للإيمان بالقدر أهمية كبرى بين أركان الإيمان، يدركها كل من له إلمام ولو يسير بقضايا العقيدة الإسلامية وأركان الإيمان؛ ولذلك ورد التنصيص في السنة النبوية على وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره. وترجع أهمية هذا الركن ومنزلته بين بقية أركان الإيمان إلى عدة أمور: الأول: ارتباطه مباشرة بالإيمان بالله تعالى، وكونه مبنياً على المعرفة الصحيحة بذاته تعالى وأسمائه الحسنى، وصفاته الكاملة الواجبة له تعالى، وقد جاء في القدر صفاته سبحانه صفة العلم، والإرادة، والقدرة، والخلق، ومعلوم أن القدر إنما يقوم على هذه الأسس. الثاني: حين ننظر إلى هذا الكون، ونشأته، وخلق الكائنات فيه، ومنها هذا الإنسان، نجد أن كل ذلك مرتبط بالإيمان بالقدر. الثالث: الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح، وهو الاختبار القوى لمدى معرفته بربه تعالى، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله ،وبما يجب له من صفات الجلال والكمال؛ وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها. مفهوم القضاء والقدر: القضاء لغة هو: الحكم، وهو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه وأوجده في الواقع. والقدر: هو التقدير. وهو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في علمه. وعلى هذا فالإيمان بالقضاء والقدر معناه: الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه. الأول له ارتباط بالعلم، والثاني له ارتباط بالقدرة. مراتب القضاء والقدر: إن مراتب الإيمان بالقضاء والقدر أربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والإيجاد. فالعلم: أن نؤمن بعلم الله سبحانه بالأشياء قبل كونها، قال تعالى: }وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة{سورة يونس: 61 والكتابة: أن نؤمن أنه سبحانه كتب ما علمه بعلمه القديم في اللوح المحفوظ، قال تعالى: }ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، ان ذلك على الله يسير{ سورة الحديد: 21 والمشيئة: أن نؤمن أن مشيئة الله شاملة فما من حركة ولا سكون في الأرض ولا في السماء إلا بمشيئته، قال تعالى:»وما تشاءون الا أن يشاء الله»سورة الإنسان: 30. الإيجاد: أن نؤمن أن الله تعالى خالق كل شيء، قال تعالى: }قل الله خالق كل شيء{ سورة الرعد: 19. ولأهمية موضوع قضاء الله وقدره وخطره على إيمان الفرد والجماعة انصبت جهود أئمة الإسلام وعلمائه في بيانه جلائه والرد على مخالفيه. وفي هذا الصدد يقول شيخ المالكية ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله في رسالته: «والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا، ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه، فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به، }ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير{ سورة الملك: 14، يضل من يشاء فيخذله بعدله، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه، وقدره من شقي أو سعيد، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غنى، خالقاً لكل شيء، ألا هو رب العباد، ورب أعمالهم، والمقدر لحركاتهم وآجالهم. ويقول الإمام البغوي في شرح السنة: «الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد، خيرها وشرها، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن خلقهم، قال تعالى: }والله خلقكم وما تعملون{ سورة الصافات: 96، وقال عز وجل: }الله خالق كل شيء{ سورة الرعد: 16، وقال عز وجل: }إنا كل شيء خلقناه بقدر{ سورة القمر 49، فالإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، كلها بقضاء الله وقدره، وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضي الإيمان والطاعة ، ووعد عليها الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية، وأوعد عليها العقاب، والقدر سر من أسرار الله لم يطلع عليه ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلاً، لا يجوز الخوض فيه، والبحث عنه بطريق العقل، بل يعتقد أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلاً، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلا. إلا أن تسليم المؤمن بقضاء الله وقدره الأزلي وإيمانه بعلم الله المطلق بما كان وما سيكون لا يعني مطلقا أن الإنسان في هذه الحياة مجبر ولا دخل لأفعاله سواء كانت خيرا أو شرا في تقرير مصيره في الحياة الأخرى. بل إن لها أثرا في دخول العبد المطيع الجنة تفضلا ومنة من الحق سبحانه، و دخول العبد العاصي النار قسطا وعدلا منه جلت قدرته.