بمشاركة حوالى 50 الف شخص من مسؤولين محليين ورجال أعمال وعلماء وناشطين حقوقيين، تم تخليد مؤتمر «ريو 20+»، بعد عشرين سنة التأم شمل المجتمع الدولي في نفس المكان «ريو دي جانيرو» من أجل تقييم الانجازات التي تم تحقيقها خلال هذه السنوات في مجال محو الفقر والحفاظ على البيئة، والجهود المبذولة لتفعيل مبادئ التنمية المستدامة خصوصا في إطار المذكرة 21 والاتفاقيات الثلاثة المنبثقة عن هذه القمة ( اتفاقية مكافحة التصحر، اتفاقية التنوع البيولوجي، والاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ). فما الذي حققه المغرب خلال العشرين سنة في مجال التنمية المستدامة؟ وكيف قدم نفسه في قمة الأرض في البرازيل؟ أعد المغرب تقريرا في يونيو الجاري حول التنمية المستدامة في المغرب الانجازات والآفاق تناول فيه هذه الانجازات من «ريو « الى «ريو 20+»وتم من خلاله تحليل حصيلة منجزات المغرب في العشرين سنة الماضية وفق اربعة محاور وهي محور الحكامة والمحور الاجتماعي والمحور الاقتصادي ثم المحور البيئي. التقرير اعتبر ان حصيلة منجزات المغرب خلال العشرين سنة الماضية تعتبر «على العموم جد ايجابية» وقدم عددا من المؤشرات والمعطيات التي تخص المجالات الأربع المذكورة. التقرير أشار إلى أنه رغم السياق الذي وجد فيه المغرب في السنوات العشرين الماضية والمتسم بالهشاشة وبإكراهات من قبيل تراجع الموارد المائية والطلب المتزايد على مصادر الطاقة والاعتماد على مصادر طاقة خارجية تكلف 11 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، رغم هذا السياق إلا أن المغرب عرف «تطورا اقتصاديا». الحكامة..تطور الحكامة الوطنية والمجتمع المدني استعرض تقرير المملكة تطور الحكامة الوطنية مع إشارة إلى التعديل الدستوري الأخير والذي حسبه هو بمثابة الأداة الممهدة لنقطة التحول الديمقراطي في المغرب. كما يتناول التقرير تطور الحكامة على المستوى الجهوي في إشارة إلى مشروع الجهوية المتقدمة الذي يهدف إلى تقسيم البلاد إلى 12 جهة بدل 16، كما يشير التقرير إلى ميثاق الوطني لإعداد التراب والتنمية المستدامة والذي يشكل إطارا مرجعيا يسمح بتحقيق الانسجام بين مختلف السياسات القطاعية وتعزيز تكاملها، ويشير التقرير إلى أن المغرب يتوفر اليوم على مقاربات مجالية حديثة وأدوات فعالة من شأنها وضع أسس تفعيل التنمية المستدامة على المستوى الوطني الجهوي أو محلي. يشير التقرير المغربي أيضا إلى تطور المجتمع المدني والذي دفع نشاطه ودوره أصحاب القرار إلى اتخاذ المزيد من الالتزامات بغية المحافظة على البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، كما أن المجتمع المدني أصبح مكونا رئيسيا في الحياة الاقتصادية والتاجتماعية مظرا لقربه من الساكنة واهتمامه بحاجيات واهتمامات المواطنين في شتى المجالات كما ان التعاون الذي طوره مع السلطات االعمومية والقطاع الخاص من خلال اتفاقيات الشراكة قد عزز دوره وساهم في تطوره، مشيرا إلى دراسة أعدتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2007 والتي مكنت من إحصاء أزيد من 44 ألف جمعية بمجموع 15 مليون عضوية. وبخصوص تنفيذ المغرب الالتزامات الدولية، يشير التقرير إلى أن المملكة وقعت على أغلب الاتفاقيات الدولية في مجال البيئة، أزيد من 80 اتفاقية متعددة الأطراف متعلقة بالبيئة، إذ وقع المغرب على الاتفاقيات الثلاث لقمة ريو، كما قام بإنشاء إطار مؤسسي وقانوني مكنه من الوفاء بجميع الالتزامات المنصوص عليها في إطار الاتفاقيات الثلاثة. النشاط الاقتصادي.. تغيرات بنيوية وانخفاض تأثير الجفاف على هذا النشاط توجت دينامية النشاط الاقتصادي خلال العقود الثلاثة الأخيرة بتغيرات بنيوية وبمساهمات في نمو الناتج الوطني الخام والتي تختلف حسب القطاع. ويبين التحليل القطاعي للنمو الاقتصادي تناميا في خدمات الاقتصاد المتعلقة بالنسيج الانتاجي الوطني، بالإضافة لمساهمة ملموسة للقطاعات ذات القيمة المضافة القوية وجزء اكبر من خدمات الجيل الجديد التي اصبحت تكتسح الساحة على حساب القطاعات التقليدية. ويمكن اختصار السياسة الاقتصادية لهذه السنوات العشرين الاخيرة، حسب التقري، في ثلاث كلمات: الإصلاحات والحداثة وتحرير السوق. لقد أدى تنفيذ الاستراتيجيات القطاعية والعرضية منذ عقد 2000 إلى أخذ العناصر البيئية بعين الاعتبار بشكل تدريجي وذلك حسب محورين: الحد من التلوث والفصل بين أداء القطاعات بالضغط على الموارد. ومن بين الاستراتيجيات العرضية نجد الاستراتيجيات الرامية إلى تحسين كفاءة الطاقة والمياه، والبرنامج الوطني الاستعجالي والتي تضم برنامج تعميم استعمال المصابيح الاقتصادية والذي يهدف لوضع 22,7 مليون مصباح في أفق 2012 مع القضاء تدريجيا على المصابيح المتوهجة، كما يسعى البرنامج الوطني للنجاعة الطاقية لاقتصاد 15 بالمائة من الطاقة في أفق 2020، ثم استراتيجية المياه والتي تم تبنيها لمواجهة تحدي ندرة هذا المورد الحيوي والتكيف مع آثار الاحتباس الحراري المسبب في عدم انتظام التساقطات أو طول فترة الجفاف، وتسعى هذه الاستراتيجية ترشيد استعمال المياه في جميع القطاعات وخاصة في الفلاحة. وفي مجال النقل الطرقي، عمل المغرب على الحد من إعادة تجديد حظيرة النقل الطرقي للسلع والذي يتجاوز عمرها عشر سنوات قصد الحد من انبعاث الغازات الضارة، وترقية نظام مراقبة الطرقية والمراقبة التقنية من أجل مراقبة أكثر صرامة لانبعاث الغازات الضارة، ثم تطوير وسائل للنقل تحترم البيئة بدء برامج تطوير السكك الحديدية اقتراح تعميم خيار الطرامواي في جميع التجمعات الحضرية التي تحوي أزيد من 500 ألف نسمة. التقرير يشير إلى أن الاستراتيجية الوطنية لتنمية التنافسية اللوجيستية والتي ترافق باقي الاستراتيجيات القطاعية مثل المغرب الأخضر، ايميرجونس، هاليوتيس تسعى لتعزيز الإدارة المثلى لتدفق السلع للرفع من نمو الناتج المحلي الخام من 3 إلى 5 في أفق 2015 وسيؤدي تنفيذ هذه الاستراتيجية الى خفض انبعاث ثاني اكسيد الكربون ب 35 بالمائة في افق 2015 كما سيقل احتقان الطرق والمدن، ويصل الاستثمار المعبأ لتنفيذ هذه الاستراتيجية الى ما يناهز 2,4 مليار درهم. وخلص التقرير إلى أنه منذ سنة 2000 بدأ تأثير الجفاف على النشاط الاقتصادي غير الزراعي ينخفض تدريجيا بفضل الاستثمارات التي عرفها قطاع الماء والتي مكنت من الرفع من تعبئة المياه. البيئة..تقوية الإطار المؤسساتي والمغرب يعترف بخطورة الوضع يبرز عزم المغرب في جعل البيئة أولوية وطنية من خلال عدد من العناصر تطرق إليها التقرير المغربي في قمة الأرض منها تعزيز الإطار المؤسساتي، إذ مباشرة بعد قمة ريو 92 عمل المغرب على إحداث قطاع للبيئة لتنسيق العمل الحكومي في مجال المحافظة على البيئة، إضافة إلى تعزيز الإطار القانوني من خلال إصدار عدة قوانين بيئية وفقا للمبدأ 11 من إعلان ريو، ومن هذه القوانين قانون الماء ودراسة التأثير على البيئة وقانون تدبير النفايات الصلبة والمناطق المحمية وقوانين متعلقة بخلق وكالة الوطنية للطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية وغيرها من القوانين الأخرى. إلى جانب ذلك تم تعزيز المواكبة والتقييم من خلال خلق المختبر الوطني للبيئة وكذا المراصد البيئية ومن خلال تحديد مؤشرات التنمية المستدامة، ثم تعزيز الآليات الاقتصادية والمالية من خلال إحداث صناديق بيئية وطنية. وبالرغم من هذا التعزيز ما فتئت المشاكل البيئية تتسع على مستويات ترابية مختلفة، إذ أن التقارير حول الواقع البيئي التي أنجزتها الدولة تسجل خطورة الوضع فثمة تراجع حاد للموارد الطبيعية وللمحيط الحياتي للساكنة بسبب تلوث الهواء والمياه القارية والبحرية والتصحر وتراجع الغطاء الغابوي والتنوع البيولوجي للساحل وكذا مخاطر المطارح العشوائية للنفايات، وهذا الوضع له تأثيرات سلبية على صحة الساكنة وكذا على سيرورة النمو الاقتصادي بسبب نفاذ عدد من الموارد الطبيعية الضرورية للتنمية المستدامة للبلاد. لقد كان المغرب ملتزما بالحفاظ على تراثه البيولوجي إلا أنه يواجه باستمرار الصعوبات من أجل المحافظة على مجالاته وبيئاته البحرية بجميع مكوناتها، وتتمثل هذه الصعوبات أساسا في ضغط السكان المتزايد على الأشرطة الساحلية والانجراف الناتج عن توسع البنيات التحتية والأنشطة البشرية من طرق ومعامل ومركبات سياحية وهو ما يؤدي إلى ضياع ألف هكتار سنويا في المجال الساحلي بما فيه الغابوي، ثم التلوث الناتج عن الجزء غير المعالج من المقذوفات السائلة المنزلية والمعامل و الملاحة البحرية، مقابل محدودية وسائل المراقبة العلمية والمحافظة على الأنظمة البيئية البحرية مثل احترام قوانين الصيد في أعالي البحار. ومن الامثلة التي قدمتها المغرب والتي تقيس المطاف الذي قطعه خلال العشرين سنة الأخيرة المصادقة على معظم الاتفاقيات الدولية في مجال البيئة وإدراج محتوياتها ضمن الترسانة التنظيمية الوطنية، لكن التقرير المغربي ينبه إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار العوامل الخارجية السلبية في تنفيذ البرامج وإعداد المحاسبة البيئية والجباية البيئية الخضراء، وهي رهانات كبيرة يجب رفعها على المدى القصير والمتوسط نظرا لتأثيراتها المستدامة والعميقة. وتستوجب هذه التحديات استثمارات مالية ضخمة، حيث يجب وضع آليات متجددة لرفعها، وتعترف الدولة المغربية بأنها تواجه التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية ولا يمكنها بمفردها تحمل هذه التكاليف. ولذا تؤكد على ضرورة القيام بعمل جماعي ومسؤول على أساس المسؤولية المشتركة والمتفاوتة. المجال الاجتماعي...محاربة الفقر والأمية أولويات كبرى كشف التقرير أن المغرب ما زال يتابع جهوده لمحاربة الفقر والأمية وتكريس العدالة الاجتماعية من أجل تحقيق الأهداف الألفية للتنمية، وكذا العمل على مواكبة الشباب من خلال تكوين جيد من أجل الاندماج في سوق الشغل ولاسيما المهن الخضراء الجديدة والتي تطرح تحديا كبيرا. ويقدم التقرير عدد من المؤشرات في المجال الاجتماعي منها تراجع وفيات الأطفال والأمهات وارتفاع متوسط الأعمار ليصل حاليا 74 سنة. وبالنسبة للتربية فقد ارتفعت نسبة تمدرس الأطفال في المستوى الابتدائي من 52 بالمائة سنة 1991 إلى 97 بالمائة سنة 2010 بالنسبة للتعليم الثانوي الابتدائي بلغت نسبة التمدرس 79 بالمائة سنة 2010 وعلى المستوى الثانوي التأهيلي بلغت نسبة التمدرس 52 بالمائة. وبالنسبة لمجال التكوين المهني في مجال العمل فقد تم وضع عدد من التدابير لبلوغ هدف يقضي بتأهيل 50 بالمائة من الأشخاص الذين يتوافدون كل سنة على سوق الشغل في أفق 2010 مقابل 20 بالمائة التي سجلت سنة 1991. ومن المؤشرات الاخرى في المجال الاجتماعي أن نسبة السكان الذين يعرفون القراءة والكتابة وتتعدى أعمارهم عشر سنوات قدرت ب 60.3 بالمائة سنة 2009 مقابل 45 بالمائة سنة 1994 وفي الوسط القروي انتقلت هذه النسبة من 25 بالمائة إلى 44.4 بالمائة، وفي مجال محاربة الفقر فقد تمكن المغرب خلال الخمسين سنة الماضية من تحقيق تقدم هام بما أن 3.6 بالمائة من السكان يعيشون حاليا تحت عتبة الفقر. وبلغ ربط العالم القروي بشبكة الطرق سنة 2012 نسبة 80 بالمائة مفقابل 36 بالمائة سنة 1994 كما بلغت نسبة الولوج للماء الصالح للشرب 92 بالمائة سنة 2012 مقابل 14 بالمائة سنة 1994 اما نسبة التزود بالكهرباء في العالم القروي فبلغت 97.4 بالمائة هذا العام مقابل 14 بالمائة سنة 1994. التقرير يتحدث عن التقييمات المنجزة في السنوات الأخيرة، والتي خلصت إلى أنه رغم المجهودات المبذولة والتقدم الذي يعرفه قطاع التربية فإنه يبقى مواجها لعدة عقبات والتي تقلص من وتيرة تطوره. ويشكل الفقر والعزلة العوائق الرئيسية للتمدرس والهدر المدرسي وتتمثل العوامل الأخرى في نوعية وجودة البنيات التحتية في الوسط القروي، وإضافة إلى تعميم التعليم يوصي التقرير بضرورة رفع تحدي الجودة في نظام التربية والتكوين وأن يتكيف مع متطلبات القرن 21. كما يجب على نظام التربية والتكوين أن يستجيب لمتطلبات التنمية السوسيو اقتصادية وضمان حد أقصى من تكافأ فرص النجاح المدرسي والمهني.