هل يمكن اعتبار المتاجرة بصورة المرأة في الإعلام نوعا من أنواع الاتجار بالبشر؟ من خلال التعاريف التي تطرحها أدبيات الأممالمتحدة أو منظمة العمل الدولي للاتجار بالبشر نجد أنها تركز على الاتجار المادي بالنساء والأطفال وغيرهم باستعمال القوة والتهديد والتخويف و الإكراه أو عن طريق التحايل والإغواء وغير ذلك من الأشكال التي لا تخرج عن كون المُتاجَر به يجد نفسه مرغما على أن يتحول إلى سلعة رائجة بهدف إشباع النزوات الجنسية أو لتلبية الحاجة إلى اليد العاملة الرخيصة أو العمالة القسرية. و المتاجرة بصورة المرأة في الإعلام، وبالتأمل في طبيعتها وأهدافها ووسائلها، تمثل شكلا من أشكال الاتجار المعنوي بالبشر وخاصة النساء. ففي هذه التجارة تكون صورة المرأة ووضعها المعنوي هي البضاعة التي يتم ترويجها لأغراض تجارية محضة. و العائد المالي ل»الشبكة الإعلامية للاتجار بالبشر» يضاهي العائد المالي للاتجار المادي بالبشر الذي يأتي في المرتبة الثالثة بعد الاتجار في الأسلحة والمخدرات في العالم. وتكفي الإشارة هنا إلى تجربة بطل الاتجار الإعلامي بالنساء صاحب الإمبراطورية الإعلامية العالمية «بلاي بوي» والذي انطلق ببيع أثاث منزله ليتمكن من إخراج أول مجلة في تاريخ الإعلام توظف جسد المرأة كعنصر إثارة قصد الترويج التجاري، ليتحول في وقت قياسي وجيز إلى أحد أكبر رجال المال والأعمال في العالم.لكن، وهذا هو الخطير، ليؤسس لفلسفة إعلامية إباحية اخترقت، وبنسب متفاوتة، أغلب وسائل الإعلام اليوم، بضاعتها الرائجة والمُروِّجَة هي جسد المرأة. إن الإعلام المتاجر بصورة المرأة يلتقي واقعيا مع الاتجار المادي بالبشر في كثير من المستويات. فكلا التجارتين بضاعتهما المرأة، الأولى بشكل غير مادي والثانية بشكل مادي، لكن أخطر تلك المستويات هو أن ذلك الإعلام يساهم في توفير القاعدة الثقافية و القيمية التي تكرس صورة «المرأة البضاعة» و تشجع على الاتجار الفعلي بالنساء في نهاية المطاف، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى أن الإعلام الإباحي يعتبر الوقود الأساسي للسعار الجنسي في العالم اليوم، وأن أولى ضحايا هذا السعار هي المرأة ثم الطفل، كما تؤكد ذلك كثير من الدراسات. إن الإعلام المتاجر بصورة المرأة يكرس صورا نمطية حول النساء تختزلهن، من جهة أولى، في أنهن مجرد جسد للمتعة الجنسية، من خلال اعتماد الصور المثيرة جنسيا بدعوى الانفتاح أو خدمة الفن، غالبا ما تكون بدون مبررات مهنية واضحة، اللهم ما يتعلق بضمان الرواج التجاري. ومن جهة ثانية، في تكريس ثقافة الاستعباد تجاه النساء حين تنشط في نشر الصورة النمطية التي لا ترى في المرأة سوى خادمة الرجل و البيت. إن «الشبكة الإعلامية للاتجار بالبشر»، كما هو الشأن في الاتجار المادي بالبشر، تعتمد التحايل في المتاجرة بصورة المرأة، حين تتستر وراء شعار تحقيق «ما يطلبه القراء أو المشاهدون أو المستمعون» في غياب أي التزام أخلاقي تجاه المجتمع و قيمه وفي استهتار فج بأخلاقيات المهنة وقواعدها، بل وتستغفل الرأي العام بمظلومية مقززة حين تجعل خلاصها الأساسي من الإفلاس المالي في المتاجرة بصورة المرأة. ومن الغريب والمفارق أن يستطيع هذا الخطاب كسب مؤيدين حتى وسط المدافعين على حقوق المرأة ! و تعتمد تلك الشبكات الإعلامية نوعا من الإكراه ضد المجتمع ومؤسساته في فرض مشروعها برفع فزاعة الإضرار بحرية الصحافة والتضييق عليها، وفي الاستقواء بأدعياء الدفاع عن الحريات الفردية. إن من المفارقات التي تستدعي الملاحظة و التوقف هي أن «الشبكة الإعلامية للاتجار بالبشر» نجحت في إدماج مشروعها الاستعبادي للمرأة ضمن أدبيات الخطاب التحرري الموجه أصلا لتحرير النساء و ضمن آليات تصريفه. وشرب هذا الخطاب التحرري المصاب بالعمى الأيديولوجي «سم» الاتجار بالمرأة في «عسل» أوهام مواجهة الانغلاق و التطرف و التزمت وما إلى ذلك من مزاعم أوقعتهم في منزلق الإباحية التي تنتهي بالمتاجرة بالمرأة. وفي الوقت الذي يخدم فيه تجار الشبكة الإعلامية أهدافهم المالية، يتوهم دعاة التحرر أنهم يتقدمون في حربهم على القيم المحافظة كلما انتشرت ثقافة الإباحية وصور المرأة العارية. فهل يأتي زمان يتعبأ فيه المجتمع الدولي والأهلي ضد الاتجار المعنوي بالبشر الذي تمثله «الشبكة الإعلامية للاتجار بالبشر»، كما تعبأ ضد الإتجار المادي بالبشر؟