قال المفكر الإسلامي القطري جاسم محمد سلطان ، إن الثورات العربية تعد مؤشرا على دخول الأمة في مرحلة يقظة بعد غروب مرحلة الصحوة، وأن الحركة الإسلامية بدخولها تجربة تدبير الشأن العام تعد في مرحلة تعلم لكنها ستكون مفيدة في المستقبل، وأنها مدعوة اليوم إلى تقديم برامج واقعية تجمع بين طموحات والمبادئ التي نادت بها الحركة الإسلامية وبين المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي حُملت فيها هذه الحركة للحكم. وأضاف جاسم في حوار ل «التجديد» أن الحركة الإسلامية ما دامت دخلت إلى التجربة عمليا فلم يعد الخطاب هو يجب عمل كذا، بل هل هذا ممكن أو غير ممكن في الواقع، سلطان في هذا الحوار اعتبر أن المغرب خرج من الأزمة بذكاء وأنه دخل في تجربة جديدة يتمنى لها النجاح، لكنه حذر بالمقابل من فشلها لأنه يعني حسب محمد جاسم الدخول في خيارات صعبة ومظلمة. ❍ نبدأ معكم الأستاذ جاسم محمد سلطان، بالثورات العربية وما إن كانت تؤشر على بداية يقظة الأمة في اتجاه النهضة بعدما أشرتم في كتابكم «قوانين النهضة، القواعد الاستراتيجية في الصراع والتدافع الحضاري» بأن مرحلة الصحوة أو شكت على الغروب وبأنه آن الأوان لتشرق مرحلة النهضة. أنا أعتقد أن الكلمة التي استخدمتها دقيقة، وهي المتعلقة بكوننا في بداية يقظة، بمعنى آخر من المعاني أن هناك كما من الوعي أنتج الثورة، ولكنه وعي لم يكتمل بعد، ونحن نحتاج الآن إلى خبرة كبيرة جدا لإدارة المرحلة القادمة، وبالتالي فالمعارف الضرورية لإنتاج مرحلة جديدة لم تتكون في العقول بعد، لأن الغذاء الأساسي للناس هو من نتاج المرحلة السابقة، من المعارف والمعلومات وغيرها، والتي غالبها ديني أكثر منها عن الواقع الخارجي والمحيط، واليوم الحركة الإسلامية وغير الحركات الإسلامية تحتك بالواقع الصلب، المطلب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعلاقات الدولية فهذه أمور لا تحتل جزءا كبيرا من ثقافتها، وبالتالي سنمر بمنحنى تعلم صعب إلى أن نصل إلى استنتاجات عن هذا العالم وكيف يمكن أن تقام العلاقة معه. وبالتالي فإننا بالفعل في مرحلة يقظة. وأعتقد أيضا أن رجال الحركة الإسلامية ومع احتكاكهم الأول مع أسلوب إدارة الدولة سيكتشفون أن العالم الذي صنعوه حول الدولة عن بعد، ليس هو العالم عندما نقترب من الدولة في الحقيقة وأن الإجابات الموجودة في أذهاننا ليست كافية لإنتاج إجابات للدولة وللمجتمع، وهذا الأمر سيطور الفكر كثيرا ويخلق حاجة لفضاء فكري جديد وعندها سيتعزز مشروع اليقظة والتفكير في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة بأطر أخرى مختلفة عما سبق، فالشخص الذي كان يبدو مكتفيا في مرحلة الصحوة بما يتلقاه من معرفة دينية أصبح اليوم يستشعر الحاجة للمعرفة في الاقتصاد والسياسة وفي الاجتماع وإدارة العلاقات الدولية، وهنا سيتخلق وعي جديد بعد هذه البدايات. ❍ كيف ترون قدرة الحركة الإسلامية على إنتاج برامج سياسية تستطيع التوفيق بين ما كانت تحمله من أفكار وأحلام ونظريات وبين برامج واقعية تستجيب للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الجمة التي رافقت وصول الإسلاميين لتدبير الشأن العام؟ مرحلة التعلم مرحلة صعبة جدا، خاصة الآن في مقعد القيادة ولك أن تتخيل أن شخصا يركب الحافلة ليقودها وليس ليكون بها أو بجانب من يقودها خاصة أنها حافلة كبيرة جدا، ولذلك أتوقع أن تحدث أخطاء وارتباكات وفي نفس الوقت ستحدث عملية تعلم مصاحبة للخبرة، وسيطرح بهذا الخصوص قضايا من قبيل آفاق الحركات والتيارات السياسية الإسلامية كأسئلة على الفضاء الشرعي والفضاء الحركي والفضاء الفكري داخل هذه الحركات، وهذه العملية المتبادلة بين المسارين، لن تكون سهلة ولا ميسورة، لكنها ستكون منتجة، بمعنى من المعاني، أن هذه التجربة كانت ضرورية جدا لإنضاج التفكير الإسلامي ومعرفة حدوده التي تقف عندها العبارات الغامضة التي تطلق، من قبيل عبارة الدولة الإسلامية والمشروع الحضاري والشهود الحضاري الإسلام هو الحل.. هي جملة عبارات هي على المحك اليوم، وهكذا سيجد المفكر والفاعل الإسلامي أنه في حاجة إلى إجابات حقيقية وليس إلى عناوين كتب، فنحن اليوم نمتلك عناوين نفس الكتب لكن هذا الكتاب لم يكتب بعد. ❍ لماذا لم تنجح حركات نهضوية في الوصول إلى درجة تمثل المبدأ، أي انعكاس الشعارات والمبادئ التي ترفعها على السلوك اليومي لدعاة النهضة، فما سر هذا الانفصام الحاصل بين ما يتم التنظير له وبين الواقع؟ هناك ثلاث إشكاليات على هذا المستوى، الإشكالية الأولى، أن الحركة الإسلامية ومثل كل الحركات الإيديولوجية هي طوباوية في الغالب، فهي دائما تتحدث عن المثال، والمثال دائما يصعب الوصول إليه، فإذا أردنا أن نذكر أحد الصالحين سنذكر كل الكمالات التي توجد فيه (فقد كان صائما عابدا مجاهدا، فهم الشريعة والفقه والدين والفلسفة ...) ولذلك لما نريد أن نقتدي به نصطدم بكوننا دونه، ولذلك فمنطلقات هذه الحركات هي يتوبية مثالية أكثر منها حقائق على أرض الواقع. والإشكالية الثانية الكبيرة جدا، أن النمط التربوي الشائع أيضا كان يرتجى منه تحقيق هذا النوع من الأداء، والذي هو الأداء المثالي والتبشير به، وهي مرحلة الدعاية للأفكار ومرحلة البحث عن القاعدة الصلبة التي تجمع أناسا لهم نفس الخصائص المذكورة في القرآن ونفس خصائص الصحابة التي بدأت بها الدعوة، وأن هؤلاء وبهم وحدهم فقط يمكن أن تنطلق حركة الحياة، وهذا بطبيعة الحال خيال أكثر منه حقائق على الواقع، والآن هذه الحركة الإسلامية شأنها شأن كل الحركات الإنسانية تخضع للنوازع الإنسانية، فنحن نعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أصبح الاقتتال بينهم شديدا والفتنة الكبرى لم تحدث إلا في العصر الأول ولم يحدث مثلها حتى في العصور اللاحقة، فإذا كنا نتساءل عن النموذج والمثال، فأمامنا هذا الواقع الحي للصحابة ونحن نقول بشيئين متناقضين الأول أنه كان هناك عالم مثالي ثم نقول أن هذا العالم لم يكن مثاليا وهذه هي الحقيقة الطبيعة، وهذه حقيقة البشر الذي يخطئ ويصيب، وإذا فهمنا هذه الإشكاليات سيسهل علينا فهم العديد من الظواهر لدى الإسلاميين أنفسهم من قبيل حب الظهور وحب المال وحب السلطة والتراجع في مواقف معينة...، لأن هذه من خصائص النفس البشرية باستمرار. أما الإشكالية الثالثة، أن ما كانت الحركة الإسلامية تنادي به غيرها من الحكومات أصبحت اليوم تعرف وهي في سدة السلطة أن تنزيل العديد من القضايا على الواقع صعب جدا، وبالتالي فالحركة الإسلامية تتعامل مع واقع لو حاولت أن تشتبك معه بطريقة خطأ قد تكون التكلفة جد عالية، فهي اليوم ستتوقف عن أمور كانت تدخلها في خانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مسائل معينة تبدو للعامة أنه بوسعها وقفها لكن هي تعلم من داخل السلطة ومقاعد الحكم أنها لو فعلت ذلك فكل المشروع الذي تسعى إليه سيهدم وبالتالي ستتوقف، وهذا ناتج أيضا عن أن التفكير الإسلامي ابتداء الذي أنشأناه يراعي الحكم التكليفي كما يقول الأصوليون ولا يراعي الحكم الوضعي الذي هو السبب والشرط والمانع، فقد كلمنا الناس كثيرا عن طبيعة التكاليف ولم نقل لهم إن هذه التكاليف لا يمكن تنزيلها على الواقع إلا بتوفر الشروط المناسبة لإنجاز هذه الأشياء على الأرض وانه قد تكون هناك موانع من تحقيق التكليف، وهذا أمر لم ننشأه في الوعي ولذلك أصبحنا نحاسب الناس على أساس الحكم التكليفي وهذه إشكالية كبرى تواجه الحركات الإسلامية اليوم. ❍ إذن حنكة الحركة الإسلامية في التسيير تحتاج إلى وقت للاحتكاك أكثر بالواقع وظروف تنزيل سياسة ما، أم أن هناك مشكل مرتبط بالفكر الذي رسخت فيه مطالب مثالية؟ كل ما تحدثنا عنه كان أزمة فكرية بالأساس داخل الحركة الإسلامية، فهذه الأخيرة ومنذ القديم رأت أنها لا تحتاج إلا للفكر التبشيري، فهي لم تعالج سؤال الدولة، فكما قال السيد قطب « لماذا سنعالج إشكاليات لم نخلقها، أُعطونا الدولة والإسلام يخلق إجابات للمشاكل»، والحركة الإسلامية كانت تقول أن الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية و...، فكانت ترد أن لدينا السياسة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي ...، ونحن اليوم ندفع ثمن هذا الاختلال الفكري وهذا سيكلفنا الكثير، فاليوم الحركة الإسلامية تحتك وتكتشف عالما آخر فيه قروض من البنك الدولي بفوائد وفيه عدم قدرة على مساعدة فلسطين بالطريقة التي كانت تدعو إليها. لكنها بنات لاختلالات فكرية خلقت قبل الوصول إلى السلطة. ❍ المستمع إليكم الأستاذ جاسم يكاد يلمس نوعا من التشاؤم حول تجربة الإسلاميين في الحكم، ضدا على الكثير من الطروحات اليوم التي تروج اليوم لنجاح التجربة والتفاؤل الكبير بذلك؟ الموضوع في نظري لا يرتبط بالتشاؤم أو التفاؤل، ولكن أنت تتوفر على معطيات من الواقع الفكري للحركات الإسلامية وعندك معطيات من الواقع الطبيعي المتخلق في الظرف الذي وجدت فيه الحركات الإسلامية، وتريد أن تجد العذر للحركات الإسلامية في حالة قصورها، وتريد في نفس الوقت أن تقول أن هذا كان لابد منه، فطالما أنك بعيد عن مقاعد السلطة ولا تعرف عددا من الوقائع على حقيقتها وهي تهم الواقع الاجتماعي والاقتصادي المحلي والدولي، فأنت باستمرار تتحدث في فضاء يبدو مفتوحا يؤطره كلام (يجب عمل هذا ويجب عمل هذا ويجب عمل هذا)، والحركة الإسلامية ما دامت دخلت إلى التجربة عمليا فلم يعد الخطاب هو يجب عمل كذا، بل هل هذا ممكن أو غير ممكن في الواقع، ومنحنى التعلم هذا يبشر بخير كثير إن شاء الله، وأنا الآن أجلس مع مختلف القيادات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة وقد وجدتهم مدركين لحجم القصور المعرفي وقصور الإجابات عن احتياجات الواقع الحقيقي، وأنا أقول أن مجرد الاعتراف خير، وهو يعني أيضا أنك ستبذل جهدا للتعويض حتى لو خسرت هذه الجولة لكن في الجولة القادمة ستكون لك فرصة كبيرة لتصلح من أفكارك وبرامجك، حيث ترحم الناس وترحم نفسك. ❍ اشترطتم في كتاب قوانين النهضة توافق البرامج والأفكار المراد تنزيلها مع قيم المجتمع من أجل نجاح التغيير المنشود، فهل يفهم من كلامكم الفشل الحتمي لكل المحاولات التوفيقية التي تحاول أن تطبق أفكارا وبرامج لا علاقة لها بالمجتمعات العربية والإسلامية المراد تغييرها؟ طبعا مرورها أصعب، فأنت لو تكلمت عن العلمنة في تركيا ستجد أن الحركة الأتاتوركية خلقت لها فضاء مكن الحركة الإسلامية من أن تسبح على قشرة ناعمة أثناء الفعل الحضاري، لكن لو حاولت تنزيل نفس النموذج في المغرب أو في مصر ستلقى عنتا لأن البيئة غير جاهزة لاستقبال هذا النوع من التفكير البرغماتي، وباستمرار فإذا كان هناك تجانس بين صيغة الخطاب المطروح والأفكار والقيم واللغة المستبطنة في المجتمع ففرصة المجتمع للمرور تكون أسهل، فلو نظرنا إلى ماليزيا مثلا والتي لا تتوفر على تراث ديني ضخم وفيها كثلة كبيرة من الهندوس ومن الصينيين وهم من شكلوا الكتلة الرئيسية للتقدم دون العبور عبر تفكيك المسار الثقافي الديني داخل المجتمع، لكن لو كنت في المغرب وتريد تحقيق نفس النتيجة فأنت محتاج إلى تفكيك حقل الألغام الذي يقف أمامك قبل أن تستطيع العبور إلى المرحلة الثانية والتي هي مرحلة النماء. ❍ بحديثك عن التيار العلماني هناك حديث اليوم عن صفعة ديمقراطية تلقاها هذا التيار من قبل الشعوب العربية جراء تركتها وماضيها وعلاقتها بالأنظمة المستبدة، كما أن هناك محاولات اليوم لإعادة ترتيب الصف العلماني، لا أدري كيف ترصد مواقف وتحركات العلمانيين العرب اليوم؟ التيارات العلمانية مثل كل التيارات الأيديولوجية أو على الأقل فصائل منهم، هي تنسى الموضوع الرئيسي الذي هو الوطن وتتشبث بالأفكار، وفي تقديري وإذا نظرت مثلا إلى إقامة دولة إسرائيل فمن أقاموها كانوا علمانيين فهردزل مثلا رفض الحاخامات أن يعقدوا قرانه وقالوا هذا ليس بيهودي، فذهب إلى أكثر الحخامات ليبرالية وأخذه لعقد قرانه فرفض هذا الثاني وقال له أنت لست بيهودي، لكن وعلى الرغم من علمانيته قال بأن هذه الدولة بهذا المجتمع يحتاج لينشئ للرمز الديني واللغة الدينية ورد الاعتبار للمتدينين والمهم هو إنشاء الدولة، ولذلك من أنشؤا إسرائيل وعلى الرغم من علمانيتهم انتبهوا إلى أنهم لن يعبروا إلا من خلال مسلمات الشعب اليهودي. والعلماني عندنا يعتقد أنه قادر على كسر هذا القالب بالكامل ويقيم قالبا آخر على الرغم من كون حقائق الوضع تصدمه، والشيء نفسه الذي سيحدث لمتدين يذهب لمجتمع من المجتمعات تم فيه مستوى كبير من العلمنة مثل تركيا ويريد أن يسقط عليهم نموذجا معرفيا من طالبان بالطبع سيلقى عنتا، فهم مسلمون لكن نموذج طالبان لا يمكن أن يصلح في تركيا، ولذلك وجب مراعاة خصوصيات كل بلد على حدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يسأل في عرس، ويقول، هل أحضرتم من يضرب الدف ويغني؟ فسألوه كيف، فأجاب بأن أهل المدينة قوم يحبون اللهو وهذا مثال على استحضار مشاعر الناس وأفكارهم. فالحركة العلمانية في العالم العربي ليست حركة موضوعية وهمها ليس الوطن بالأساس إنما همها تطبيق الأفكار التي تنتجها دون مراعاة الواقع، وبعض الإسلاميين يفعل ذلك أيضا، عندما يريد تطبيق أفكار معينة عكس خصوصيات المجتمع، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة «والله لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت هذا البيت وأقمته على قواعد إبراهيم» فالرسول صلى الله عليه وسلم وعلى الرغم من دخول الناس في الإسلام لم يرد هدم البيت لأنه لو حدث ذلك سيحدث دويا لا حدود له، ولا أحد يريد تحمل مسؤولية هذا النوع من التفكير. فالناظر اليوم إلى العلمانيين سيجد عندهم مشكلة كبيرة جدا فهم يعتقدون أن الأصل أن يكون الحكم لهم وأن أولئك البائسين بالنسبة لهم والظلاميين والإسلاماويين وصلوا إلى الحكم باختيار شعبي ويعتبرون أن الشعوب والإسلاميين جاهلين وأن وصول الإسلاميين للحكم خطأ تاريخي ينبغي تصحيحه، وهذا النوع من التفكير سواء جاء من العلمانيين أو من الإسلاميين فهو خطاب يتجاهل مطلب إقامة الوطن والمجتمع الجديد ويتجاهل أنه يمكننا الاتفاق حول أية قضية مادام لدينا وطن نريد أن ننشئه للجميع، وإذا تم الاتفاق حول هذه القضية الباقي يمكن التفاهم حوله، وأتوقع في الحكومات التي شكلها الإسلاميون وفي حالة استمرارهم في الحكم طيلة العشر سنوات المقبلة قد يكرروا بعض أخطاء العلمانيين، فالعلمانيون عندما وصلوا للحكم أقصوا الإسلاميين من كل مراكز اتخاذ القرار وأقصوا النخب المفكرة من الإسلاميين من الإعلام وقاموا بحصار كبير من الناحية المعنوية على بقية الأفكار وهكذا نشأت الاختناقات التي وجد فيها الإسلاميين، لأن الفكرة العلمانية تحولت إلى فكرة شمولية، والإسلاميون يحتفظون اليوم في ذاكرتهم أيضا بفكرة شمولية فهناك احتمال أن يكرروا الأخطاء نفسها لكن هذه المرة بلغة دينية، تفضي إلى إقصاء الآخر وتهميشه وحصاره وإدانته وهكذا سندخل دورة ثانية من الصراع والضحية سيكون هو الوطن، فلو وقفنا وقفة تاريخية مع أنفسنا، وقلنا ماذا يحتاج بناء وطن صحيح وسليم سنجد أنه يحتاج إلى مواطنة حقيقية نؤمن بها من العمق وبالتالي لن يتم إقصاء أحد على أساس أفكاره إنما سيتم استيعاب كل شخص نافع للوطن ولأمته نافع لمشروع الوطن، وأعتقد أن الإسلاميين إذا انتبهوا إلى خطإ العلمانيين هذا ولم يرتكبوا مثله سيوفر على المجتمع العربي والإسلامي الكثير من الآلام، والعلماني يمكن أن يراجع نفسه إذا وجد نفسه غير مقصي وأنه لم يكن مهددا في الدولة التي حكمها الإسلاميون أو مطاردا أو مصادر الفكر أو محروما من التعبير. ❍ لكن الإسلاميين وجزء كبير من المجتمع يطرحون اليوم عدد من الإشكالات على هذا المستوى من قبيل السكر العلني والإفطار العلني وحماية بعض أوكار الدعارة وموجة من العري والمجون والشذوذ الجنسي وموجة الأفلام البورنوغرافية...، فكيف تنظر إلى طرق معالجة مثل هذا الإشكالات؟ أنا أنظر إلى هذه الظواهر بكونها ظواهر كونية اليوم، وأنها ليست ظواهر محلية تخص منطقة دون أخرى، ونحن نحتاج إلى أن نناقشها ونديرها أكثر من أن نهيأها، فكيف ندير هذه المواضيع المستجدة على العالم الذي نعيش فيه، وما هو حجم التسامح الذي نقدر أن نخلقه ونجنب المجتمعات الضرر دون أن ندخل في ذات الوقت في اصطدام مع هذه التحولات الكبرى التي تحدث في بيئتنا، فالمجتمع العربي والإسلامي ليس مطلوبا منه أن يستسلم أمام هذه الظواهر، لكن بالقطع لا يستطيع أن ينهيها. ❍ تقييمك للتجربة المغربية وطريقة تفاعلها مع الربيع العربي وأفقها الإصلاحي؟ الذي يبدو واضحا أن المغرب حاول أن يتجاوز هذه الأزمة بطريقة ذكية فمجرد إعلان الدولة عن إصلاحات دستورية وإقامة انتخابات نزيهة وأنها ستحترم نتيجة الانتخابات، فهذا كان أمرا كافيا لتنفيس الضغط وأخذ الدولة لفرصة أخرى للاختبار، وقد شاهدنا في المناطق الأخرى أن خطاب الزعماء كان مستعليا على مطالب الناس ويتهم الناس بعدم الفهم وأنه لن يمنحهم شيئا، ففي سوريا قيل أن هذا الكلام تجووز من زمان وفي مصر قيل لهم أن هذه خططنا ولن نتراجع عنها والخلاصة أن كل من لم يعبر عن مصالح شعبه انهار. والمغرب دخل في تجربة جديدة أسأل الله لها النجاح لأن الخيارات الأخرى في حالة فشلها صعبة ومظلمة.