بعد اعتماد الميثاق الجماعي الجديد لمبدأ ونظام وحدة المدينة، تفاديا لسلبيات نظام المجموعة الحضرية، ورغبة في تكريس الديمقراطية المحلية وبعد مرور حوالي عشرة أشهر على تطبيقه، بقصد توحيد وعقلنة تدبير شؤون المدينة التي يتجاوز عدد سكانها500ألف نسمة برؤى شمولية وتصورات متكاملة من خلال مجلس للمدينة ومقاطعات هي بمثابة فروع ترابية للجماعة الحضرية تسيرها مجالس منتخبة دون أن تتمتع بالشخصية المعنوية. ولتسليط بعض الضوء على جديد تطبيق بعض بنود الميثاق الجماعي الجديد، تضع التجديد بين يدي قرائها مقالا يرصد أهم الخلاصات التي تداولها الممارسون لتدبير الشأن المحلي، وكذلك الباحثون المهتمون بخصوص النتائج الأولية لتطبيق نظام وحدة المدينة، وحوارا مع الأستاذ جامع المعتصم مستشار بالغرفة الثانية، ورئيس مقاطعة تابريكت بمدينة سلا يطرح فيه وجهة نظر ممارس في الميدان حول تداعيات تطبيق نظام وحدة المدينة وما ينبغي القيام به لتدارك بعض الاختلالات. لم يكد يمضي على تاريخ بداية العمل بنظام وحدة المدينة السنة حتى بدأ العديد من المنخرطين في تدبير الشأن المحلي، والباحثين المهتمين بأموره يطالبون بضرورة إعادة النظر في الميثاق الجماعي الجديد والقيام بالمراجعات اللازمة فيما يتعلق بنظام وحدة المدينة، الذي جاء كبديل عن نظام المجموعة الحضرية، وذلك لوجود العديد من الثغرات كشفت عنها الممارسة والتنزيل لمدة تقارب عشرة أشهر، فما هي دوافع المطالبين بالمراجعة؟، وهل استطاع نظام وحدة المدينة أن يحل المشاكل التي راكمها نظام المجموعة الحضرية؟ وهل يمكن أن نعتبر مدة عشرة أشهر كافية للحكم عن مدى نجاح أو فشل نظام وحدة المدينة في تحقيق المراد؟ بعد عشرة أشهر جاء مفهومنظام وحدة المدينة الذي اعتمد في الميثاق الجماعي الجديد كتعبير سياسي عن الرغبة في إعادة تأهيل المدن المغربية الكبرى وانتشالها من نقائص وعيوب نظام المجموعات الحضرية، كما جاء استجابة للخطاب الملكي في افتتاح الدورة الأولى للبرلمان للسنة التشريعية20012000 حيث كان جلالة الملك محمد السادس قد دعا إلى إصلاح الميثاق الجماعي، وإحداث نظام جديد لإدارة المدن يكرس مبدأ وحدة المدينة المسيرة من قبل مجلس المدينة الذي يمارس كافة المسؤوليات البلدية، وإلى جانبه مجالس للمقاطعات بمثابة وحدات فرعية غير متمتعة بالشخصية المعنوية، والاستقلال المالي بتدبير الشؤون التي تتطلب القرب من المواطنين. وذلك في أفق تفعيل إمكانيات المدينة وضمان التناسق على مستوى التصورات بين المسؤولين وتقوية الانسجام المرجعي والمنهجي في البرمجة وتوزيع المهام والتدخلات في تدبير شان المدينة وكل التجمعات السكنية التابعة لها، وبالتالي توحيد مركز القرار والحرص على خلق توازن بين أطراف ومقاطعات المدينة. وهو ما تحقق بالفعل على المستوى النظري في تعديل الميثاق الجماعي وسار أمرا واقعا في القانون00,,78 غير أن أقل من عشرة اشهر من تنزيل المفهوم المذكور في ست مدن على أرض الواقع كشفت العديد من الاختلالات والنقائص خبرها الممارسون للشأن المحلي، وتحدث عنها الباحثون والمهتمون، وهي اختلالات في الميثاق الجماعي الجديد كنص وفي المنزلين له كذلك، الأمر الذي يهدد بضرب فلسفة وحدة المدينة التي جاءت كبديل عن نظام المجموعة الحضرية الذي فشل في تحقيق تنمية منسجمة للمدن التي كانت موضوع تطبيقه. وكما سبقت الإشارات فهناك أعطاب متعلقة بالنص وأخرى بالمنفذين أو المنزلين. أ-أعطاب النص يكاد يجمع كل من تحدث من الباحثين والمتتبعين أو الممارسين لتدبير الشان المحلي في المدن الكبرى على الخصوص أن هناك أعطاب وثغرات في الميثاق الجماعي الجديد تخلق المشاكل في التنزيل ومنها: -الغموض الكامن في تحديد الاختصاصات، سواء في تدبير الأملاك العامة والخاصة، أو تسيير التجهيزات، أو منح الرخص للملكيات المشتركة -إغفال الميثاق الجديد لمسألة تسليم الوثائق الإدارية غير المنظمة (التي لا علاقة لها بالحالة المدنية)، وتسليم الرخص الإداري. -الخلل الذي يعرفها مجال تسليم الرخص الفردية في التعمير. -الغموض في بعض جوانب التشريع من قبيل التناقض الحاصل في بعض النصوص عند التطبيق. -السماح لرئيس المقاطعة بان يكون آمرا بالصرف لحساب النفقات مع أن المقاطعة فاقدة للشخصية المعنوية. -تدبير المالية الجماعية وما تطرحه من مشاكل. -غياب نصوص قانونية أو تنظيمية واضحة تضبط عملية الإمدادات الأمر الذي يعطي للمركز سلطة تقديرية واسعة تسمح له باستعمال الامدادت المالية وفق برامجها وشروطها، وهو ما قد يؤثر على قرارات المنتخبين ويحد مجال المبادرة والإبداع والتفكير لدى المجالس المحلية بحكم أنها لا تتمتع بأي سلطة تقريرية حقيقية، وبالتالي ضعف الحماس والحرص عند المنتخبين في متابعة تدبير الشان العام وانحصار ذلك في أعداد جد محدودة بالمجلس الجماعي. -استمرار سلبيات نظام إمدادات ومساعدات الدولة على الرغم من عدم كفايتها لحاجيات التنمية المحلية، وعدم دفع سياسة الاقتراض عبر صندوق التجهيز الجماعي في اتجاه الاستقلال المالي للجماعات المحلية. هذا فضلا عن كون مسطرة طلب القروض وتسلمها من الصندوق المذكور باتت اعقد من شروط البنوك، وذلك لكون الصندوق المعني يطلب شروطا قد يصعب تحقيقها من طرف الجماعات المحلية، ويراعي في قبول إعطاء القرض مدى قدرة الجماعة المعنية على التسديد، مما حول صندوق التجهيز الجماعي إلى بنك بل أصعب منهن وبالتالي عجز الكثير من الجماعات على القيام بمشاريع ومصالح لقاطينيها خاصة تلك التي تفتقد على موارد مالية. ب:أعطاب المنزل والمنفذ تنضاف أعطاب المنزل لنص الميثاق الجماعي إلى أعطاب النص ذاته، بل تكاد تكون أكبر أثرا وسلبية من حيث تعطيل مقاصد الميثاق ومراميه. فبالإضافة إلى افتقاد المنتخبين للسلط والإمكانيات المالية، لأن هناك فاعلين آخرين إلى جانبهم وهم العمال والولاة والمصالح الخارجية وممثلو المرافق العمومية وشبه العمومية التي لا يملك المنتخبون اتجاهها أي رقابة أو أي مؤثر على الأقل، بالإضافة على ذلك كله هناك أعطاب كما سلفت الإشارة أو سلبيات معيقة لعمل مجلس المدينة والمقاطعات التابعة له تنبع أساسا من المنتخبين يمكن اختصارها في التالي: -الصراعات السياسية والحسابات الضيقة بين أعضاء المجلس الواحد والمقاطعة الواحدة: - التركيبة السياسية الهشة لمجالس المدن المعنية بنظام وحدة المدينة، خاصة وأن الأجواء الساخنة التي تم فيها انتخاب رؤساء المجالس أو ما يعرف بالعمداء نظرا لأن طبيعة النظام الانتخابي لم تساعد على انتخاب مجالس منسجمة بقدر ما أفرزت مجالس ملقنة ومشتتة بشكل كبير، وبالتالي غياب أي رابط مرجعي أو أيديولوجي أو موحد على مستوى البرامج والأهداف بين الأحزاب المشكلة لها. -التحالفات السياسية الغريبة التي شكلت المجالس الجماعية بالمدن الكبرى، حيث اختفت الفوارق بين الاشتراكي واليميني، وكانت المصلحة السياسية والانتخابية هي الحاسم، وهو ما أسال حينها مدادا كثير حول علاقة تلك التحالفات بتخليق الحياة السياسية وبمستقبل تدبير وتسيير الشان المحلي بالمدن الكبرى. - سيادة عقلية الحي والدائرة لدى جل المنتخبين الجماعيين وعدم قدرتهم على الانفكاك منها وغياب التفكير الشمولي في مصلحة كل ساكنة المدينة وحاجياتها. - نقص التكوين والتأهيل والكفاءة لدى عدد غير هين من المنتخبين الجماعيين الأمر الذي يؤثر بدون شك على المسار العام لتسيير مدن تتجاوز ساكنتها500ألف نسمة بكل حاجيتاها ومشاكلها. وكل ما سبق يدعو السلطة الوصية والمشرع إلى المسارعة بتجاوز أعطاب نظام وحدة المدينة وسد الثغرات من خلال مراجعة دقيقة للنصوص القانونية و خلق تمايز واضح في الاختصاصات من جهة، ويدعو الأحزاب السياسية إلى تحمل مسؤوليتها في تكوين وتأهيل منتخبيها وكذا في مراقبتهم في مدى التزامهم بخدمة المواطنين والوفاء بعهودهم للبلاد والعباد. المقاطعة هل هي مجرد وسيط؟ أثبتت تجربة حوالي عشرة أشهر كما سلف من تنزيل مفهوم نظام وحدة المدينة رفقة مجالس للمقاطعات أن هذه الأخيرة وحسب ممارسين لا تمتلك إلا صلاحيات ضعيفة، مع أنها الأقرب للمواطن، وهو ما يولد شعورا لدى رؤسائها مفاده أنهم سيكونون أول المحاسبين على نتائج تسيير الشؤون اليومية للمواطنين وهي نتائج لا يتحملون كامل مسؤوليتها لأنهم لم يكونو إلا وسطاء بين المواطنين ومجلس المدينة وتحد يدا الرئيس وفريقه. وهذا يستدعي برأيهم التفكير في صيغ أخرى تعطي لرؤساء المقاطعات صلاحيات أكبر يمكن أن تساعدهم أكثر على الاستجابة للعديد من حاجيات المواطنين وتكرس سياسة القرب التي ينشدها نظام وحدة المدينة نفسه، خاصة أن واقع حال المقاطعات بعد تنزيل الميثاق الجماعي الجديد جعل البعض يحس بأن القرار أصبح بعيدا من المواطنين، وأن مجموعة من الاختصاصات التي تترجم خدمات القرب للمواطن لم تعد قريبة منه بل أبعدت عنه، وبدل أن يتم تطبيق نظام وحدة المدينة في إطار ترسيخ اللامركزية حصل عمليا العكس أي في إطار المركزية، والحاصل أن تحقيق اللامركزية وتفادي المشاكل في المدن الست الكبرى على حد تعبير المستشار جامع المعتصم رهين بالجمع بين العمل بنظام وحدة المدينة وممارسة مجلس المدينة لصلاحياته في كل ما هو مهيكل لها ومحافظ على وحدة مشروعها في كل مجالات التجهيز المؤثرة على وضعية المدينة، وبين إعطاء المقاطعة صلاحية في كل ماله علاقة بخدمات القرب من المواطنين. وقد سبقتنا فرنسا التي اقتدى المغرب بمنهجها في تدبير الشأن المحلي وطبقت نظام وحدة المدينة لأزيد من 22 سنة في ثلاثة مدن (باريس وليون ومارسي) ، ووجدت نفسها بعد ذلك مضطرة لإعادة النظر في صلاحيات المقاطعات لتفادي كل النقائص وخاصة في العاصمة باريس، وعلى رأسها ما يصطلح عليه بحرب الصلاحيات بين رئيس مجلس المدينة وبين رؤساء المقاطعات الذين يشتكون من محدودية صلاحياتهم أمام جسامة ما هو منتظر منهم. خاتمة لايمكن الحسم على أقل من عشرة أشهر من تطبيق نظام وحدة المدينة والحكم بفشله في حل مشاكل التجمعات السكنية الكبرى، لكن التداعيات الأولية كشفت ثغرات ونقائص تستدعي التعجيل بإيجاد حلول لها لتطوير وتقوية آليات تسيير وتدبير الشأن المحلي سواء من الناحية التشريعية أو من الناحية الثقافية، لأن الجانب الثقافي والتكويني أساسي في نجاعة وفعالية أي تغيير أو قانون، وهي المهمة التي يتحمل مسؤوليتها بالأساس الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني كذلك. محمد عيادي