بالرغم من أن تجربة وحدة المدينة مكنت ، بعد ست سنوات من تطبيقها بطنجة، من ضمان تدبير متناسق للنسيج الحضري للمدينة من خلال استراتيجية موحدة، إلا أن النتائج جاءت متباينة في المقاطعات الأربع المكونة لهذا النسيج بمدينة البوغاز. لقد كانت مدينة طنجة بالفعل من بين المدن التي اختيرت لتطبيق تجربة وحدة المدينة ، وذلك لمواجهة الاختلالات الناجمة عن التقطيع الإداري للنسيج الحضري والمتمثلة في تجزئ المؤهلات الذاتية للمدينة وبالتالي الحد من قدرتها على وضع مخططات وبرامج متناسقة للتنمية المحلية. وحدة المدينة: رؤية موحدة لتجاوز الاختلالات وفي هذا الصدد اعتبر رئيس مقاطعة الشرف امغوغة، السيد عبد العزيز بنعزوز، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن تجربة وحدة المدينة بطنجة مكنت من تظافر جهود المنتخبين وعملهم في إطار رؤية موحدة ومنسجمة لتسيير الشأن المحلي. وأضاف السيد بنعزوز أن تجربة العمل الجماعي في إطار مجلس المدينة أعطت ثمارها بالنسبة لجودة التسيير، كما ساهمت في تحديد مجموعة من الاختلالات وإيجاد الحلول الملائمة لها بفضل تظافر الجهود وانسجام الرؤية. في السياق ذاته، أبرز عضو مجلس المدينة ورئيس لجنة البيئة والتطهير والصحة بالمجلس السيد يحيى مدني، أن نظام وحدة المدينة مكن من تجاوز العديد من الصعوبات المرتبطة بالتنسيق بين المقاطعات الأربعة وبالتالي ضمان تدبير أفضل للشؤون المحلية. غير أن باحثين ومراقبين اعتبروا أن تجربة وحدة المدينة خلال مدة الانتداب الحالية المشرفة على نهايتها عانت من "ثغرات" عدة جعلت التجربة في حاجة لإصلاحات ، جاء بعضها في التعديلات التي أدخلت على الميثاق الجماعي سنة 2008، كمنح اختصاصات جديدة لمجلس المدينة ومجالس المقاطعات بهدف الرفع من فعالية ومهنية الإدارة المحلية في تدبير المرافق العمومية، وكذا من مردودية برامج التنمية الحضرية. وفي هذا السياق يرى الباحث وأستاذ القانون بجامعة عبد المالك السعدي، محمد العمراني بوخبزة، أن تجربة وحدة المدينة بطنجة شابتها بعض "الاختلالات الموضوعية"، موضحا أن استحواذ مجلس المدينة على أغلب اختصاصات المقاطعات خلق "لبسا" لدى المواطن حول مسؤولية تدبير المرافق العمومية. ولاحظ أن تطبيق تجربة وحدة المدينة لم تسبقه مجهودات لتأهيل المقاطعات الناقصة التجهيز (بني مكادة والشرف امغوغة) مما خلق وضعية "غير متساوية" بين المقاطعات الغنية والمقاطعات الأقل تأهيلا، مشيرا إلى أن برامج التأهيل الحضري جاءت "لاستدراك هذا التفاوت". وبهذا الخصوص أعطيت ، في غشت الماضي ، الانطلاقة لبرنامج التنمية الحضرية لمدينة طنجة (2009 - 2013) بكلفة مالية إجمالية تبلغ مليارين و460 مليون درهم، سيوجه نصفها إلى مقاطعة بني مكادة التي تعاني أكثر من غيرها من نقص في التجهيز. وقد انصب تعديل الميثاق الجماعي سنة 2008 في هذا الاتجاه من خلال إحداث هيئة استشارية لدى المجلس الجماعي تدعى "ندوة رؤساء المقاطعات" يرأسها رئيس المجلس الجماعي وتجتمع على الأقل مرتين في السنة من أجل تنسيق ومناقشة وتبادل الآراء بخصوص برامج التجهيز والتنشيط المحلي، التي تهم المقاطعات الأربعة المكونة للمدينة، وكذا مشاريع التدبير المفوض للمرافق العمومية. إعادة انتشار الموارد البشرية وعلى مستوى الكفاءات المحلية، دعا السيد بنعزوز إلى ضرورة إعادة انتشار الموارد البشرية على الجماعات المحلية بشكل يضمن استفادة المقاطعات من الأطر والكفاءات القادرة على صياغة وتنفيذ مخططات التنمية المحلية والمساهمة من جانبها كإدارة قرب من المواطن في تنفيذ مشاريع تطوير النسيج الحضري. ويشاطر هذا الرأي الأستاذ بوخبزة الذي يرى أن قلة الأطر المؤهلة (9 بالمائة فقط من مجموع المستخدمين بالجماعات المحلية ومجالس المدن) يحول دون قيام هذه الأخيرة بدورها كوحدة للتدبير المحلي الاستراتيجي، خصوصا مع الاتجاه نحو ضمان استقلالية أكبر للجماعات في وضع وتنفيذ برامج التنمية الحضرية. أما بخصوص التدبير المفوض لخدمات الماء والكهرباء والتطهير السائل والصلب بطنجة فقد اختلفت الآراء ، إذ في الوقت الذي يرى فيه السيد يحيى مدني، أن عقود التدبير المفوض مكنت من "رفع مستوى الخدمات" وعقلنة هذا التدبير ، اعتبر السيد بنعزوز أنه "يتعين إعادة النظر في هذه العقود بشكل يراعي مطالب الساكنة". من جهته، أوضح الأستاذ بوخبزة أن "مراقبة تطبيق عقود التدبير المفوض وفق دفتر التحملات يتطلب من مجلس المدينة التوفر على آليات قوية وصارمة يفتقر إليها حاليا، خصوصا وأن الشركات المستفيدة من هذه العقود تملك خبرة دولية في هذا المجال". ولهذه الغاية فمن المنتظر أن يتم ،بعد الانتخابات الجماعية المقبلة ، تعميم نظام وحدة المدينة على الحواضر المغربية التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة. ذلك أنه بفضل الموارد البشرية والمالية، فإن المنتخبين المحليين مدعوون لأن يضطلعوا بدورهم كفاعلين رئيسيين في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وأن يتحملوا المسؤولية الكاملة في تدبير الشؤون المحلية.