من لا علم له لا دعوة له، ولو تساءلنا عن مصدر الدعوة لوجدنا أن المصدر الأساسي للدعوة في الإسلام هما القران الكريم والسنة النبوية، ولا يمكن فهما إلا بمتابعة جهود العلماء في مختلف الجوانب الدراسية للقرآن والسنة، والبحوث في مجال الكون الشخصية البشرية. وإن اكتساب الثقافة المتعددة الجوانب المختلفة الأبعاد تتطلب مجهودات يومية، وتقتضي مثابرة زمنية طويلة، ومن ثم كان التعليم ينطلق من الصغر ويتدرج الإنسان فيه بين عدة مراحل ليأخذ بعد ذلك الوجهة المقدرة له في مسالك العلوم. ورغم هذا الاتجاه للأخذ بمراحل التعليم فإننا نجد كثرا من الخلائق يتعرضون للاندحار في المراحل الأولى، أو التراجع البعضي أو الكلي، إذا لم تحل بهم مصيبة التخلي النهائي عن القراءة والتي تؤدي إلى الانفصال حتى عن المطالعة العادية المطلوب من الشخص ممارستها ليبقى على علاقة بالحياة. وطلب العلم خصه الإسلام كتابا وسنة بأهمية بالغة، وحظ عليه حضه على الفرائض، لأن الفرائض لا يمكن ممارستها على حقيقتها الشرعية سواء من حيث الباطن أو الظاهر إلا بعلم. ومن ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: >العلم إمام العمل< بل إن المساواة بين العالم وغيره لاتحضر في هذا المجال، فعندما تساءل القرآن الكريم بهذا السؤال الاستنكاري الذي لا يمكن الإجابة عنه إلا بالنفي، فهو وضع حدا فاصلا بين المقارنة بين العالم وغير العالم ليبعد كل ما عدا العالم بالسؤال عن حضيرة العلم، فقول الله عز وجل: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) كلمة فصل توقظ الغافلين، وتوحي كليا بعدم المقارنة، وحتى لا يدعي العلم من لا علم له. والسؤال المطروح الآن أمام تهافت الناس على الدعوة كما يقولون ويعتقدون أن جلسة هنا أو هناك مع هذا الفرد أو ذاك، ربما أقل منهم ثقافة وعلما كافية ليصبحوا من الدعاة؟ وقد تفضل عدد من العلماء الكبار الغيورين على الإسلام والمسلمين بتوجيه أنظار الذين يخوضون في الدعوة دون علم أن هذا الأمر يحتاج إلى تكوين، وهذا التكوين يحتاج إلى وقت، والوقت يحتاج إلى برامج، والبرامج تحتاج إلى تسلسل، وكل هذا يحتاج إلى إشراف منتظم. وبالرغم من صيحات هؤلاء العلماء الأجلاء، فإن جل الذين خاضوا في الدعوة من الأوساط العامة اعتقدوا أن مجال الدعوة تبعا للتوجيهات التي أعطيت لهم، والحماسة التي انغمروا فيها يمكن أن يمارسه أي واحد دون مراعاة للمؤهلات المطلوبة، ناسين أن العلم عملية تواصلية تحتاج إلى تراتبية في التكوين. وإن أصعب مسار في الحياة هو مسار طلب العلم، ولذلك نجد المقبلين عليه يحظون بالتكريم من الله عز وجل، ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أعطى الله تعالى مكانة مرموقة للعلماء في الدنيا والآخرة، وخصهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحق في إرث لا مثيل له ولا يدركه إلا هم ألا وهم إرث النبوة، فقال عليه الصلاة والسلام: >العلماء ورثة الأنبياء< وهذا الاستحقاق بإرث النبوة يدل أن لهم وحدهم الحق في تبليغ الرسالة والقيام بالدعوة، ومن أراد أن يكون له حظ في ممارسة الدعوة أن يعد نفسه لها بالعلم لا بالتقاط كلمة من هنا وأخرى من هناك. فكثير من الفئات يخوضون في الدعوة دون علم فيقولون ما لا يعرفون، وينطقون بما لا يفهمون، والويل لمن سولت له نفسه تذكيرهم أو حفزهم على طلب العلم والاستعداد للدعوة من وجهها الصحيح، فإنهم قد يخرجونه من الإسلام، ويصفونه بأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان. فمجالستهم تشعر المتتبع بأنهم لا يقدرون العلم، ولا يعرفون قيمة العلماء، يعيشون عصور ما قبل القرآن والقرآن بين أيديهم. ومع ذلك يتصدرون المجالس، ويتشدقون باستشهادات عرفت تحويلا عن معانيها بسبب تناقلها بين أصحاب هذه المفاهيم، معتقدين أن استشهاداتهم بتعزيزها بأسماء العلماء كافية لإضفاء صفة الدعوة على دعاويهم، مع أنهم يرتكبون ذنبين: ذنب انعدام الأمانة العلمية، وذنب مخاطبة الجلاس كعلماء دعوة وهم غير مؤهلين لها، كمن يمارس مهنة دون العلم بها. فلو ولوا وجوههم قبل غير المسلمين للاحظوا اهتمام هؤلاء بطلب العلم وتقديرهم للعلماء، بالرغم من أن الوجهة مختلفة، فهؤلاء غايتهم معرفة الحياة وفهم التعامل معها، ودراسة الناس لقيادتهم وفق مصالحهم، في حين أن الدعاة الغير المؤهلين علميا كان في إمكانهم أن يكونوا أكثر حرصا على طلب العلم لمكانة المهمة أولا، ولاعتبار الدور ثانيا، البعد الدنيوي والديني ثالثا، والطمع في جزاء رب العالمين رابعا. لولا أنهم وضعوا الثقة فيما عندهم من قلة العلم، وهذا لاشك من عمل الشيطان الذي قال فيه الحق سبحانه: (وكان الشيطان للإنسان خذولا)، فهل هناك أكثر من هذا الخذلان: إن يدعي الإنسان ما ليس له؟ محمد سعيد أخناشر