كلمة الأحداث قرار إيجابي عبد الرفيع جواهري قرر المغرب إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، وكذلك الأمر بالنسبة لمكتب الاتصال المغربي في إسرائيل. إن هذا القرار وإن أتى متأخرا نسبيا عن وقته إلا أنه مع ذلك قرار إيجابي يستحق الانتباه، ونعتبره خطوة لابأس بها، في انتظار تعزيزه بالقطع الشامل، لكل علاقة مع إسرائيل. القرار المغربي هو الثالث من نوعه بعد قراري كل من سلطنة عمان والجمهورية التونسية، ولم تبق على لائحة التطبيع سوى كل من قطر وموريطانيا اللتين ليس أمامهما سوى الطريق الذي سار فيه المغرب بعد عمان وتونس أو العزلة القومية. وجدير بالاعتبار أن المغرب سبق له أن قبل إغلاق مكتبي الاتصال استدعاء ممثله في إسرائيل قصد التشاور. ولعل التريث من طرف السلطات المغربية بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي المفتوح بالرباط منذ 1994 راجع إلى انتظار انعقاد القمة للبحث عن غطاء داخل الإجماع العربي. وفي الحقيقة فإن قرار القمة فيما يتعلق بإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل لم يكن حاسما بل ترك بصياغته الفضفاضة حرية التصرف للدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل، لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، في حين استثنيت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، باعتبار الأولى مرتبطة بمعاهدة كامب ديفيد، والثانية مرتبطة باتفاقية وادي عربة، والثالثة مرتبطة بما جرى في أوسلو ومدريد وما أعقبهما. البيان المغربي لوزارة الخارجية والتعاون لم يكتف بإعلان إغلاق مكتبي الاتصال في كل من المغرب وإسرائيل، بل تضمن تبرير وجود المكتبين ب: دعم عملية السلام واعتماد الحوار والتفاهم، بدل لغة القوة والغطرسة، للتوصل إلى السلام الشامل والعادل.... وهو من خلال هذا التبرير كأنه يرد على الموقف الذي أعلنه باراك فور انتهاء قمة القاهرة والقاضي بإيقاف عملية السلام مما يجعل قرار إغلاق مكاتب الاتصال في بعض الدول العربية الذي تلا ذلك قرارا باردا، لأن إسرائيل هي التي بادرت بإيقاف عملية السلام، مما يجعل مكاتب الاتصال بقوة الأشياء لا دور لها، هذا إن كان لها دور بالفعل. إن نقطة الضعف في السياسات العربية الرسمية تجاه إسرائيل هي وقوفها عند عتبة سياسة ردود الأفعال، وعدم تجاوز تلك العتبة إلى مرحلة المبادرة السياسية المدروسة. ولولا الانتفاضة القوية للشعب الفلسطيني، وتحرك الشارعين العربي والإسلامي، بالزخم الذي يعرفه الجميع، لظلت العلاقات مع إسرائيل على حالها. وفي الحقيقة فإن إقدام بعض الدول العربية وخصوصا تلك التي تقع خارج دول الطوق، لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل قد أفقد القضية الفلسطينية ورقة ضغط لا بأس بها، مما جعل مفاوضات السلام تتعثر لتصل إلى النفق المسدود بعد قمة شرم الشيخ. إن إقدام إسرائيل على الاستفراد بكل دولة عربية على حدى، وعقد اتفاقيات ثنائية مع بعضها، وهرولة الدول العربية الأخرى إلى فتح مكاتب للاتصال في عواصمها، جعل إسرائيل في وضع مريح، حيث تأخذ ولا تعطي. وعلى ضوء ذلك نجد أمامنا سؤالين: السؤال الأول هو هل أفادت عملية فتح مكاتب الاتصال الإسرائيلية في عدد من العواصم العربية مسلسل السلام؟. إن الجواب هو ما يجري على الأرض الفلسطينية من همجية وتقتيل وهدم للمنازل واقتلاع الأشجار وحصار وعزل عنصري يشبه سياسة الأبارتايد التي كانت تمارس في جنوب إفريقيا. أما السؤال الثاني، فهو ماذا استفادت بلادنا وغيرها من الدول العربية من خلال فتح مكاتب الاتصال الإسرائيلية في عواصمها؟. الجواب هو لا شيء لأن المستفيدة بالدرجة الأولى والأخيرة هي إسرائيل التي خلقت في هذه الدول طابورا خامسا وصل إلى درجة إرسال موظفين عموميين إلى إسرائيل تحت ذريعة اكتساب الخبرة التعاونية في الكيبوتزات الصهيونية التي هي في الحقيقة مؤسسات شبه عسكرية، مثل ما حدث بالنسبة لمكتب تنمية التعاون في المغرب، وكذلك تبادل وفود على مستوى الغرف الفلاحية وغيرها، وكأن الخبرة الكونية في تلك المجالات وغيرها لا توجد إلا في إسرائيل دون الدول المتحضرة التي تملك فعلا خبرات نحن في حاجة إليها ولنا معها تمثيل ديبلوماسي حقيقي. لقد عبر الشعب المغربي قاطبة عن قلقه وتذمره من توسيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بطرق ملتوية تكاد تكشف عن تطبيع كامل وتبادل ديبلوماسي كامل، رغم كونه مقنعا شكليا بقناع مكتب اتصال لا غير، وطالبت الجماهير الغفيرة في مسيرة الرباط بتنظيماتها السياسية والمدنية بقطع كل علاقة مع الدولة الصهيونية العنصرية، ولو أجري استفتاء في المغرب لقال ثلاثون مليونا من المغاربة بلسان واحد: لا للتطبيع مع القتلة. إن على العهد الجديد أن يستخلص العبرة من ذلك ومن غيره لأن المغاربة يعتبرون القضية الفلسطينية قضية وطنية لا يجوز لأي كان أن يتصرف فيها حسب هواه. لقد عبرنا كمثقفين سواء داخل مؤسساتنا الثقافية في المغرب أو فيما نحضره من مؤتمرات وندوات ثقافية عربية وغيرها عن رفضنا لأي تطبيع ثقافي مع الصهاينة وفشلت إسرائيل في جر المثقفين العرب الحقيقيين إلى مائدتها، بل أكثر من ذلك كنا ومازلنا نعتذر لإخواننا المسؤولين عن الثقافة في السلطة الوطنية الفلسطينية عن المشاركة فيما يقيمونه من أنشطة ثقافية في الأرض المحتلة لأننا نرفض أن تدنس جوازاتنا بتأشيرة إسرائيل. ورغم أنف جماعة كوبنهاكن التي أسستها شرذمة من أشباه المثقفين العرب، فإن الواقع اليوم أثبت لهم ولغيرهم أنهم إنما كانوا يسيرون في طريق مسدود مما جعل بعضهم يقدم نقدا ذاتيا متأخرا ويلجأ إلى الاعتذار. لقد كان على الحكام العرب أن يستلهموا موقفهم من موقف مثقفي بلدانهم الذين يعرفون حقيقة الصهيونية كإيديولوجية فاشية عنصرية تعادي كل القيم الإنسانية، لأن إسرائيل قامت على الدم والأساطير. والآن من حقنا أن نقول للطابور الخامس ولتابعيه الذين كانوا يسخرون من موقفنا الثابث ضد التطبيع الثقافي: ها هي نتيجة التطبيع أمامكم، وها هو سلام إسرائيل يترجم نفسه بالدم وأشلاء الأطفال، بل ها هي إسرائيل تتبجح بأنها في غير حاجة إلى سلامكم. لذلك على السابحين في الوهم الصهيوني أن يستعيدوا رشدهم. أما من جهتنا فإننا سنظل نقاوم كل تطبيع باسم بلادنا مع قتلة محمد الدرة والمئات من أطفال وشباب فلسطين، معتبرين أن إغلاق مكتبي الاتصال في المغرب وإسرائيل بداية خطوة إيجابية يجب أن تتبعها خطوات أخرى، خصوصا وأن الإغلاق رغم إيجابيته نسبيا يبقى مجرد إجراء مؤقت لا نقنع به إلا إذا تطور إلى قطع شامل للعلاقات مع إسرائيل وهذا أقل ما يمكن فعله أمام الغطرسة الصهيونية. لقد جرب المسؤولون في بلادنا التطبيع، وها هي نتائجه السلبية تغنينا عن أي تحليل، فليجربوا على الأقل هذه المرة قطع كل علاقة لهم مع إسرائيل. الأحداث المغربية 25 أكتوبر 2000 العدد 645 المغرب يقرر إغلاق مكتبي الاتصال في كل من الرباط وتل أبيب: فقرات من بلاغ أصدرته وزارة الخارجية والتعاون ... وجاء في بلاغ أصدرته وزارة الخارجية والتعاون أن قرار الإغلاق يأتي «أمام انتكاسة عملية السلام عقب الأعمال اللاإنسانية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية منذ أسابيع في حق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل واستخدامها الآلة الحربية لقتل المدنيين الأبرياء". كما أضاف البلاغ أن القرار المذكور جاء «نظرا للظروف الخطيرة التي خلقتها الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وموقفها المتعنت بإعلانها (يوم الأحد) عن توقيف عملية السلام، وكذا نظرا لمسؤولية المغرب والتزاماته في نطاق لجنة القدس التي يرأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس». وذكر البلاغ بأن مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب كان «المغرب قد بادر بفتحه من أجل دعم عملية السلام واعتماد الحوار والتفاهم بدل لغة القوة والغطرسة للتوصل إلى السلام الشامل والعادل. آراء ومواقف إسرائيل وراء الإغلاق ليس المغرب من أغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط والمكتب المغربي في تل أبيب، إنها إسرائيل التي أغلقت كل المنافذ أمام استمرار عملية السلام في الشرق الأوسط وزادت على ذلك عبر إقبار كل الاتفاقيات والتعهدات التي كان يعول عليها لإحراز التقدم في المسارات متعددة الأطراف بل إنها من خلال إماطة اللثام عن الوجه البشع كيانها القائم على العنف والاستيطان والتقتيل والاستهانة بالمشاعر والقيم، أبانت عن استحالة قيام السلام الذي تمنحه إسرائيل كل يوم مزيدا من شواهد الوفاة. ليس هذا فحسب، لكن إسرائيل من خلال تنكرها للاتفاقيات ومن خلال شنها حرب الإبادة ضد الفلسطينيين تكشف النقاب عن وجود مخطط أكبر يرمي إلى العودة إلى نقطة الصفر التي لا تعني سوى استمرار الاحتلال وتزايد حركة الاستيطان وشن العدوان على الرعايا الفلسطينيين العزل. وبالتالي فإن هذه العودة تتم على مستويين سياسي من خلال الإعلان عن وقف عملية السلام، وعسكري عدواني من خلال حرب التقتيل التي لا تستثني الأطفال أو الشيوخ أو النساء، أو حتى المباني التي يلجأ إليها الفلسطينيون طلبا للحماية، والأدهى من ذلك أن هناك ترابطا بين المستويين، فقد أعدت إسرائيل أجواء ملائمة لتدهور الأوضاع الأمنية، وتحديدا عبر المساس بالمشاعر والاستهانة بالقيم، ثم اللجوء في غضون ذلك إلى قصف مفهوم السلام في روحه ومضمونه لتخلص في نهاية المطاف إلى تدمير كل الآمال. حين نقول إن إسرائيل هي التي خلقت الأوضاع الراهنة وضمنها إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط فإن ذلك يستند إلى الحقائق البارزة في ساحة الميدان وما فعله المغرب في هذا النطاق هو أنه استجاب لنداء الضمير ولأوقاف القانون الدولي، وأيضا لالتزاماته العربية والإسلامية التي وضعت في عنقه أمانة الدفاع عن القدس الشريف وتكمن أهمية المواقف الذي يعكسه قرار إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط في أنه صادر عن المغرب الدولة التي كانت سباقة لبلورة خيار السلام لتسوية أزمة الشرق الأوسط في وقت لم يكن فيه متاحا الحديث عن آفاق السلام، وكذا الدولة التي أكدت الوقائع إنها كانت دولة مواجهة بالمفاهيم السياسية والعسكرية والثقافية للمواجهة، وكانت أيضا الدولة التي حشدت أنواع التأييد والدعم للقضية الفلسطينية فضلا عما تتسم به من الاعتدال والواقعية والالتزام بأوقاف الشرعية الدولية. لقد كان بيان الخارجية المغربية واضحا حين حدد أسباب النزول في الموقف المبدئي الشجاع الذي اتخذه المغرب، وهي تتعلل بانتكاس عملية السلام التي ضربتها إسرائيل في الصميم من جهة، وأيضا بإقرار السلطات الإسرائيلية بوقف هذه العملية من طرف واحد من جهة ثانية ينضاف إلى ذلك وضع الانفتاح المغربي في سياقه التاريخي والقانوني والسياسي حين أقر فتح مكتب الاتصال بالرباط مع دعمه لعملية السلام في الشرق الأوسط لكن انتفاء الشروط والمواصفات التي كانت وراء ذلك الانفتاح أصبحت تحتم اللجوء إلى الموقف المنطقي، سيما وأنه لا توجد أية روابط قانونية أو سياسية بين المغرب والكيان الإسرائيلي، ولا توجد أية التزامات مشتركة عدا ما كان يتعلق بجهود سياسية لإنجاز التسوية العادلة لأزمة الشرق الأوسط بارتباط مع الانصياع إلى قرارات الشرعية الدولية. إن القوة التي قدمها المغرب في هذا النطاق كانت سابقة لمؤتمر القمة العربي الطارئ في القاهرة، وقد بدأت عبر دعوة المندوب الديبلوماسي للمغرب في إسرائيل، وواكبها حضور فاعل للمغرب في نطاق لجنة القدس التي يرأسها جلالة الملك، وكذا في سياق المشاورات التي قام بها جلالته قبل ذلك مع الرئيسين الأمريكي بيل كلينتون والفرنسي جاك شيراك، لتتوجه بعد ذلك عبر قرار إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط والمغربي في إسرائيل. محمد الأشهب الصحراء 25 أكتوبر 2000 العدد 4297