حين تحمل الصحابة رضي الله عنهم الحديث النبوي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلوا ذلك بنفس راغبة في الهداية الربانية، ولهذا حفظوه كأتم ما يكون الحفظ للكلام المحبوب للنفوس، وتعلقته قلوبهم كالحيران يجد الطريق بعد يأس، فما أعظم فرحته. إن قوما هذا شأنهم، لا يشك في قوة استيعابهم للحديث النبوي حفظا وتفقها وعملا؛ أما الحفظ، فإنهم كانوا يستظهرونه بحروفه ويدققون فيها عند الرواية، فإن اتهموا حفظهم لبعض حروفه صرحوا بذلك؛ فقد روى الخطيب البغدادي(463ه) في «الكفاية» أن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود حَدَّثَ حَدِيثًا, فَقَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ أَرْعَدَ وَأَرْعَدَتْ ثِيَابُهُ, فَقَالَ: أَوْ شِبْهَ ذَا أَوْ نَحْوَ ذَا». وروى أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ: هَذَا أَوْ نَحْوُ هَذَا, أَوْ شَكْلُهُ». وأما الفهم والعمل فلأنهم كانوا يتفقّهُون في الحديث ليعملوا به، فكيف يُنسى العمل اليومي الذي يبتغي به المسلم مرضاة الله تعالى، وكيف يُعمل بما لا تثبت نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا فقد توافر لضبط الحديث في صدور الصحابة، كل الشروط الفكرية والنفسية التي لم يتهيأ مثلها إلا للقرءان الكريم. ومع كل هذا، كان منهم من يوثق حفظه بالكتابة، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان يقول: «الَّذِي لَا يُحَبِّبُ إِلَيَّ الْمَوْتَ: الصَّادِقَةُ، قَالُوا: وَمَا الصَّادِقَةُ؟ قَالَ: صَحِيفَةٌ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رواه البزار وقال: «وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ». ومنهم علي بن أبي طالب، فروى البخاري عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ «. ومنهم سمرة بن جندب وجابر بن عبد الله وسعد بن عبادة وغيرهم رضي الله عنهم.(انظر السنة قبل التدوين لعجاج الخطيب).