الثورة العربية الجديدة تطرح أسئلة عديدة، قد يتطلب منا كمثقفين أن ننتظر زمنا طويلا لاستيعابها وإدراكها، لكن أهم ما في سلسلة الحوارات مع المثقفين المغاربة، التي شرع «الاتحاد الاشتراكي» في نشرها منذ أسابيع، هو أن نقترب قدر الإمكان من جذوتها وسخونتها، في محاولة لفهم ما جرى ويجري حاليا. ̈{ يتعدد حاليا توصيف هذا الحراك الجماهيري، أيتعلق الأمر بحركة إصلاحية أم بثورة شعبية أم أنها مجرد ثورة عابرة؟ يتعين علينا أولا تحديد المقصود بالإصلاح والثورة. فإذا ما اقتصرنا على المعنى المألوف والشائع، سيتبين لنا بأن حركة الإصلاح تتم من داخل النظام ، وهي تروم تصويب ما اعوج فيه دون إزالته. أما الثورة فهي تعويض نظام بآخر وإعادة النظر في كل مرتكزاته القائمة. وبهذا المعنى ، فإن شعار « يسقط النظام « الذي تبنته الحركات الاحتجاجية في العديد من البلدان العربية ، هو إعلان عن الثورة وليس الإصلاح. لكن المثير في الأمر ، أن الحركات الجماهيرية التي بدأت في تونس ومصر وليبيا وامتدت شرارتها إلى اليمن وسوريا ، والبقية تأتي ، بدأت بشعارات إصلاحية تطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية والديموقراطية ، لكن عنف الأنظمة الاستبدادية في هذه البلدان ، حولها إلى ثورات تنادي برحيل رموزها الذين تربعوا على كرسي الحكم على مدى عقود. ويبدو أنه كلما أمعنت الأنظمة المستبدة في قمعها الدموي ، ازداد مطلب الجماهير في التغيير الجذري . هكذا أصبحت المعادلة في مسار الحراك الجماهيري العربي الحالي هي أنه كلما ازداد قمع وبطش الأنظمة الدموية والديكتاتورية ، ازداد إصرار الشعب على المقاومة والمواجهة ، في انتظار دعم أساسي وضروري ، ونقصد به دعم المناصرين للحق وللديموقراطية وللعدالة الاجتماعية في العالم. { بدأت ثورة تونس بقصيدة (إرادة الحياة) لأبي القاسم الشابي، إلى أي حد مدى يمكن القول إن الشعر مازال يمثل ديوان العرب؟ كان الشعر دوما وما يزال تعبيرا عن وجدان الشعوب والشاعر ( كما يقول هايدجر ) هو الذي يرسم طريق المستقبل « فماهيته تتمثل في التنبؤ بالزمان التاريخي القادم» .وفي حالتنا العربية ، تميز الشعر بحضور قوي في الفضاء الثقافي وكان محركا للمشاعر ومحفزا على مواجهة الواقع. وينطبق هذا الأمر بشكل كبير على الشعر الثوري ، بكل ما تحمله لفظة « ثورة « من دلالات ، سواء كانت ضد المحتل الغاشم ( الشعر الفلسطيني مع مبدعيه الكبار ، محمود درويش وسميح القاسم الخ.) أو ضد الاستبداد بمختلف تجلياته (قصائد نزار قباني) أو كتعبئة لمواجهة الفساد بتلويناته المتعددة ( أشعار فؤاد نجم ). فالشعر هو الحياة وهو يتضمن الأمل في مستقبل أفضل ، لذلك فإن دور الشعراء في زمننا هذا ، يعتبر أساسيا ويمكنهم أن يسجلوا بأشعارهم ملحمة الشعوب العربية ضد جلاديها. { قبل ثورة الياسمين في تونس، كان يتم الحديث عن قمة عربية للثقافة، كيف تنظر إلى مستقبل الثقافة العربية بعد هذا الحراك الديمقراطي، الذي يعم جميع الأقطار العربية؟ سمح الحراك الديموقراطي الذي امتدت شرارته إلى أغلب البلدان العربية ، بإثارة السؤال حول دور المثقف في ظل ما تعرفه الساحة العربية من تحولات. والملاحظ أن أصوات المثقفين ظلت عموما خافتة إن لم نقل متواطئة، كما هو الشأن في سوريا مثلا ؟ أمام آلة القمع الوحشي الذي تعرضت له الجماهير المطالبة بالحرية وبالعدالة الاجتماعية. ولا يتعلق الأمر فقط بالمثقفين كأفراد ، بل أيضا بالهيآت والمؤسسات والاتحادات التي تمثلهم والتي ظل أغلبها في وضعية المتفرج ، اللهم من بعض البيانات المحتشمة إزاء ما يقع من سفك للدماء واعتقالات وتصفيات جسدية وتعذيب وحشي طال حتى الأطفال ( حالة الطفل السوري حمزة الخطيب ). ويعيد هذا الأمر إلى الواجهة، موضوعة « علاقة الثقافي بالسياسي « . فهل يمكن أن يظل المثقف محايدا إزاء ما يقع حوله ( في وطنه وفي الأوطان المجاورة والبعيدة ) ، وما هي قيمة الثقافة إذا لم تكن مناصرة لقيم الحق والمساواة والعدالة والحرية والديموقراطية ؟ نقول هذا ، لأن قراءة ما يكتبه بعض المثقفين في جرائد عربية ذائعة الصيت ( مثل القدس والحياة والأهرام والسفير ) لا يرقى إلى مستوى اللحظة الحاسمة التي تعيشها البلدان العربية. { حدثت هذه الثورات في زمن تقلص فيه المد الثوري بمرجعياته الكبرى المؤطرة له كيف تقرأون هذه المفارقة ؟ هذا وتتسم هذه الثورات بالتلقائية و«العفوية»، وهذا يؤكد غياب المثقفين. كيف تفسر هذا الغياب في التأطير وتشكيل الوعي في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المجتمعات العربية ؟ صحيح أن المرجعيات الثورية الكلاسيكية لم يعد لها نفس التأثير الذي كان علينا في فترات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين . ويرجع ذلك إلى عاملين على الأقل وهما : - أن الخطابات حول الاشتراكية والشيوعية والقومية والصراع ضد البرجوازية أو الإقطاعية ، قد عوضت بمقولات أخرى مثل حقوق الإنسان والديموقراطية وثقافة الحوار والتسامح الخ. ومما رسخ هذه المقولات ، كونها أكثر ارتباطا بمطالب القاعدة العريضة من الجماهير ، ولكون الخطابات الأولى استغلت لترسيخ كيانات استبدادية لا علاقة لها بالديموقراطية . ولا غرابة في كون الأنظمة العربية التي صنفت نفسها ثورية ( سوريا ، ليبيل ، اليمن ، ) والتي تخندقت في صف ما سمي بالممانعة ، هي التي تقود حاليا أشرس الحملات القمعية ضد شعوبها المطالبة بالكرامة والحرية. - ثانيا، أن هناك ثورة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار ، وهي الثورة المعلوماتية (الإنترنت والفيسبوك والتويتر ) التي سمحت بتكثيف عمليات التواصل وتبليغ الأخبار والمعلومات وتعبئة المنخرطين والمناضلين ، من أجل مقاومة الأنظمة المستبدة ، عبر رفع شعارات الحرية والديموقراطية والتقدم. وهذه عملية تنظيمية جديدة ، تجاوزت الإطار التنظيمي التقليدي الخاضع للتراتبية وللإملاءات الفوقية . فهناك حاليا، ديموقراطية تواصلية تساهم في تشكيل وعي الشباب بضرورة التغيير ومقاومة كل أشكال الفساد. لهذا، لا يمكن الحديث الآن عن حركة « عفوية « ، بل عن عمل ممنهج يسمح بتعبئة عشرات الآلاف من الفاعلين والنشطاء في ساحات الاحتجاج. { دأبت الكثير من الأطروحات النيوكولونيالية على ترويج الفكرة القائلة بأن الشعوب العربية لها القابلية للاستبداد والعبودية، كيف تنظر إلى مثل هذه المواقف ذات الحمولة الاستشراقية ؟ يذكرنا هذا الأمر بالمقولة الشهيرة حول الاستبداد الشرقي (وهو عنوان كتاب لويتفوغل) والتي تعتبر بأن عوامل التاريخ والثقافة والدين والتقاليد، ساهمت في تشكيل شخصية عربية (شرقية) خنوعة وصبورة وجبرية. طبعا فإن هذا الرأي وجد ما يبرره في التاريخ الرسمي للمجتمعات العربية (وهو تاريخ الذي سكت عن الثورات والانتفاضات التي عرفتها المنطقة ضد الغزاة والطغاة)، وكرسته الأنظمة الديكتاتورية والشمولية التي لا يعلو فيها صوت فوق صوت الزعيم الذي يعتبر هو الكل (على حد ما ورد في الفيلم الجميل لفريد بوغدير ‹عصفور السطوح›). والحال ، أن المتتبع للتاريخ الحديث للمجتمعات العربية، سيدرك بأن المقاومة والمعارضة والاحتجاجات لم تتوقف ( وقد شكلت المقاومة الفلسطينية كما هو معلوم، مرجعا أساسيا بالنسبة للمعارضة التقدمية في بلدان عربية عديدة). أضف إلى ذلك، أن الثورة المعلوماتية التي تحدثنا عنها تفند هذا الرأي الاستشراقي بشكل نهائي. ولدينا الحالة المصرية كنموذج، بحيث أصبحت تعبئة الملايين لمواجهة نظام مبارك تتم بطريقة تواصلية مذهلة وأصبحت الاستجابة لنداء التعبئة تتم بسرعة مذهلة أيضا. وإذن، فإن علاقة الإنسان العربي بالاستبداد لا تختزل في العامل السيكولوجي، بل يجب النظر إليها من زاوية السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والتاريخ والسياسة، لفهم ما جرى ويجري. { في انتظار أن تنضج الملامح الموضوعية لهذا الحراك العربي، يجد الملاحظ نفسه بين رؤيتين متناقضتين حيث تتحمس الأولى لما يحدث الآن، معتبرة إياه بارقة أمل حقيقي للقطع التام مع زمن القهر والخوف والإهانة الممنهجة التي طالما عانت منها الشعوب العربية، نجد بالمقابل أصحاب الرؤية الثانية انطلاقا من تبنيهم لنظرية المؤامرة، يختزلون الأمر في مقولة دسائس الغرب ومقالبه الموجهة ضد أمن واستقرار الغرب والمسلمين قاطبة، كيف تنظر من جهتك إلى الرؤيتين؟ إن أصحاب الرؤية الثانية، يصبون الماء كما يقال في طاحونة الأنظمة الاستبدادية. أولم يعلن القذافي منذ بداية الاحتجاج على نظامه الدموي، بأن هناك أيادي أجنبية وراء تحرك الجماهير؟ أولم ينعت قرارات مجلس الأمن وضربات النيتو العسكرية بكونها حملة صليبية على ليبيا؟ ألم يتم اتهام الثوار الليبيين بالموالاة للقاعدة؟ وهي نفس النغمة التي نسمعها من أبواق النظام السوري واليمني، مع تلوينات أخرى تستحضر خطر الحروب الطائفية والأهلية. وفي الحقيقة، فإن كل متمعن لأوضاع شعوب المنطقة العربية، يرى بأن كل العوامل الموضوعية لحصول الانتفاضات قائمة، بدءا بغياب حرية التعبير وبالقمع الممنهج ضد كل معارض وانتهاء بتزوير الحقائق والاعتماد على إعلام فاسد وشراء الذمم وأبواق الدعاية بالعملة الصعبة إن اقتضى الأمر. فمن الممكن أن نشبه الأوضاع بالعالم العربي ببركان بدأ يستيقظ، ومن المؤكد أن ثمن الانعتاق سيكون باهظا، لكن هناك أمل كبير في كون صفحة جديدة من التاريخ قد شرع في كتابتها، وأعتقد بأن اليوم وغدا لن يكونا مثل البارحة، لأن انطلاقة التغيير بدأت ولن تتراجع. { عند الحديث عن العدوى الديمقراطية التي تجتاح العالم العربي، يتم الحديث عن (الاستثناء المغربي) ما هي معالم هذا الاستثناء إن وجدت ؟ ومن جهة أخرى هل تعتقد أن الإصلاحات الدستورية التي تنهجها بلادنا ستؤهل المغرب، إلى الانتقال إلى الديمقراطية التي طال أمدها ؟ لدي تحفظ بخصوص مقولة «الاستثناء المغربي». فإذا ما تحدثنا عن استثناء، فهذا يعني التفرد والتميز عن الآخرين الذين يشكلون القاعدة. والسؤال هو: أين يوجد هذا التفرد والتميز؟ سيقال إنه يوجد في المؤسسات والتعددية الحزبية والليبرالية السياسية والاقتصادية. فهل نحن الوحيدون المتميزون بهذه المواصفات؟ لا أظن، فهناك بلدان عربية أخرى تدعي ما ندعيه (لبنان والأردن مثلا، رغم حضور الطائفية في المشهد السياسي بالنسبة للبلد الأول وحضور العشائرية بالنسبة للثاني). لكن المسألة الوجيهة المطروحة هنا تتعلق بتفعيل المؤسسات على أرض الواقع. فنحن نعلم جيدا الطرق التي تم بها الحصول على مقعد في البرلمان بالنسبة لعدد لا يستهان به من «ممثلي» الأمة. كما أن ليبراليتنا مقترنة بالزبونية وبالفساد الإداري والمالي، فضلا عن كون التعددية شكلية ولا تسمح برسم معالم واضحة للخريطة السياسية ببلادنا (يمين/ يسار مثلا، معارضة حقيقية، برامج سياسية أصيلة وليست مستنسخة الخ.) . فإذا كان هذا هو الاستثناء، فإنا لا أعتقد أن هناك ما يميزنا عن أنظمة عربية اتخذت الليبرالية منهجا، اللهم فيما يتعلق بخصوصية التاريخ المغربي وتعدده الثقافي واللغوي. وأظن أن الانتقال إلى الديموقراطية، وإن كان يقتضي إصلاحات دستورية عميقة، يتطلب بموازاة مع ذلك إصلاحات عميقة أيضا على مستوى المؤسسات السياسية والاقتصادية والتدبيرية عموما، مثلما يتطلب ترسيخ قيم المسؤولية والواجب وحب الوطن إلى جانب قيم الحق والحرية والتسامح. { من مضمرات الفكر السياسي النظر إلى الحركة الإصلاحية باعتبارها نتاجا لتحول في سيرورة الوعي المعرفي، بينما نجد أن النخب المغربية تحاول الالتحاق بهذه التحولات، هل تعتبر ذلك نتيجة لوجود أزمة تستدعي ضرورة التسريع بثورة ثقافية؟ من المؤكد أنه لا يمكن الحديث عن أية حركة إصلاحية أو ثورية بدون وجود خلفيات نظرية مهدت لها ووجهت مسارها. وتاريخ الإصلاحات والثورات خير شاهد على ذلك.فلا يمكن الحديث عن الثورة الفرنسية بدون فكر الأنوار، ولا عن الثورات الاشتراكية بدون الفكر الماركسي مثلا. وهو ما ينطبق أيضا على العالم العربي، فالحركات القومية والإسلامية لها منظرها الذين نهلوا بدورهم من مصادر فكرية مختلفة (غربية وشرقية). طبعا فإن المهمة كانت موكولة للنخب الفاعلة في ميادين عديدة (سياسية، ثقافية، تربوية، جمعوية). وبالنسبة للحالة المغربية، لا يمكننا قراءة التاريخ الحديث للمغرب بدون استحضار للأدوار الفاعلة لنخبه الدينية والسياسية والفكرية. وكمثال على ذلك، موقف العلماء من الحماية ومن صياغة أول دستور للمغرب وحركات المقاومة ضد الاستعمار الإسباني بالريف بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي وضد الاستعمار الفرنسي بجبال الأطلس وبباقي أرجاء المغرب، والأطروحات السياسية لبناء مغرب ما بعد الاستقلال لكل من علال الفاسي والمهدي بن بركة. (وهذا على سبيل المثال لا الحصر). والملاحظ أن أعضاء هذه النخب كانوا يشكلون أيضا مثقفي البلد بمعنى ما، بفضل كتاباتهم الصحفية ومراسلاتهم وخطبهم. لكن الثقافة ستتخذ مسارا آخر في مرحلة ما بعد الاستقلال وسنصبح أمام «نخبة المثقفين» أي الممارسين للثقافة إبداعيا ونقديا وأكاديميا والمنتمين إلى مؤسسات ثقافية (اتحاد كتاب المغرب مثلا). غير أن المعضلة التي ستواجهها هذه النخبة هي علاقتها بما هو سياسي وانخراطها في «الشأن العمومي» كما يقال. وإذا ما كان مثقف الستينات والسبعينات من القرن العشرين قد مارس السياسة إلى جانب الثقافة بشكل عام، إلى درجة تغليب الأولى على الثانية أحيانا، فإن هذه الممارسة المزدوجة ستتراجع فيما بعد، لاعتبارات لا يسمح المقام بمعالجتها. وهو ما نستشف نتائجه المتمثلة في «عدم اهتمام» العديد من المثقفين بما يجري «هنا وهناك» (حسب التعبير الشهير للسينمائي الفرنسي جان لوك غودار)، مما يصعب معه الحديث عن «مثقف طليعي» في الفترة الراهنة لذلك فإن الكلام عن «ثورة ثقافية» سيظل فارغا ما لم يتحمل المثقف مسؤوليته الاجتماعية والسياسية والثقافية. { يقول بعض الباحثين، إن ظهور الإسلام السياسي في العالم العربي هو نتاج للجمود السياسي، وأن هذه الثورة الديمقراطية هي بمثابة صمام أمان ضد الإسلام الراديكالي ؟ من الصعب وضع مثل هذا التقابل بشكل مطلق، وإلا كيف سنفسر الحضور القوي للإخوان المسلمين بمصر إلى جانب الثورة الشبابية وتحويل الجماعة إلى حزب سياسي ؟ فالحركات الإسلامية بالعالم العربي ، من أكثرها اعتدالا إلى أكثرها تشددا وظلامية ، هي نتاج لواقع المجتمعات العربية بمختلف تجلياته الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية والتربوية، فضلا عن عوامل التأثير والتأثر ( الوهابية ، الإسلام الشيعي ، الطالبان الأفغان، الإسلام السياسي التركي الخ.) . صحيح أن بإمكان الحركات الديموقراطية الحد من فكر التطرف والإقصاء ، لكنها لن تمنع التنظيمات الإسلاموية التي تسعى إلى الانخراط في «اللعبة الديموقراطية « ، من الحضور بفعالية على الساحة السياسية. وما قلناه بصدد الإخوان بمصر ، هو نفسه ما يتفاعل في تونس بخصوص حزب النهضة وما حصل عندنا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية ولن نفاجأ يوما ما بإعلان جماعة العدل والإحسان عن تأسيس حزب . وإذن ، فإن فضيلة الديموقراطية هي السماح بالتعددية والاختلاف والتحاور. أما بالنسبة لما يعرف بالإسلام الراديكالي ، فأعتقد بأنه من الممكن أن ينمو «كجيب للمقاومة « داخل الثورة الديموقراطية نفسها ، لأن عوامل نشأته ونموه ، داخلية وخارجية، وهو ما يستدعي دراسات سوسيولوجية وسيكولوجية وثيولوجية وسياسية ، لمعرفة دواعي هذه النشأة وهذا النمو. { إن القاسم المشترك بين الثورات العربية يتمثل في مبادرة إلى إشعالها، هل ترى أن المحللين السياسيين والمثقفين عموما قد استهانوا بدور الشباب الذين ألصقت بهم نعوت العزوف السياسي والابتعاد عن الشأن العام؟ نتحدث اليوم عن « ثورة الشباب « كظاهرة سياسية وسوسيولوجية مثيرة وننسى بأن الأمر يتعلق بشباب مطلعين على تكنولوجيا التواصل الحديثة والمتقدمة ( الإنترنيت الخ.) وأنهم بالتالي على دراية بما يحدث هنا وهناك ، كما أنهم يعانون من سياسات التهميش والقمع ونهب الثورات وتزييف الحقائق، التي تمارسها الأنظمة الاستبدادية اللاشعبية .وهذه جميعها عوامل محفزة للانتفاضات والثورات . فهل حدثت هذه الأخيرة فجأة وبدون مقدمات؟ لا أعتقد ذلك . فقد ساهمت فعاليات من المجتمع المدني ( بالداخل والخارج) وساهم ناشطون سياسيون ومثقفون في عملية التوعية بضرورة التغيير وتعزز ذلك بواسطة عمليات التواصل عن بعد. أما بخصوص العزوف السياسي للشباب وابتعادهم عن الشأن العام ، فإن السبب لا يعود إليهم ، بل إلى الفساد الذي استشرى في العديد من التنظيمات الحزبية وفي الممارسة الشكلية للديموقراطية وفي تزييف الإرادة الشعبية خلال الانتخابات ، حيث « ينجح» نواب لا يمثلون إلا مصالحهم ويشكلون في أسوأ الحالات أبواقا دعائية للنظام تتلخص مهمتها في التصفيق وإعلان الولاء ، ولدينا في « مجلس الشعب « السوري خير شاهد على هذا الوضع الكاريكاتوري البئيس.