تواترت في السنوات الأخيرة مؤشرات تدل على وجود تمايز بين الحركة الإسلامية المشرقية ونظيرتها في المنطقة المغاربية، سواء تعلق الأمر بتدبير العلاقة بين الدعوي أو السياسي، أو بشكل التعاطي مع الواقع السياسي، واستحضار تداخل السياقات المحلية بالسياسات الإقليمية والدولية، وقدرة الحركة الإسلامية على تنزيل مقتضيات الفكر الاستيعابي. فعلى الرغم من أن الربيع الديمقراطي العربي أفرز تصدر الإسلاميين خارطة المشهد السياسي، وعلى الرغم من أن هذا الحجم السياسي يغري بالتفرد واحتكار قيادة الانتقال الديمقراطي، إلا أن الحركة الإسلامية في المنطقة المغاربية عمدت إلى نبذ هذه الرؤية الانفرادية، وتبنت منطقا تشاركيا استيعابيا، حيث تبنت الحركة الإسلامية تقديرات سياسية واعية بشروط المرحلة، وما يتطلبه إنجاح توافقاتها الاستراتيجية. في تونس، عبرت حركة النهضة عن هذه الرؤية من خلال صيغة اقتسام السلطة في تونس، والتخلي عن الرئاسة، وابتعاد الغنوشي عن المناصب السياسية، وترك أمر تدبير السياسة للحزب السياسي الذي تم تأسيسه، وتبنت النهضة في قضية الهوية والمرجعية الدستورية الموقف المستوعب لطبيعة المرحلة وما تتطلبه التوافقات الكبرى التي نسجتها لإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي في تونس. وفي المغرب، حضرت الرؤية الاستعابية في كل المحطات السياسية التي خاضها الحزب منذ الإعلان عن تصدر العدالة والتنمية لنتائج اقتراع 25 نونبر، بدءا بطريقة تدبير التفاوض لنسج التحالفات لتشكيل الحكومة، ومرورا بطريقة توزيع المناصب ، واستحضار متطلبات إنجاح التجربة وتغييب الحسابات الرقمية واعتبار الأوزان السياسية في هذه العملية ، وانتهاء بطريقة صياغة التصريح الحكومي ومنهجية تذويب الاختلافات في الاختيارات السياسية، والاتفاق على الخطوط الكبرى الجامعة، ومنها التركيز على الديمقراطية والحكامة ومحاربة الفساد. في لحظة الانتصار والصعود، لا تلام الأحزاب التي لا تحظى بأوزان سياسية مؤثرة، وإنما تلام الأحزاب الوازنة على عدم تبنيها للتقدير السياسي الذي يوفر الإمكانية لإشراك الجميع وتنزيل مبدأ التعاون مع الغير من أجل تحقيق الإصلاح. في الحالة المصرية هناك توجه يوحي بالسير نحو التفرد حيث إن الحراك داخل المشهد آلت فيه الأمور إلى حزب الإخوان: رئاسة البرلمان واللجنة التأسيسية للدستور ومرشح لرئاسة الدولة وأغلبية تؤهل لرئاسة الحكومة، وهو أمر إن تم سيؤدي إلى التمركز في اتجاه واحد. لا ندري بالضبط المعطيات التي تم الاستناد لاتخاذ هذه المبادرة، ولا ندري بالتحديد الأهداف التي تم وضعها من وراء هذا القرار، ولا ندري هل هذا الموقف طبيعي، أم أنه مجرد رد فعل سياسي على واقع المصادرة والتضييق، الذي عاشته الجماعة لعقود من الزمن، كما لا ندري بالضبط التداعيات التي يمكن أن تنجم عن اتخاذ هذا القرار على مستوى التنظيم الداخلي أو على مستوى مواقف الفاعلين السياسيين من الخارج. لكن من المؤكد أن شروط الواقع السياسي في مصر، كما في بقية الدول العربية التي عاشت ربيعها الديمقراطي، تطرح تحديات كبيرة على الحركة الإسلامية وقدرتها على تبني الفكر الاستيعابي وإنتاج المواقف التي تشرك المكونات السياسية والمدنية وتدمجها في تحقيق النقلة الديمقراطية وإحداث التغيير الذي تتطلع إليه الجماهير. بكلمة، إن تصدر الحركة الإسلامية للمشهد السياسي بعد الربيع الديمقراطي الذي اجتاح العالم العربي ليس إلا بداية الطريق لوضع رؤاها السياسية في المحك، وإن نجاحها الحقيقي رهين بقدرتها على التنزيل الذكي للفكر الاستيعابي ضمن الواقع السياسي الذي تعيشه.