الانتخابات حقق حوالي 610 ألف صوت مع تغطية 61 في المائة من حجم الدوائر( شارك في 56 دائرة من اصل 91 دائرة)، أي أنه حقق أزيد من نصف الأصوات رغم أنه قلص مشاركته إلى أقل من الخمس بعد أن قلصها في السابق إلى حدود الثلثين. أما في الدوائر التي اعتمد فيها الاقتراع الفردي و التي يبلغ عددها الفائزين فيها 19450 مرشحا من عموم المرشحين فإن الحزب لم يرشح سوى 1252 مرشحا فاز منهم 207 مرشحا أي ما نسبته 16.53 في المائة، وقد احتل في هذا الاقتراع الرتبة السادسة عشرة، وكان حزب الاستقلال هو الأول ب3492 فائزا متبوعا ب2991 للاتحاد الاشتراكي و2556 للتجمع الوطني للأحرار. وبخصوص عدد النساء المنتخبات فقد احتل الحزب المرتبة الثالثة ب 10نساء مسبوقا من الاتحاد الاشتراكي ب27 امرأة وحزب الاستقلال ب18 امرأة، ونسبة النساء بالنظر لعدد الناجحين من الحزب هي أعلى نسبة حيث بلغت 1.68في المائة. خلاصات تحليلية تتيح المعطيات الرقمية المقدمة آنفا استنتاج خلاصات تحليلية متعددة حول دلالات نتائج حزب العدالة والتنمية، إن مستقبل فاعليته في الاستحقاقات المقبلة المرتبطة بتشكيل المجالس المحلية والإقليمية والجهوية وانتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين، ومدى فعالية التدبير السياسي والتنظيمي الحزبي للانتخابات، ومن أهم هذه الخلاصات: حافظ الحزب على قوته الانتخابية ذلك أن النتائج المرتبطة بكل من الرتب الأولى والثانية في المناطق الحضرية أو القروية ذات الكثافة السكانية والتي تبلغ حوالي 46 مقاطعة ومدينة وجماعة تبرز أن الحزب وسع من قاعدته الانتخابية وهو ما يعني أن الحزب كان في إمكانه تحقيق اكتساح انتخابي وازن يتجاوز النتائج التي حققها في الانتخابات التشريعية ل27 شتنبر، خصوصا وأن التوظيف المكثف لرتبته العامة في هذه الانتخابات في التشويه الإعلامي له ستكون له انعكاسات سلبية على الحزب. تبرز المقارنة مع نتائج 27 شتنبر أن الحزب استطاع تجاوز مختلف آليات التضييق والإضعاف التي استهدفته وخاصة بعد تفجيرات 16ماي، وحافظ على قاعدته إلا أنه في الوقت نفسه لم يطور إمكانات تعزيز قوته في مجال تدبير الشأن العام المحلي حيث أن المشاركة جد المحدودة، حالت دون تمكنه من استثمار نتائجه في المدن الخمس المعتمدة لنظام وحدة المدينة، كما أفقدت الحزب إمكانية التدبير المريح لعدد من المدن وستضطره للجوء لنسج تحالفات مع القوى السياسية الأخرى، وهو ما يطرح تحدي بلورة منهج مرن وعقلاني لتدبير التحالفات. أبان نظام الاقتراع الذي اعتمد عن وجود تفاوت سياسي وازن بين المناطق التي اعتمد فيها الاقتراع باللائحة ومناطق الاقتراع الفردي، ففي الأولى تكتسي النتائج دلالة سياسية كبيرة بحكم أن التنافس فيها يرتكز على التمايزات الحزبية والبرامج الانتخابية كما تستهدف كثافة سكانية مقدرة، أما في المناطق الثانية فهي ترتكز على العلاقات الفردية والجوانب الشخصية ويتراجع فيها العامل السياسي كما يسهل استعمال المال في شراء الأصوات، أي أنه يصعب في ظل النظام المختلط وغير المتوازن استخراج قراءات سياسية تعتمد على النتائج العامة في حين أن الاقتراع الفردي يستقطب أغلبية الدوائر والجماعات ( 1388 اعتمد فيها الاقتراع الفردي في مقابل 159 اعتمد فيها الاقتراع باللائحة)، كما أن النتائج تطرح مسألة الإصلاح الانتخابي والتفكير في قضية مراجعة نظام الاقتراع في اتجاه يعالج حالة اللاتوازن، خاصة وأن الأساس السكاني الذي اعتمد فيه على تحديد الجماعات الخاصة بنظام اللائحة هو الإحصاء العام لسنة 1994، كما أن التوازن السكاني بين المجال الحضري والمجال القروي لا ينسجم مع حالة الاختلال الكبير بين مناطق الاقتراع الفردي ومناطق الاقتراع باللائحة. أما الخلاصة الرابعة فترتبط بالحاجة الملحة لإعادة التفكير في منطق واستراتيجية المشاركة وتجديد النظر في مقولة المشاركة المحدودة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، ذلك أن الحزب ارتكز في ذلك على عدد من الحيثيات الخارجية والسياسية والذاتية من أجل تحجيم مشاركته والحد منها إلى مستويات جد دنيا وغير متوقعة ( أقل من 20 في المائة) بعد أن كان التوجه الأولي يسير في اتجاه المشاركة في حدود الأربعين في المائة، حيث أن هناك نزوعا للمبالغة في تقدير الحيثيات بما قد يخدم سياسات القوى المضادة للحزب، فضلا عن أن التركيز على الدوائر ذات الاقتراع باللائحة يفقد عملية التدبير الانتخابي التوازن المطلوب. خاتمة... شكلت نتائج الانتخابات البلدية دليلا إضافيا على المكانة الانتخابية الوازنة لحزب العدالة والتنمية، وأثبتت فشل الحملات التي استهدفت وعملت على تحجيمه وضرب رصيده الجماهيري، كما أنها من تزيد حجم التحديات المطروحة على قيادته السياسية وما تفرضه من رفع لمستوى الفعالية في التعاطي مع متغيرات الوضع السياسي وتدبير الاستحقاقات القادمة. مصطفى الخلفي