يحتفل الجسم الإعلامي يوم الخميس 3 ماي 2012 باليوم الوطني للإعلام، وهي مناسبة لعرض وتقييم التجربة الإعلامية وتقييم الأفكار والمقاربات التي طرحت بخصوص دمقرطة الإعلام والنهوض به ليكون في مستوى مواجهة تحديات الجودة والتنافسية. لقد كانت محطة الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع مناسبة لتشخيص واقع الإعلام ومحاولة استشراف خارطة طريق للنهوض به في مواجهة التحديات التي تواجهه، كما رفع النص الدستوري الجديد العديد من النقاط السوداء التي كانت تضيق مساحة العمل الإعلامي الجاد، سواء من خلال التنصيص على الحق في المعلومة الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، أو من خلال التأكيد على الحق في التعبير ونشر الأخبار والآراء بكل حرية ومن غير قيد ما عدا ما ينص عليه القانون صراحة، أو من خلال التزام الدولة الدستوري بتشجيع قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ورقابتها وضمان الاستفادة من هذه الوسائل في احترام تام للتعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي، أو من خلال التركيز على قضية الحكامة وضرورة إخضاع المرافق العمومية، ومنها المرفق العمومي الإعلامي لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية. صحيح أن جزءا من حل إشكال العلاقة بين الإعلام والسلطة وإنهاء سياسة التضييق وشد الحبل يبقى متوقفا على المقاربة التي تنتهجها السلطة السياسية في تنزيل هذه المقتضيات، لكن ذلك لا يعفي المؤسسات الإعلامية من أن تقوم بواجبها في ترشيد ممارستها الإعلامية والرفع من مستواها حتى تكون منسجمة مع القواعد المهنية ومراعية لأخلاقيات المهنة. إن النهوض بالإعلام وتحقيق الإصلاح فيه، لا يتوقف فقط على النصوص الدستورية والتدابير التشريعية التي يمكن أن تقوم بها الحكومة في شخص الوزارة الوصية، كما أنه لا يتوقف على التزام السلطة السياسية باحترام استقلالية وسائل الإعلام في أداء مهمتها في نشر الحقيقة، فهذه المقتضيات والتدابير والإرادة السياسية مع أهميتها لا تبرر عدم قيام الجسم الإعلام بالاشتغال على «الذات الإعلامية»ومحاولة تقييم أعطابها، والانخراط في حوار مهني لإنتاج الآليات التي يمكن أن تحاصر هذه الظواهر وتحصن الممارسة الإعلامية الجادة لاسيما وقد برزت في الآونة الأخيرة العديد من الظواهر التي لا تنم بصلة إلى قواعد المهنة وأخلاقياتها. إنه في الوقت الذي يطلب فيه الإعلاميون أن تبقى السلطة السياسية بمنأى عن التدخل في الجسم الإعلامي وألا تقدم الدروس لوسائل الإعلام، يطلب من الفاعلين الإعلاميين أن يكونوا في مستوى طرح الأعطاب التي تفشت في الممارسة الإعلامية وخرجت بها عن القواعد المهنية المرعية. من المؤسف أن تنساب في الجسم الإعلامي تعبيرات تحولت إلى أدوات لتصفية الحسابات السياسية، ومن المؤسف جدا أن يتحول بعض الصحفيين إلى سلطة فوق القانون تمارس الابتزاز السياسي بالخبر الذي تنشره، ومن المؤسف أيضا أن تفرد بعض الصحف صفحات للإثارة الجنسية من غير تقيد بأي قانون ولا أخلاق للمهنة. إن هذه الظواهر التي تفشت بشكل سرطاني في الجسم الصحفي لا تنتظر من السلطة السياسية أن تعالجها، ولا من المجتمع أن يرتفع منسوب وعيه ليحاكمها، وإنما تتطلب تدخل الفاعلين الإعلاميين ليقوموا بدورهم في تحصين بيتهم الداخلي. هذه هي الثغرة التي طالما تم توظيفها من أجل تعطيل أي مسار حقيقي نحو الإصلاح، وهذه هي الثغرة التي برر بها التضييق على الصحافة، وهي الثغرة التي تعطل اليوم أي مسعى لبناء علاقات ديمقراطية بين مكونات الجسم الإعلامي. الأمل اليوم، بعد أن أصبحت الحكومة طرفا أساسيا في إصلاح هذا المرفق، بل صارت أداة في مواجهة الإرادات التي تعاكس الإصلاح في هذا القطاع، الأمل أن يتم استثمار هذه اللحظة، ومضاعفة الاشتغال على «الذات الإعلامية»وتأهيلها لمواجهة ما ينتظرها من تحديات إصلاح هذا الورش.