هل يعيش المغرب حربا لغوية؟ وهل النقاش اللغوي الذي تضج به المنتديات الفكرية والإعلامية والسياسية مقدمة طبيعية لحرب قادمة ؟ تتأسس العلاقة بين اللغات في السوسيولوجيا اللسانية على منطق الصراع والتجاذب الذي يؤدي إلى إنهاء وجود لغة لصالح أخرى أكثر قوة وتمكنا. إذ يذهب جون كالفي في كتابه «حرب اللغات» في مراجعته لتعريف فرغوسون للازدواجية اللسانية المؤسسة على مقاييس الانتماء الجينيتيكي للغتين والتوزيع التكاملي لوظائفهما، إلى الكشف عن الأسباب التي تجعل لغة ما تكتسب وضعية معينة، والتي يوجزها في السلطة والنفوذ اللذين ينتج عنهما تداخل ازدواجي لمجموعة من اللغات التي تغدو في صراع التنافس والهيمنة. وفي منطق الصراع يكون القضاء على إحدى اللغات هو المحرك الأساس مع ما يتضمنه ذلك من تغليب هوياتي وقضاء على منظومات قيمية معينة. والحالات التي حددتها الدراسات اللسانية لا تخرج عن ثلاث: بين لغتين إحداهما أجنبية سواء كانتا من فصيلة واحدة أم من فصيلتين مثل انهزام لغة البلغاريين أمام لغة شعوب الصقالبة، والصراع بين عاميات لغة واحدة مثل غلبة لغة قريش على باقي اللهجات، وبين لغة وعامياتها كما حدث للغات الأوربية انتهى بالقضاء على وجود اللاتينية لصالح اللهجات. وقد حددت الدراسات أهم أسباب الحرب اللغوية في: عوامل خارجيّة متمثلة في القوة الدينية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والسياسية، وعوامل داخلية تتجلى في التعليم وسوق الشغل والإعلام. ويفيدنا هذا العرض الموجز للقضية من وجهة علمية لسانية مجهرا لمقاربة حقيقة الواقع اللغوي بالمغرب. اعتادت العديد من الكتابات تصوير الواقع اللغوي بالمغرب على شكل كاريكاتوري موسوم بحرب بين لغتين: واحدة توسم بالسلطة والهيمنة والسيادة هي العربية وأخرى مهمشة ومحتقرة ومسودة تتمثل في الأمازيغية. ومن خلال تسويق هذه الصورة المأزومة دافعت عن أطروحة الحرب اللغوية والهوياتية في المنتديات الدولية واختار بعض أعلامها انتماءات بديلة بل والتحالف أحيانا مع خصوم الأمة.لكن الذي يغيب في هذا الطرح هو المقاربة العلمية المستندة إلى: أن منطق الحرب اللغوية لم يكن في يوم من الأيام نقاشا مغربيا بل هو استيراد لنماذج مخالفة للحالة الاجتماعية المغربية بناء على منطق حقوق الأقليات. وفي التحليل السوسيولساني لن نجد أيا من الحالات المتداولة عند اللغويين يمكنها أن تنطبق على المجتمع المغربي بمكوناته المتعددة. عرف المغرب منذ دخول العربية أرضه حالة من الانصهار الاجتماعي الذي يصعب على الناس تحديد انتمائهم الإثني، وهو ما يزعج أصحاب الخطاب التجزيئي الذين ينافحون بمنطق الأقليات عن قضايا صراعية. النقاش الذي عرفه البرلمان مؤخرا والذي استغلته بعض الأصوات الإعلامية لإحراج حكومة السيد بنكيران ثبت أنه نقاش متعجل وبعيد عن المقاربة الشمولية للمسألة اللغوية التي اعتمدها الدستور المغربي وأثبتها التصريح الحكومي والتي تقوم على استحداث مؤسسات غير قاصرة على التناول القطاعي بل على رؤية شاملة لكل اللغات. إن الحرب اللغوية التي يعيشها المغاربة بمختلف أطيافهم هو ضد اللغات الأجنبية المهيمنة على المشهد الثقافي والفكري والاقتصادي والتي تعمل للقضاء على الهوية الوطنية المتعددة وعلى اللغات الوطنية. لذا فالصراع الحقيقي ينبغي أن يكون موجها نحو الآخر ومن يمثله ويدافع عنه بلافتات مغلوطة تعمل على إلهاء الناس بحرب موهومة. إن الحاجة الحضارية للأمة وآثار الربيع العربي تفترض أن يكون خيارنا الهوياتي واللغوي موجها نحو التفكير في إعادة صياغة المشروع الوطني بدل استنساخ النماذج الغيرية والبحث عن تمويلها المعرفي والمادي. لذا فالنقاش اللغوي ينبغي ألا يظل نخبويا وصراعيا بل ينبغي نقله إلى أن يكون حالة مجتمعية يكون الشعب هو الفيصل في الاختيار .