يستعد المجتمع الدولي لتنظيم المؤتمر الدولي حول التنمية المستدامة في يونيو 2012 المقبل ( ريو + 20). وفي أفق التحضير لهذا المؤتمر الحاشد على المستويين الدولي والوطني، وبغية تقديم ما تحقق من منجزات ومبادرات أساسية، وما سجل من معيقات على مستوى التنمية المستدامة بالمغرب في العشريات الأربع الأخيرة، بادر النادي المغربي للبيئة والتنمية إلى تنظيم ملتقى علمي وتشاوري حول موضوع «التنمية المستدامة بالمغرب من ريو 92 إلى ريو + 20:المنجزات و المعيقات و الآفاق.» تناول الأستاذ محمد فتوحي، رئيس النادي المغربي للبيئة والتنمية (CMED ) خلال الجلسة الافتتاحية سياق مبادرة النادي للتحضير لريو+ 20، وكذا مفهومالاقتصاد الأخضر في سياق الحفاظ على البيئة ومحاربة أشكال الهشاشة والفقر وتحقيق التنمية المستدامة ، مذكرا بضرورة تقييم مدى التقدم المحرز في مجال التنمية المستدامة على مستوى الدول والمجتمعات المحلية . وأوضح الاستاذ الفتوحي أن دواعي انخراط النادي ومواكبته لحدث المؤتمر الدولي ريو+20 يندرج ضمن انشغالاته، وتتبعه لمجمل التزامات المغرب السياسية وكذا منجزاته القطاعية في هذا المسار دولة ومجتمعا مدنيا منذ مؤتمر ريو1992 ، حيث سيشكل مؤتمر قمة الارض ريو+20 مناسبة جديدة لتقييم مفهوم التنمية المستدامة مجددا، وأين تتموقع الأممالمتحدة ومختلف الفاعلين الدوليين، ومنظمات المجتمع المدني سياسيا إزاء رؤى وتصورات تطرح بإلحاح إعادة النظر في المفاهيم الاقتصادية المهيمنة حتى الآن، والتي جعلتها الأزمات الاقتصادية المتتالية عرضة للنقد والمعارضة أكثر من أي وقت مضى. ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر في موضوع الاقتصاد الأخضر، يضيف الاستاذ الفتوحي ، جدالا حادا من جهة،بين أنصار السوق الحرة الخضراء (Green business) المدعومين من الشركات المتعددة الجنسيات والداعين إلى الزيادة في إنتاج الثروة، وإحلال التكنولوجية الخضراء ومناصب الشغل الخضراء( في إطار ما يسمى بالخطة الخضراء الجديد( Green new deal) تدريجيا محل التكنلوجية الملوثة والرافضين لأية دعوة للحد من النمو وتوزيع السلطة والثروة، ومن جهة أخرى، أنصار حق الشعوب في البقاء والعيش الكريم المدعومين بمنظمات المجتمع المدني والداعين إلى ترشيد استغلال الثروة، وإعادة النظر في المفاهيم الكلاسيكية اللا أخلاقية للتنمية الاقتصادية غير المحدودة، وتحقيق العدالة في توزيع الريع والثروات على مختلف الشعوب بشكل لا يهدد استمرار الحياة على الكوكب. وأكد نائب عميد كلية علوم التربية، الأستاذ علال بلعزمية، على دور الجامعةو الباحثين في معالجة قضايا التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، فضلا عن مشاركة مختلف الأطراف الفاعلة المعنية من إدارات وجمعيات وإعلاميين وخبراء و باحثين في تناول مثل هذه القضايا الراهنةالتي ستعطي للموضوع دفعة جديدة. وقارب الأستاذ محجوب الهيبة، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان ، موضوع «المغرب من ريو 92 إلى ريو + 20 «، من زاوية حقوق الإنسان، حيث أبرز أن تطور مفهوم التنمية المستدامة مر عبر مسار طويل منذ مؤتمر الأممالمتحدة حول البيئة ( ستوكهولم 1972)، مرورا من قمة الأرض ) ريو 1992 بالبرازيل) إلى مؤتمر جوهنسبورغ حول التنمية 2002. وركز الهيبة كذلك على ضرورة تعميق التفكير قصد إيجاد مقاربات جديدة، وكذا إشراك جميع الأطراف المعنية، (Parties prenantes) مستعرضا المقاربات المراد اعتمادها والمرتكزة على مبدأ تعزيز دور المجتمع المدني واعتماد الديمقراطية التشاركية عوض الديمقراطية التمثيلية، ثم تبني نهج تفكير قانوني جديد بغية إبرام عقد طبيعي(Contrat naturel) عوض العقد الاجتماعي القديم (Contrat social )، مع إمكانية تناول مفهوم الاقتصاد الأخضر كمدخل لإعادة العلاقة بين الطبيعة والإنسان ، والربط بين الحق والواجب/ المسؤولية لتطوير مفهوم الديمقراطية التشاركية مع دعم سبل الالتقائية بين الجامعة و منظمات المجتمع المدني. وحدد الأستاذ الهيبة مجموعة من الخصائص تميز تناول المشاكل البيئية من منظور التنمية المستدامة، وحصرها في ستة مؤشرات تتمثل في المشاكل خفية، والتي هي صعبة التوقع، وغير القابلة للتجزئة، والتي تعاني من نقص على مستوى الحكامة، ومن عجز التحقيق إلى عجز على مستوى تنفيذ القرارات، ثم التي تستلزم ضرورة تجاوز الإقناع إلى درجة الاقتناع. ومن جهته تناول عبد الكبير المدغري العلوي مستشار البيئة والتنمية (برنامجالأممالمتحدة بالرباط)، محور مسلسل التحضير لريو+20 والسياق العام لهذا التحضير والتوجهات المميزة لعالم اليوم، مثيرا أهم التحديات البيئية القائمة وداعيا إلى دعم مسلسل التنمية المستدامة. وذلك أمام الضغط الديموغرافي المتفاقم خاصة في البلدان النامية، وما يشهده كوكبنا الأرضي من تغيرات هائلة وكوارث تقدر نتائجها الجسيمة بالمليارات، وما يعاني منه من آفات خطيرة كانتشار الفقر والمجاعات في العديد من بقاع المعمور، وذلك في زمان الاقتصاد الليبرالي والثورة التكنولوجية.. واستعرض الاستاذ عبد الكبير المدغري العلوي الاتجاه العالمي الحالي المتسم بالتحول على مستوى التوازن الجيوسياسي، وبروز حركات ديموقراطية تروم الحرية والمساواة والانصاف (الربيع العربي)، وتجلي نزعة تتطلع إلى اعتماد بدائل تنموية جديدة تقوم على أساس دعم التواصل التشاركي، و وضع محاربة الفقر في صلب التنمية المستدامة، وتبني معايير ناجعة لقياس الاستدامة الاجتماعية ودعم إرساء حكامة فعلية و فعالة و مرنة قصد الاستجابة لحاجيات التنمية المستدامة. ووقف الأستاذ عبد الكبير المدغري العلوي على ضرورة رفع التحديات للاستفادة من دروس ريو 92 على المستويين الشامل والمحلي، واعتماد مقاربات تنموية منصفة تراعي التقليص من الفقر، وخلق فرص الشغل، ودعم الفرص بالنسبة للنساء والشباب وكذا حماية الأنظمة الإيكولوجية الحرجة من أجل ضمان مستقبل بيئي سليم، ثم ولوج الجميع إلى الطاقات المستدامة وتعبئة جميع مكونات المجتمع واحترام الالتزامات. السياسة البيئية بالمغرب منذ ريو 92، محور عالجه بالتحليل الاستاذ رشيد فيرادي، عن كتابة الدولة في الماء والبيئة - قطاع البيئة، ليتحدث عن الحكامة البيئية بالمغرب القائمة على أساس التشارك بين مختلف الفاعلين من قطاع البيئة والجماعات المحلية والفاعلين الاقتصاديين وجمعيات المجتمع المدني، مبرزا جهود المغرب المبذولة على المستوى التشريعي ومستعرضا مختلف مراحل تطور القانون البيئي الوطني إلى حدود2009. كما أبرز انشغال المغرب القوي والمتزايد بالانفتاح على التحديات البيئية في محيطه الجهوي والعالمي، وذلك من خلال توقيعه على العديد من المعاهدات والاتفاقيات، معززا بذلك انخراط المملكة على مستوى القانون الدولي للبيئة. ولخص الأستاذ رشيد فيرادي مختلف الأدوات المعتمدة في تعزيز القدرات الوطنية التي تعتبر الرافعة الأساسية للسياسة البيئية بالمغرب، في مجال التعاون الدولي والمرصد الوطني للبيئة والتحسيس والتواصل والإعلام، ودعم الجمعيات ثم التشارك مع القطاع العام والقطاع الخاص. وعبر الاستاذ رشيد فيرادي عن كون الرأسمال الإيكولوجي في المغرب يظل مهددا بفعل النمو الاقتصادي والضغط الديموغرافي، حيث انتقل المغرب من مستوى التحسيس إلى مستوى العمل باعتماده لمقاربات متعددة الجوانب تهم المقاربة الترابية، وهي توقيع اتفاقيات إطار مع الجهات الستة عشر، ثم المقاربة التشاركية بين مختلف الأطراف المعنية والمقاربة البرنامجية كالبرنامج الوطني للنفايات المنزلية و ما يشابهها، ذلك أن هذه المقاربات تتم في إطار وطني مساعد يتمثل في الميثاق الوطني، استراتيجية التنمية تدمج البعد البيئي ، ومكتسبات مهمة كاللجنة الوطنية واللجان الإقليمية. أما محور البعد الاجتماعي للتنمية المستديمة فتناول من خلاله الأستاذ محمد عياد ، باحث في علم الاجتماع، مجال التعامل مع البيئة كشأن قديم، مقابل وعي بيئي جاء متأخر بعد الحرب العالمية الثانية نظرا لاستمرار الاستغلال الجائر للطبيعة، و ما ينتج عن ذلك من اختلال خطير في التوازن البيئي، مشيرا إلى أن الدول الصناعية المتقدمة هي المسؤولة عن تلوث البيئة العالمية، ولا تزال تلوث. وميز الأستاذ عياد بين الدول المتقدمة التي تتحكم في تلوث بيئتها الخاصة، إذ هناك نوع من التطابق بين الحراك والمردودية، بينما نجد في المقابل الدول النامية التي تعاني من اختلال التوازن ومن عدم القدرة على تحقيق هذا التطابق. وبالنسبة للمغرب، أوضح الأستاذ عياد أن دخول نمط الاقتصاد العصري منذ الفترة الاستعمارية، أفضى إلى خلخلة البنيات الاقتصادية والاجتماعية، مما تسبب في خلق نوع من الهشاشة، وأدى إلى ترييف المدن، وتفاقم العمران العشوائي، وتعقيد تدبير النفايات، وكذا إلى تنامي مشكل التصحر وتدهور الغطاء النباتي. وحاليا، تفاقمت التحديات البيئية حتى في بعض الميادين الخاضعة لنظام التدبير المفوض كالتدبير المفوض للنفايات في المدن الكبرى، مما يطرح ضرورة مواكبة مثل هذه المشاريع. وخلص الأستاذ عياد إلى أن الهشاشة ناتجة عن عدم النضج الحداثي، أي النضج الديمقراطي، حاثا على ضرورة التركيز على الاقتصاد الاجتماعي الذي يشكل رافعة التنمية عوض الاقتصار على مقاربات مسكنة، بحيث يجب البحث عن مقاربات جديدة من قبيل تأسيس صندوق وطني للجمعيات وضرورة إنجاز حصيلة نقدية من أجل التغيير.. وقدمت الاستاذة مريم حوزير مستشارة التنمية المستدامة، بمؤسسة ّ(Allia dev) خلال مداخلتها حول التواصل الايجابي من أجل تعبئة الفاعلين في هيئات المجتمع المدني، مشروعا تواصليا يروم تعبئة الأجيال ودعم مسيرتها نحو التنمية المستدامة، مبينة أهدافه ووسائله ومنهجية العمل المعتمدة لتعبئة الفاعلين، وتحليل التحديات، وحثهم على الالتزام وتسهيل التبادل والتواصل الإيجابي بين الأطراف الفاعلة في مجال التنميةالمستدامة. وأبرزت الأستاذة حوزير التباين الحاصل على مستوى إدارة قطاع البيئة في البلدان المتقدمة مقارنة مع البلدان النامية، أي إذا كانت إدارة البيئة نسبيا قديمة في دول العالم المتقدم، فإنها تظل حديثة العهد وتجريبية في دول العالم النامي. وإذا كانت وزارات البيئة هي المسؤولة مؤسساتيا على السياسة البيئية، فإن تقييم الحصيلة يعتبر من مسؤولية جميع الأطراف المعنية من إدارات، جمعيات، مناضلون، جامعات... وألحت الاستاذة مريم حوزير على ضرورة مراعاة مجموعة من التحديات تهم أساسا وضع الإنسان في قلب التنمية المستدامة، ثم تحديد أرضية مرجعية حتى نتمكن من تقييم الحصيلة وكذا اعتماد مقاربات تقوم على أساس دعم الالتقائية، والتآزر والتشاور، وذلك لتجنب الشعور بالفشل أثناء خلال المؤتمرات وبعدها بفعل عدم احترام الالتزامات من قبل العديد من الدول. يذكر أن الملتقى شهد عرض شريط وثائقي حول موضوع الاقتصاد الأخضر، أبرز أهمية دور منظمات المجتمع المدني باعتبارها أطرافا فاعلة في مسلسل التنمية المستدامة. وأشار إلى بعض التجارب الناجحة في مجال التنمية المستدامة.