لماذا يصر الكثير من المغاربة على التعاطي مع القروض الربوية على الرغم من علمهم بحرمتها شرعا؟ وهل ما يقدمونه من مبررات تصل إلى مرتبة الضرورة التي تبيح المحضور؟ وكيف تحولت الكماليات لدى الناس من قبيل «الأنواع والأحجام المختلفة من الشاشات التلفزيونية والصحون الهوائية والآلات الكهربائية والهواتف النقالة ..» إلى أمور ضرورية وأساسية؟ وما موقع النزعة الاستهلاكية وحب التملك والتكديس لدى المغاربة في هذا الموضوع؟ وما هي الحلول الكفيلة بمعالجة الظاهرة بالتقليص منها في اتجاه القضاء عليها؟ وما دور مؤسسات التحسيس من قبيل الإعلام والمدرسة والمساجد بهذا الصدد؟ أم أن بعض هذه الوسائل تحولت إلى محرض على الاستهلاك ثم الاستهلاك من أجل الاستهلاك ومهما كلف الثمن؟ تعد ظاهرة الاقتراض الربوي من أجل الاقتناء والاستهلاك أحد أوجه معضلة مجتمعية يؤشر عليها اليوم التزايد المطرد للمؤسسات الصغرى التي تقدم مثل هذه الخدمات، وأيضا الإقبال الكبير على هذه المؤسسات من أجل الاقتراض الذي قد لا يكون دائما دافعه الحاجة بقدر ما يكون لاعتبارات ثقافية واجتماعية مثل ضغط الأبناء أو الجيران أو أحد الأزواج أو الأصدقاء، كما يؤشر عليها أيضا العديد من القضايا التي وصلت إلى المحاكم والسبب عدم قدرة أصحاب هذه القروض على الوفاء بما التزموا به وهو مصير قد ينتهي بالكثيرين إلى الدخول للسجن. حول هذه الظاهرة والأسئلة المؤطرة لها، يقول الداعية عبد الجليل الجاسني، في حديث مع «التجديد» إن المواطنين أصبحوا يكلفون أنفسهم ما لا يطيقون وأصبحوا يسعون وراء أمور تحسينية وكمالية عدوها خطأ من الضروريات، في حين يؤكد الجاسني، أن الدين الإسلامي حدد للناس الضروريات في خمس عناصر وهي حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال، وأن ما يمكن أن يدخل في قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» ينبغي أن يرتبط أساسا بحالة ارتباك قصوى تهم الضروريات الخمس. هكذا يوضح الجاسني، فكل ما يمكن الاستغناء عنه دون أن يربك هذه الضروريات لا يدخل ضمن ما يمكن أن يرتكب المرأ محظورا ما من أجله. وقال أستاذ التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي، أن الناس رفعوا المحسنات والكماليات إلى مرتبة الضروريات وذلك بفعل موجة من الإعلام مندرجة في إطار سياق عولمي يريد للناس أن تستهلك من أجل أن تستهلك، واعتبر أن الدور هنا ينبغي أن يناط بالمساجد والمنابر الوعظية من أجل تحسيس الناس بخطورة هذا الأمر، كما ذكر أن مقرر التربية الإسلامية للسنة الثانية من التعليم الثانوي نموذجا يتضمن درسا حول «حفظ الضرورات في الإسلام» لكن الأمثلة يوضح الجاسني التي تضرب في هذا الدرس بعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه المغاربة. عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، والمسؤول عن مكتبها التنفيذي بجهة الوسط، قال بأن إشهار الشركات لمنتوجاتها أمر طبيعي، لكن الناس هم من ينبغي أن يفهموا ويستوعبوا أن الحياة ينبغي أن تخضع لمنطق الأولويات، وان الحياة يمكن أن تستمر بنوع من البساطة وأنه ليس من الضروري التسابق في الموضة والبحث عن آخر الأنواع في كل المقتنيات، كما اعتبر أن ضغط المحيط من بين الأمور التي ينبغي مقاومتها سواء كان مصدره الأبناء أو الزوج أو الزوجة أو الجيران أو غير ذلك. في نفس السياق اعتبر سمير بودينار، الباحث المختص في مجال القيم، أن هذه الظاهرة ناتجة بالأساس عن جملة من التحولات الاجتماعية التي باثث تعرفها مجتمعاتنا والتي اعتبرها أثرت مجال القيم، هكذا يقول بودينار، في تصريح ل: «التجديد» بأن تحول الأسرة من الممتدة إلى النووية ثم إلى الفردانية جعل الكماليات تعرف تركزا لدى الأسر والأفراد في غياب تام لأي ضابط قيمي أو أخلاقي. ويضيف الأستاذ في علم الاجتماع، أن المفسر الثاني لهذه الظاهرة يرتبط بالمجتمع الرأس مالي وما يسمى «بثورة التطلعات» إلى جانب الدور التحريضي على الشراء والذي تقوم به وسائل الإعلام أنتج نوعا من الاستهلاك العشوائي للكماليات التي تسوق من طرف الإعلام على أنها أساسية وضرورية، وهو ما يدفع بالفرد إلى البحث عنها ولو كلفه الأمر ارتكاب المحرم أو حتى دخول السجن أحيانا يضيف بودينار. رئيس مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية والإنسانية بوجدة، قال أيضا إن حل هذه الظاهرة الاجتماعية المعضلة، يكون في سيادة قيم التراحم وفي استعادة الأسرة إلى أدوارها، وفي العودة إلى أصالة وعمق الثقافة المغربية المنبنية في هذا الخصوص على القناعة والاقتصاد والبساطة. *** القروض الربوية بلغة الأرقام بلغت قروض الاستهلاك خلال شهر فبراير من السنة الحالية «2012 حوالي 36 مليار و597 مليون درهم، بارتفاع يناهز 3,8 مليار درهم مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية. ووفق المؤشرات الصادرة حديثا عن بنك المغرب فإن قروض العقار سجلت ارتفاعا بالإضافة إلى قروض التجهيز والقروض المختلفة على الزبائن التي فاقت 95 مليار درهم. وكشف المصدر ذاته أن القروض المعلقة الأداء وهي القروض التي يجد الزبناء صعوبة في إرجاعها إلى الأبناك وصلت إلى أزيد من 33 مليار و808 مليون درهم إلى غاية نهاية فبراير الماضي بارتفاع وصل إلى 3,5 مليار درهم مقارنة مع نفس الشهر من السنة الماضية. ويرى عدد من الفاعلين ضرورة إعادة النظر في سياسة الإقراض المنتهجة من لدن المؤسسات البنكية، خصوصا أن آخر تقرير لبنك المغبر أكد أن نسبة القروض الموزعة من لدن هذه المؤسسات فاقت الودائع. وكشف تقرير لوزارة المالية والاقتصاد التنافس «الشرس» بينت المؤسسات الاقتراضية التمويلية المتخصصة والأبناك حول استقطاب شرائح الموظفين خصوصا والمقترضين عموما. واعتبر التقرير أن على خلاف المؤسسات البنكية في الدول المقدمة التي تشارك أساسا في تمويل البرامج والمشاريع التنموية الكبرى، فإن المؤسسات البنكية المغربية هي أبناك تمويل للقروض بالدرجة الأولى.